عادة ما يرمز "الجاكوزي" إلى ترف الاسترخاء الهادئ في حوض استحمام دافئ، بما فيها الفقاعات البخارية والماء الساخن والروائح العطرة.
ولكن إذا قمنا بتعديل المشهد لجعل تلك الفقاعات البخارية مليئة بغاز الميثان، والماء الساخن الصافي إلى مياه مالحة، فإننا نتحدّث عن "جاكوزي الموت" في خليج المكسيك قبالة سواحل لويزيانا.
ولذلك، لا يُعَدّ هذا المسبح المالح تحت الماء مكانًا لقضاء العطلات، بل عبارة عن جيب سام من مياه البحر يقتل أي شيء يسبح فيه.
ما هو "جاكوزي الموت"؟
"جاكوزي الموت" أو "جاكوزي اليأس" هو حالة جغرافية غريبة يعود تاريخ تكوينها إلى العصر الجوراسي قبل أكثر من 140 مليون سنة، عندما كانت الديناصورات تجوب الأرض.
وبين عامَي 2014 و2015، اكتشفت السفينة "EV Nautilus" بركة المياه المالحة القاتلة هذه على عمق 3300 قدم تقريبًا تحت سطح خليج المكسيك.
ويبلغ محيط "جاكوزي الموت" نحو 100 قدم وعمقه 12 قدمًا، مع درجة حرارة أكثر دفئًا بكثير من المحيط القريب منه.
وتشكّل "جاكوزي الموت" عندما انفصل بحر صغير عن المحيط الأكبر. وخلّف تبخّر مياه البحر رواسب ملحية ضخمة، والتي عندما عادت مياه المحيط، ذابت في مياه البحر لتُشكّل محلولًا ملحيًا.
ومع ارتفاع مستوى الملح بنسبة 5 أضعاف مستوى مياه البحر العادية، والمستويات المنخفضة جدًا من الأكسجين، والكميات الأعلى من غاز الميثان وكبريتيد الهيدروجين، تصبح برك المياه المالحة مثل "جاكوزي الموت" قاتلة للغاية لمخلوقات تزحف إليها.
ويجذب "جاكوزي الموت" عددًا من بعض الكائنات والبكتيريا مثل بلح البحر، الذي يُحبّ غاز الميثان الذي يتشبّع به جدار الباريت المُحيط بالبركة. ولكن من دون أن تدخل إلى البركة.
ما هي أهمية "جاكوزي الموت"؟
قد تبدو هذه البيئات "الغريبة" وكأنّها حياة على كواكب أخرى. لكنّ أهمية "جاكوزي الموت" لم تكن مرتبطة بعمقه، بل بطبيعته غير العادية والأشياء التي لم يقتلها.
ويمكن لبعض الميكروبات والبكتيريا أن تعيش في برك المياه المالحة. وتُعرف هذه الكائنات الحيّة الدقيقة باسم "الكائنات المتطرّفة" لقدرتها على البقاء في مثل هذه البيئة غير المضيافة.
وفي الوقت نفسه، فإن برك المياه المالحة نفسها التي لا يُوجد سوى بضع عشرات منها في جميع أنحاء العالم، هي "موائل متطرّفة" قد تُوفّر معاينة لمجموعة متنوّعة من البيئات التي يمكن أن نجدها على كواكب أخرى.
واعتبر إريك كوردس، أستاذ علم الأحياء المساعد في جامعة تيمبل والذي درس برك المياه المالحة، أنّ حمّامات المياه المالحة هي عالم فريد وغريب تمامًا وأماكن مثيرة للاهتمام حقًا، فهي تحتوي على الكثير من الميكروبات التي لا تعيش في أي مكان آخر في العالم، أو في أي موطن آخر.
وأضاف أنّ هناك الكثير من الأشياء التي يمكننا تعلمها من دراسة الكائنات الحية التي يمكنها البقاء على قيد الحياة في برك المياه المالحة وعلى الحافة مباشرة، والتي تساعدنا على معرفة المزيد عن إمكانيات الحياة على الأرض، والكواكب الأخرى.
هل هناك حمّامات ملح أخرى حول العالم؟
تُعتبر الحمّامات الملحية نادرة جدًا في جميع أنحاء العالم. ولا تحتوي جميع محيطات أو خلجان العالم على برك مالحة مثل "جاكوزي الموت".
وإلى جانب خليج المكسيك، تُوجد برك المياه المالحة في مكانين آخرين فقط هما: البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
ونشأت برك المياه المالحة في البحر المتوسط من خلال رواسب الملح التي خلّفها الفيضان الزانكلي الضخم، الذي ملأ البحر الأبيض المتوسط وأعاد تشكيل التاريخ الجيولوجي للأرض.
ولم تتشكّل هذه البرك المالحة مثل تلك الموجودة في خليج المكسيك، إلا عندما كان البحر معزولًا عن المحيط في العصور القديمة، ما سمح بنشوء "تكتونيات الملح" التي أنتجتها لاحقًا.
ومعظم البرك المالحة التي تمّ العثور عليها ويبلغ عددها 25 حتى الآن، موجودة في البحر الأحمر، وهي منطقة معروفة بهجوم أسماك القرش قبالة ساحل البحر الأحمر في مصر.