يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رغم سمعتها التصعيدية، قد اختارت كبح النار في السلاح الإسرائيلي الموجّه نحو إيران، حسبما يدور في أروقة القرار الأميركي.
ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فقد صرف ترمب القيادة الإسرائيلية عن شن ضربة وشيكة للمفاعلات الإيرانية، واضعًا كل الأوراق على طاولة التفاوض، بعد أن خيّر طهران بين الاتفاق أو القصف.
ويعد هذا الأمر انعطافة تعيد فتح أبواب الدبلوماسية. وفيما تتحرك واشنطن خلف الكواليس لصياغة تفاهم جديد، تجد في المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي والوكالة الذرية شريكًا موثوقًا في اختبار النوايا الإيرانية.
ضربة إسرائيلية لمواقع نووية إيرانية
أما في إسرائيل، فيعلو صوت الغضب من كبح الهجوم الذي كان مقررًا الشهر المقبل، إذ نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" امتعاضًا عسكريًا من تسريب واشنطن عن الخطة الملغاة، معتبرة أن الضربة كانت على بعد أسابيع، وأن الأميركيين تعمدوا التشويش على أوراق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
والهجوم الذي كان يراد له أن يكون مفاجئًا تحول إلى عبء دبلوماسي على وقع تبادل اتهامات في الساحة الداخلية الإسرائيلية، واتهامات لنتنياهو بالعبث بسمعة الردع الإسرائيلي، وإضعاف التحالف مع واشنطن في لحظة حرجة.
أما طهران، فتقف على عتبة مفاوضات تراوح بين الثقة والريبة، بينما وصف غروسي اللحظة بـ"البالغة الأهمية"، وأكد أن الوقت يداهم الجميع.
وبدت تصريحات المسؤولين الإيرانيين أكثر مرونة من المعتاد، مؤكدين ثقتهم بغروسي، ولكنهم لم ينسوا التذكير بمحاولات العرقلة.
وفي الأثناء، يحمل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رسالة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى موسكو، بينما تتقاطع زيارات رفيعة بين طهران والرياض، في مشهد إقليمي ينذر بأن الملف النووي لم يعد مجرد معادلة تخص طهران وواشنطن، بل مفترق طرق للمنطقة.
إيران تطمح إلى اتفاق "مستدام وطويل الأمد"
وفي هذا الإطار، أكد أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة طهران حسن أحمديان، أن إيران ما زالت تشكك في النوايا والأهداف الأميركية، لكنها في الوقت نفسه لم تغلق باب الدبلوماسية لتعود إلى المفاوضات.
وفي حديث للتلفزيون العربي من طهران، أضاف أحمديان أن إيران كانت وما زالت عضوًا في الاتفاق النووي لعام 2015، والولايات المتحدة هي من خرجت منه.
وفيما أشار إلى أن طهران منفتحة على التفاوض، لفت إلى أن هناك وضعًا مستجدًا، ويبدو أن واشنطن أكثر انفتاحًا على اتفاق ما يشبه اتفاق 2015.
وأوضح أن إيران تطمح إلى اتفاق مستدام وطويل الأمد.
"فرصة للوصول إلى اتفاق"
من جهته، أعرب أستاذ الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الوطنية الأميركية ديفيد ديروش عن اعتقاده، بأن "إدارة ترمب ترغب بالوصول إلى اتفاق إستراتيجي يتصدى لبعض مشاكل الاتفاق الذي توصل إليه باراك أوباما، المتعلقة بحدود البرنامج النووي، ووكلاء إيران والصواريخ".
وفي حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، رأى ديروش أن هناك فرصة للوصول إلى اتفاق بين أميركا وإيران.
وأضاف أن مشاركة طهران في المفاوضات يعد خطوة إيجابية، بالإضافة إلى التقارير التي تتحدث عن وصول اجتماع وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى 45 دقيقة في مسقط، على حد قوله.
وفيما رأى ديروش أن هناك تفاؤلًا بشأن المفاوضات، أعرب عن اعتقاده بأن إدارة ترمب تحاول إخبار إسرائيل أنه يجب التراجع، للاستمرار في هذه المفاوضات ورؤية ما هي النتيجة.
واعتبر أن تخطيط إسرائيل لهجمات على إيران يعد جزءًا من الضغوط التي يتم وضعها على طهران لتقديم التنازلات في مجالات أخرى، وليس فقط بالبرنامج النووي.
هل تشن إسرائيل ضربة عسكرية على إيران؟
من جهته، أشار الباحث في مركز "مدى الكرمل" إمطانس شحادة إلى أن إسرائيل تعتقد أن بإمكانها استغلال الحالة في الشرق الأوسط، لتوجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي الإيراني.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من حيفا، أن تل أبيب اعتقدت أن إدارة الرئيس الأميركي ستدعم هذه الخطوة، وتنفذ تهديداتها على أرض الواقع.
وأوضح أن هناك فرقًا جديًا بين تصور إسرائيل للاتفاق والإدارة الأميركية، مشيرًا إلى أن نتنياهو صرح أن تل أبيب تريد أن يكون الاتفاق شبيهًا للنموذج الليبي، أي تدمير وتفكيك كل المشروع النووي الإيراني.
بينما الإدارة الأميركية، بحسب شحادة، فتقول إنها لا تريد أن يكون لإيران مشروع نووي عسكري، وتقبل أن يكون لها مشروع مدني.
وفيما أشار إلى أن إسرائيل لا تريد الاصطدام بالإدارة الأميركية، لفت إلى أنها تعطي مجالًا للمفاوضات، لكن هذا لا يلغي إمكانية توجيه ضربة عسكرية بشكل مطلق، شارحًا أن هذا الأمر يتعلق بنتيجة المفاوضات، ومدى اقتناع تل أبيب بنتائجها.