الجمعة 23 مايو / مايو 2025
Close

واشنطن تريد تنازلات إيرانية.. كيف صدم ترمب نتنياهو في مفاوضاته النووية؟

واشنطن تريد تنازلات إيرانية.. كيف صدم ترمب نتنياهو في مفاوضاته النووية؟

شارك القصة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
يطالب نتنياهو "بتخصيب صفري" لليورانيوم وتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية- غيتي
الخط
مثل تحول دونالد ترمب نحو المفاوضات الأميركية مع طهران حول البرنامج النووي صدمة لبنيامين نتنياهو الشهر الماضي.

صدم الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقراره الشهر الماضي الدخول في مفاوضات على الفور مع طهران، وهي محادثات قالت ثمانية مصادر لوكالة "رويترز" إنها تتوقف حاليًا على نيل تنازلات مهمة قد تمنع إيران من تطوير قنبلة نووية.

وكان التحول نحو المفاوضات مع إيران في أبريل/ نيسان بمثابة صدمة لنتنياهو الذي سافر إلى واشنطن سعيًا للحصول على دعم ترمب لشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية.

وقالت أربعة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز": إن رئيس الوزراء الإسرائيلي علم قبل أقل من 24 ساعة من مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض أن المحادثات الأميركية مع إيران ستبدأ في غضون أيام.

وأفاد مسؤول أمني إيراني كبير بأن طهران لا تزال تشعر بقلق بالغ من شن هجوم إسرائيلي سواء تم التوصل إلى اتفاق أم لا.

ومع ذلك، عقدت الولايات المتحدة وإيران في غضون ثلاثة أسابيع فقط ثلاث جولات من المحادثات تهدف إلى منع طهران من صنع سلاح نووي مقابل تخفيف العقوبات.

خطة عمل شاملة مشتركة

ومن أجل هذه القصة، تحدثت "رويترز" إلى مسؤولين ودبلوماسيين من جميع الأطراف المنخرطة في المحادثات والذين أدلوا بتفاصيل قيد المناقشة لم تنشر من قبل. وطلبت جميع المصادر عدم نشر أسمائها نظرًا لحساسية المفاوضات المستمرة، بحسب الوكالة.

وقالت ثمانية مصادر إن إطارًا مبدئيًا قيد النقاش حاليًا يُبقي على جوهر خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وهي الاتفاقية النووية التي انسحبت منها الولايات المتحدة عام 2018 خلال الولاية الأولى للرئيس ترمب.

وقد لا يشهد الاتفاق الجديد اختلافات جذرية عن سابقه الذي وصفه ترمب بأنه الأسوأ في التاريخ، لكن‭‭‭‭ ‬‬‬‬جميع المصادر أشارت إلى تمديد أجله إلى 25 عامًا وتشديد إجراءات التحقق وتوسيع ما يطلق عليها "بنود الانقضاء" التي تعلق جوانب بالبرنامج النووي الإيراني ولكنها لا تفككه تمامًا.

وذكرت جميع المصادر أنه بموجب الشروط الجاري مناقشتها، ستحد إيران من مخزون اليورانيوم وأنواع أجهزة الطرد المركزي وستخفف أو تصدر أو تحفظ مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% في وجود رقابة غير مسبوقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقال المفاوض السابق دينيس روس، الذي عمل لدى إدارات أميركية جمهورية وديمقراطية، إن أي اتفاق جديد لا بد أن يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة من خلال فرض تغيير هيكلي دائم على قدرات طهران النووية وتقليص بنيتها التحتية إلى مستوى يجعل تطوير قنبلة نووية خيارًا غير عملي.

وقال لرويترز: "أي شيء أقل من ذلك سيبقي التهديد قائمًا". لكن هناك عدة خطوط حمراء بدأت تظهر وسيتعين على المفاوضين تجاوزها للتوصل إلى اتفاق وتجنب أي عمل عسكري في المستقبل.

وأهم تلك الخطوط قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وهو أمر تطالب واشنطن وإسرائيل بوقفه تمامًا، مما يجعل طهران تعتمد على اليورانيوم المستورد لمحطة بوشهر، وهي محطتها النووية الوحيدة القائمة وتقع على ساحل الخليج.

"حق غير قابل للتفاوض"

ويطالب نتنياهو "بتخصيب صفري" لليورانيوم والتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية على غرار ما حدث مع ليبيا.

وتقول إيران إن حقها في التخصيب غير قابل للتفاوض. لكن ثلاثة مسؤولين إيرانيين قالوا إن حجم مخزون اليورانيوم وشحنه خارج البلاد وعدد أجهزة الطرد المركزي هي أمور قيد النقاش.

وأكدت المصادر كلها، ومنها ثلاثة مسؤولين إيرانيين، أنه وبموجب المقترحات التي جرى بحثها في جولات المحادثات في أبريل، ستضع إيران سقفًا لمستوى التخصيب عند 3.67%، بما يتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة.

وأضافت المصادر الإيرانية أن طهران منفتحة أيضًا على منح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق وصول موسع إلى مواقعها النووية.

وأوضحت المصادر أن المقترحات لا تهدف إلى تفكيك البنية التحتية النووية لطهران بالكامل كما تريد إسرائيل وبعض المسؤولين الأميركيين، بل تهدف إلى فرض قيود دائمة على تخصيب اليورانيوم تمنع أي تجاوز للحدود.

وبدا أن ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط يقر بهذا الموقف في تعليقات أدلى بها الأسبوع الماضي، لكنه قال لاحقًا إن على إيران أن "توقف تخصيب اليورانيوم وتنهيه تمامًا".

وقال أليكس فاتانكا، الزميل والمدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن أحد الحلول الممكنة يمكن أن يكون قبول إيران فترات توقف طويلة لبرنامج التخصيب من خلال تمديد بنود الانقضاء.

وأضاف: "لو تحلى الإيرانيون بالذكاء فسيتفقون على بنود انقضاء أطول بكثير في المستقبل"، مؤكدًا على أهمية أن يتمكن كل جانب من إعلان انتصاره في المحادثات.

الحد الأدنى من التخصيب

وقال أحد المصادر الإيرانية الثلاثة، وهو مسؤول أمني كبير، لرويترز إن هناك حلًا وسطًا محتملًا آخر يتمثل في احتفاظ إيران بالحد الأدنى من التخصيب، من خلال خمسة آلاف جهاز طرد مركزي، مع استيراد بقية اليورانيوم المخصب، ربما من روسيا.

وذكر المسؤولون الإيرانيون الثلاثة أنه مقابل وضع قيود على التخصيب، طالبت طهران بضمانات قاطعة بأن ترمب لن ينسحب مجددًا من الاتفاق النووي.

وأضافوا أن من بين الخطوط الحمراء التي وُضعت بتكليف من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي؛ خفض كمية اليورانيوم المخصب الذي تخزنه البلاد إلى ما دون المستوى المتفق عليه في اتفاق عام 2015.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ديسمبر/ كانون الأول إن إيران زادت "بشكل كبير" كمية اليورانيوم التي يمكنها تخصيبها إلى درجة نقاء 60%.

وسمحت خطة العمل الشاملة المشتركة فقط لإيران بتخزين اليورانيوم المخصب الذي تنتجه أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول من طراز آي.آر-1، لكن طهران تستخدم الآن طرزًا أكثر تطورًا بكثير محظورة بموجب اتفاق عام 2015.

وقال مصدر إقليمي رفيع المستوى مقرب من طهران، إن الجدل الدائر حاليًا حول مخزونات اليورانيوم الإيرانية يتركز على ما إذا كانت إيران "ستحتفظ بجزء منه، مخفف، داخل البلاد بينما ترسل جزءا آخر إلى الخارج، ربما إلى روسيا".

ووفقًا للمصدر، طرحت إيران فكرة بيع اليورانيوم المخصب للولايات المتحدة.

"التوقف عن الصواريخ الباليستية"

وتشغل إيران حاليًا حوالي 15 ألف جهاز طرد مركزي. وبموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، سمح لها بتشغيل حوالي ستة آلاف جهاز.

وقال المسؤول الإيراني الكبير: "تتجه المفاوضات بشكل أساسي نحو خطة عمل شاملة مشتركة 2 مع بعض الإضافات التي ستسمح لترمب بتقديمها على أنها انتصار، بينما تتمكن إيران من الاحتفاظ بحقها في التخصيب".

وهناك نقطة خلاف شائكة أخرى تتعلق بقدرة إيران على تصنيع الصواريخ الباليستية. وتقول واشنطن وإسرائيل إن عليها التوقف عن تصنيع الصواريخ، بينما تقول طهران إن لها الحق في الدفاع عن نفسها.

وذكر مسؤول إيراني في وقت سابق لرويترز أن بلاده لن تقدم أي تنازلات أخرى بخصوص برنامجها الصاروخي تتجاوز تلك المتفق عليها بموجب اتفاق 2015، وتعرض فقط الامتناع عن صنع صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية "كبادرة حسن نية".

وقال مسؤول أمني إقليمي إن واشنطن تضغط لإدراج برنامج الصواريخ الباليستية في المحادثات، لكن طهران "لا تزال ترفض أي نقاش".

وأضاف "المشكلة هي أنه بدون معالجة قضية الصواريخ، لا يمكن لترمب القول إن الاتفاق الجديد يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة".

ويبرز المفاوض السابق روس التناقض إذ تخلى ترمب عن خطة العمل الشاملة المشتركة لكونها ضعيفة للغاية، ونتيجة لذلك فإنه يواجه الآن واقعًا تقف طهران فيه على أعتاب امتلاك قدرات صنع أسلحة نووية.

وقال: "قبول اتفاق يحاكي أو يخفف الاتفاق الأصلي سيكون أمرًا يصعب تبريره سياسيًا"، مشيرًا إلى أن الاتفاق يجب أن يخفض أجهزة الطرد المركزي من 20 ألفًا إلى ألف، ويؤدي لنقل كل المخزونات المخصبة إلى الخارج وفرض عمليات تفتيش دقيقة تدعمها عقوبات.

وشبه المحلل فاتانكا المأزق الحالي الذي تعيشه إيران بقرار قبول وقف إطلاق النار مع العراق الذي اتخذه مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني في عام 1988 حين شبه تلك اللحظة بتجرع "كأس السم المر".

وقال فاتانكا: "الأمر يتعلق بالبقاء وليس الاستسلام".

ويقول دبلوماسيون إن نتنياهو يرى أن هناك فرصة نادرة سانحة بعد أن أدت الحملات العسكرية العام الماضي إلى شل الدفاعات الجوية الإيرانية وتدمير ترسانة حزب الله الصاروخية، وسيلة طهران الأساسية للردع، بحسب "رويترز".

وقال مسؤول في الشرق الأوسط: "هذه فرصة تاريخية لإسرائيل لضرب المواقع النووية الإيرانية".

وأضاف أن الولايات المتحدة تعارض هذه الخطوة لعدة أسباب، أهمها مخاوف دول الخليج التي لا يمكن أن تتجاهلها واشنطن بسبب علاقاتها الاستراتيجية والاقتصادية الوثيقة في المنطقة.

واستطرد قائلًا: "غير أنه سيتعين عليها التفكير في حسابات إسرائيل الأمنية.. وبالتالي قد لا تشارك الولايات المتحدة بشكل مباشر، لكنها قد تقدم دعمًا غير مباشر. ستكون هذه العملية صعبة على إسرائيل لكنها ليست مستحيلة".

وأرسل الجيش الأميركي تعزيزات لقواته في الشرق الأوسط خلال الأسابيع القليلة الماضية. ونشرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ست قاذفات من طراز (بي-2) في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي، وهي موقع استخدمته من قبل في دعم عملياتها العسكرية بالشرق الأوسط.

كما أن الولايات المتحدة لديها حاليًا حاملتا طائرات في المنطقة التي نقلت إليها أيضًا أنظمة دفاع جوي من آسيا.

وقال آلان إير، وهو دبلوماسي أميركي سابق وخبير في شؤون الشرق الأوسط يتحدث الفارسية، إن أي ضربة قد تبطئ برنامج إيران النووي، لكنها لن تقضي عليه، مضيفًا: "لا يمكن أن تقصف المعرفة، إنها موجودة، أتقنت إيران تخصيب اليورانيوم".

تابع القراءة

المصادر

رويترز
تغطية خاصة