Skip to main content

يوسّع أهداف الحرب.. عزمي بشارة للعربي: نتنياهو يشعر أنه مطلق اليدين

الثلاثاء 8 أكتوبر 2024
أكد الدكتور عزمي بشارة أن السوابق التي سجلتها إسرائيل في الحرب على قطاع غزة ستترك بصماتها على الإنسانية جمعاء

اعتبر المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "حدثًا مفصليًا بمقاييس عالمية"، موضحًا أنّ ما بعدها لن يكون كما قبلها.

وفي لقاء خاص مع التلفزيون العربي، تحت عنوان "عام الإبادة.. عام القضية"، في الذكرى السنوية الأولى للسابع من أكتوبر، وبدء الحرب على غزة، أشار بشارة إلى أنّ إسرائيل غيّرت معايير السلوك في الحروب، لافتًا إلى أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه شعور بأنه مطلق اليدين وأنه يستطيع تنفيذ كل ما يريد.

وفيما رأى أنّ السوابق التي سجّلتها في هذا السياق ستترك بصماتها على الإنسانية جمعاء، حذّر من أنّ أخطر ما في الأمر هو أنّ هذه السوابق تحوّلت مع الوقت إلى "روتين متواصل"، مشدّدًا على وجوب عدم التقليل من حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة.

وتطرق بشارة إلى العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث رأى أنّ إسرائيل تشنّ حربًا عدوانية على لبنان مع سبق الإصرار والترصّد، متحدّثًا عن إجماع إسرائيلي على هذه الحرب، بعكس الحال مع غزة، حيث بدأ شرخٌ معيّن يظهر إزاء الاستمرار بها.

وفيما رأى أنّ حزب الله أراد تجنّب هذه الحرب لأنه يعرف أنّ بيئته الداخلية لا تريدها، وهو ما يؤكده سلوكه منذ الأيام الأولى، أعرب عن اعتقاده بأنّ تدخّله في سوريا، الذي وصفه بـ"خطأ عمره"، جعله مكشوفًا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وغيرها.

وأكّد أنّ التضامن العالمي لن يقدّم الكثير ما دام الوضع العربي والفلسطيني على حاله، مستغربًا كيف أنّ الصواريخ تمرّ فوق رؤوس الأنظمة العربية في المنطقة، وهم ينتظرون بلا أثر سياسي.

وشدّد على أهمية الوحدة الفلسطينية لمنع الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أهدافها، معتبرًا أنّ من عملوا على تهميش منظمة التحرير لا يدركون أنّ الحرب الحالية هي حرب على كل الشعب الفلسطيني.

وأكّد وجود فوارق جوهرية بين المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس، منبّهًا إلى أنّ ترمب يمكن أن يتماهى بشكل أو بآخر مع خطط تهجير الفلسطينيين، ومشيرًا إلى أنّه يرى الأمور بمنظور المطور العقاري، وهو ما تؤكده صفقة القرن.

رأى بشارة أن نتنياهو لديه شعور بأنه مطلق اليدين وأنه يستطيع تنفيذ ما أراد تنفيذه في السابق

"حدث مفصلي بمقاييس عالمية"

من هجوم السابع من أكتوبر في ذكراه السنوية الأولى، انطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه إلى التلفزيون العربي، حيث رأى أنّه يشكّل من دون شكّ علامة فارقة في تاريخ الصراع، بمعنى أنّ ما بعده ليس كما قبله.

وأوضح أنّ تداعيات هذا اليوم جعلت منه يومًا مفصليًا، خصوصًا على مستوى الحرب الشاملة التي شُنّت على غزة وسُجّلت فيها جرائم غير مسبوقة، تحوّلت لاحقًا إلى ما يشبه الروتين، وهو ما وصفه بالأمر المرعب.

وفيما أدرج بشارة في هذا السياق القصف على المستشفيات الذي أضحى روتينًا متواصلاً، لفت إلى أنّ الحرب على غزة بهذا المعنى، هي حدث مفصلي بمقاييس عالمية، حيث إنّ إسرائيل ومن تساوق معها على المستوى العالمي، غيّروا معايير السلوك في الحروب.

وبمعزل عن معاناة الأطفال والطواقم الطبية، استند بشارة في ذلك إلى أمر بسيط يتكرّر أيضًا في لبنان، من خلال استهداف المباني والأحياء السكنية الكاملة، بحجّة استهداف قياديّ من هنا أو هناك، لافتًا إلى أنّ مثل هذا الأمر كان من شأنه أن يقيم القيامة في السابق، مستشهدًا بما حصل عند اغتيال القائد السابق لكتائب القسام صلاح شحادة في العام 2002.

وتحدّث عن أمر آخر ميّز الحرب على غزة عن غيرها من حرب القرن الحادي والعشرين، أنّها الحرب الأولى بدون مراسلين، فباستثناء الإعلام العربي، يغيب المراسلون بالكامل عن قطاع غزة، رغم حضورهم في مستوطنات غلاف غزة في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى".

وقال: "جميعهم كانوا في قرى غلاف غزة يوم 8 أكتوبر وحوّلوا كل ضحية من ضحايا 7 أكتوبر الإسرائيليين إلى رواية وقصة شخصية، في وقت تعاني غزة ما تعانيه، من دون أن يكون هناك مراسلون لتغطية الحدث".

"ما يشبه نكبة جديدة"

استنادًا إلى ما تقدّم، قال الدكتور بشارة: "نحن أمام ما يشبه نكبة جديدة تغيّرت فيها أوضاع الشعب الفلسطيني عمومًا". ورفض الحديث عن "ذكرى"، باعتبار أنّ الحرب مستمرّة، معتبرًا أنّ هذا اليوم قد يكون "مناسبة للتأمّل والتفكير، لكن ليس إحياء ذكرى لأن الحرب مستمرة وصعب تخليصها".

وبصورة عامة، اعتبر أنّ حال الفلسطينيين ليس كما كان وحال الإقليم ليس كما كان، مشبّهًا هذا الوضع إلى حدّ ما بمرحلة ما قبل وما بعد دخول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الكويت من ناحية حجم التداعيات، وإلى أين يمكن أن يذهب التفكير الإسرائيلي.

الحرب على غزة حدث مفصلي بمقاييس عالمية حيث أن إسرائيل غيرت معايير السلوك في الحروب، كما أنّ السوابق التي سجلتها إسرائيل في الحرب على قطاع غزة ستترك بصماتها على الإنسانية جمعاء

ولفت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزبانيته والطغمة التي معه من المتطرفين، انتقلوا من مرحلة إلى مرحلة خلال الحرب بسبب العجز العربي والحالة الدولية، موضحًا أنّهم بدأوا بأهداف معينة وبدأوا يوسّعونها تدريجًا، "من منع تكرار هذه العملية من غزة وتجريد حماس من سلاحها أو ضرب قدرتها العسكرية، وصولاً إلى تطبيق مخططات مبيّتة كتوسيع الاستيطان وضرب المقاومة في الضفة وإضعاف السلطة الفلسطينية، وامتدادًا إلى لبنان اليوم".

وعلى الرغم من أنّ الإسرائيليين لم ينجزوا بعد أهدافهم المُعلَنة في غزة، إلا أنّهم بدأوا يشعرون منذ شهر يوليو/ تموز الماضي بأنّ الأمور تمّت، بمعنى أنّهم أنجزوا ما يستطيعون القيام به وانطلقوا بالتدريج. وتحدّث عن تغيير جوهري بهذا المعنى منذ يوليو، لافتًا إلى وجود "شعور لدى نتنياهو بعد خطاب الكونغرس أنه مطلق اليدين وأنه يستطيع أن ينفذ ما أرادوا في السابق تنفيذه".

ما قبل السابع من أكتوبر

وإذ انتقد بشارة السردية الإسرائيلية والغربية، التي توحي وكأنّ القضية الفلسطينية بدأت في السابع من أكتوبر، ذكّر بما كانت تتعرض له المناطق المحتلة في السنوات الأخيرة، وتحديدًا في عهد الحكومة اليمينية الحالية، من قمع وتنكيل، تخطّت وتيرته ما كان عليه في السابق.

ولفت إلى أنّ الوضع في الضفة الغربية وصل إلى انفجار مع عملية سيف القدس التي جاءت ردًا على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وكلّ ذلك بالتوازي مع توسيع الاستيطان ومطاردة الفلاحين والمزارعين من قبل المستوطنين وما يسمى فتية التلال، فضلاً عن طريقة التعامل مع الأسرى في السجون، التي تغيّرت أيضًا 180 درجة.

وأشار بشارة إلى الظروف السياسية التي كانت قائمة أيضًا عشيّة لحظة السابع من أكتوبر، على مستوى تهميش القضية الفلسطينية، خصوصًا بعد اتفاقيات أبراهام والتي أعقبتها اقتراحات صفقة القرن، والتي كرّستها الإدارة الأميركية الحالية التي اختلفت مع سابقتها على كلّ شيء إلا على مقاربة قضية فلسطين، إذ واصل الرئيس جو بايدن النهج الذي بدأه سلفه دونالد ترمب.

وتحدّث أيضًا عن قضايا أخرى متعلقة بتضييق الحصار على قطاع غزة، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ القيادة التي تُتَّهَم الآن أنها متطرفة ومجنونة كان لديها توجه براغماتي لناحية الاستعداد لهدن طويلة مقابل وقف الحصار، وبالتالي فهي سياسيًا كانت قيادة براغماتية.

ولفت إلى أنّ هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تحضير عملية من هذا النوع، مشدّدًا مثل هذه العملية لا تحضّر في شهر أو شهرين، بل تحتاج إلى وقت طويل.

قال بشارة إن إسرائيل قامت بكل شيء لمحو صورة المذلة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر

هل توقع الفلسطينيون نتائج 7 أكتوبر؟

وردًا على السؤال الذي يُطرَح دائمًا عمّا إذا كان الفلسطينيون الذين نفذوا هجوم السابع من أكتوبر كانوا يتوقعون النتائج، قال بشارة: "بالتأكيد لم يتوقعوا هذه النتائج وإلا لما فعلوها". لكنه اعتبر أنّ السؤال الأعمق الذي يجب أن يُطرَح هو في الاتجاه المعاكس، وتحديدًا "لماذا لم تتوقع إسرائيل مثل هذه العملية؟".

وأوضح أنّ اللوم أولاً هو على المستعمِر بأنه يقوم بكل ما يقوم به ثم يُفاجَأ بردّ المستعمَر، مشدّدًا على أنّ "ردّ المستعمَر لا شيء مقارنة بما يفعله المستعمِر". وقال: "حتى لو أخذنا السنوات القليلة الأخيرة، كان يجب أن يتوقع المستعمِر ردًا ما، وكان ينبغي عليه أن يتوقع أن تنفجر غزة"، مشدّدًا على أنّ العالم يجب أن يلوم إسرائيل، ولا سيما أنّ مقاومة الاحتلال هي حق من الناحية القانونية، وواجب من الناحية الأخلاقية.

وبصورة عامة، اعتبر بشارة أنّ الفلسطينيين لم يحسبوا النتائج المباشرة للعملية، ولا حجم الهشاشة الإسرائيلية والانهيار السريع في ذلك اليوم، علمًا أنّ النجاح الكبير الذي أزعج إسرائيل هو اقتحام فرقة غزة، في حين أنّ النجاح الذي استغلته إسرائيل هو اقتحام البلدات، معتبرًا أنّ هذا كان يمكن التحكم به إلا إذا حصلت أشياء لا يستطيعون التحكم بها. ورأى أنّه كان ينبغي إطلاق سراح المدنيين فورًا وكسب التفوق الأخلاقي والسياسي، لأنّ ذلك شكّل عبئًا.

لكن أبعد من هذا التفصيل، أكد بشارة أنّ ما لم يكن ممكنًا توقعه هو حجم الرد الإسرائيلي، قائلاً: "إذا كنا نستهجن حجم الجرائم ونعتقد أنها سوابق، فكيف نتوقعها؟ هل عليّ أن أتوقع أن تقصف إسرائيل كل المستشفيات والمدارس و70% من المساكن وأن تواصل ذلك عامًا كاملاً؟". وأردف: "أي توقع لهذا هو تبرير لما حصل، بما أنك تتوقع العقلاني ولا تتوقع العجائب".

وتابع: "أنت تتوقع جرائم إسرائيلية بمقاييس الحروب السابقة لكن حجم الجرائم التي تقوم بها إسرائيل لا يمكن توقعه ولو كان بالإمكان توقعه لكان بالإمكان تبريره أيضًا". وشدّد على أنّ حجم ما تقوم به إسرائيل غير متوقع وغير عقلاني ومستهجن بكل المقاييس.

طوفان الأقصى ومنطق المقاومة "الدفاعية"

وفي سياق قراءته لعملية طوفان الأقصى، أكد بشارة نظريته القائلة بأنّها كانت ذات طابع هجومي، قد لا يتقاطع بالكامل مع الحالة الدفاعية الرادعة التي أصبحت عليها المقاومة في السنوات الأخيرة.

وأوضح أنّ حركات المقاومة أضحت، في الظروف التي نشأت بعد اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، وخروج العرب من ساحة المواجهة، حركات دفاع عن النفس وليس حركات تحرير فلسطين، بمعنى أنّ المقاومة هي رد فعل على الاحتلال لكنها ليست استراتيجية تحرير.

ورأى أنّ عملية طوفان الأقصى خرقت هذا المنطق وقامت بأمرين ليسا من مهام المقاومة الفلسطينية، فهي من ناحية كانت هجومية، ومن ناحية ثانية بدت بمثابة إعلان حرب، مستندًا في ذلك إلى كلمة محمد الضيف صبيحة السابع من أكتوبر، والتي أعلن فيها الحرب على إسرائيل، وطلب من العرب الانضمام إليها.

واعتبر بشارة هذا الحساب "خاطئًا"، فحركة المقاومة طابع عملها العسكري هو طابع مقاومة وليس طابعًا حربيًا، "وعندما تدخل في حرب تتحول من حرب غير متكافئة إلى طرف يشبه الدولة ويشنّ الحرب، وبالتالي فإنّ الأمر يوهم وكأن هناك دولة دخلت في حرب مع دولة وهذه حرب خاسرة".

في المقابل، لفت بشارة إلى الاستراتيجية الإسرائيلية التي تقاطعت منذ الأيام الأولى حول مفاهيم شبه موحّدة، تجمع بين الانتقام والعقوبات الجماعية والهستيريا والإبادة، معتبرًا أنّ كلّ ذلك نجم في مكان ما عن الشعور بالإهانة والمذلة، خصوصًا بعد انتشار صورة الفلسطيني الذي يجرّ الجندي الإسرائيلي، خلافًا لما عملت إسرائيل على تكريسه طويلاً.

من هنا، رأى أنّ إسرائيل قامت بكل شيء لمحو صورة المذلة التي تعرضت لها في 7 أكتوبر، فكانت العقوبات الجماعية التي فرضتها على الفلسطينيين ككلّ، بما في ذلك الانتقام من الأسرى، والتعامل المهين مع الأطفال والشيوخ. وأكد رفضه القول إنّ قتل المدنيين في فلسطين كان بمثابة "أضرار جانبية"، مشدّدًا على أنّ استهدافهم كان متعمَّدًا بغرض الثأر والانتقام.

إجماع إسرائيلي على الحرب ضدّ لبنان

وبالانتقال إلى العدوان الإسرائيلي على لبنان، تحدّث المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن إجماع إسرائيلي بشأنه، خلافًا للواقع في غزة اليوم، حيث بدأ الشرخ يظهر، مع اعتقاد كثيرين في إسرائيل بأنّ الحرب أنهت مهمّتها ويجب أن تتوقف.

وبحسب بشارة، فإنّ الوضع مختلف في لبنان، إذ إنّ الجميع كانوا مع الحرب عليه منذ اليوم الأول، لكنّ الخلاف كان حول توقيتها، علمًا أنّ قسمًا كبيرًا من الجنرالات الإسرائيليين كانوا يدعون إلى الانتهاء من حزب الله في لبنان في المقام الأول، ومن ثمّ التفرغ لغزة.

وانطلاقًا من ذلك، اعتبر أنّ فكرة شن الحرب على لبنان لم تتبلور مؤخرًا، فهي كانت موجودة منذ بداية الحرب على غزة وقيلت عدة مرات، مشيرًا في هذا السياق إلى أنّ إخلاء المستوطنات في شمال فلسطين كان بمثابة "خطوة وقائية"، ولم يكن نتيجة لقصف حزب لله، ولا سيما أنّ الحزب كان يكتفي بقصف المعسكرات والرادارات.

وإذ شدّد بشارة على أنّ الحرب على لبنان كانت متوقعة، أشار إلى أنّ حزب الله في المقابل لم يكن يريد هذه الحرب، وهو ما أعلنه صراحة أكثر من مرّة، وهو ما يعزّزه سلوكه على امتداد الأشهر الأخيرة، وطريقة تعامله مع الردود الإسرائيلية، حيث كان يردّد أنه لا يريد الحرب، وأنه يريد فقط إسناد غزة، وأنّ الحلّ بسيط، وهو وقف الحرب على غزة، فتتوقف الجبهة اللبنانية تلقائيًا.

أكد بشارة أنه لا يجوز التقليل من حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة

"حرب عدوانية مع سبق الإصرار والترصد"

عمومًا، رأى الدكتور عزمي بشارة أنّ ما يحصل في لبنان هو حرب عدوانية مع سبق الإصرار والترصد لتنفيذ خطة اسمها القضاء على حزب الله أو قدرته العسكرية.

ولفت إلى أنّ كل ما يقوم به الإسرائيليون الآن في لبنان يدلّ على وجود تخطيط لسنوات، مشدّدًا على أنّ إسرائيل عملت على استعادة هيبة أجهزتها الاستخباراتية التي ضربت تمامًا في السابع من أكتوبر، من خلال الحرب على لبنان، وهو ما تجلّى في هجمات البيجر واللاسلكي والاغتيالات المتتالية، وكلّها دلّت على أنّ مخابراتهم فعّالة وفاعلة.

وبرأي بشارة، فإنّ تدخل حزب الله في سوريا كحركة طائفية عابرة للحدود، والذي وصفه بـ"خطأ عمره"، هو الذي جعله مكشوفًا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وربما لكل مخابرات العالم. وأكد أنّ جمع المعلومات عن الحزب بدأ منذ العام 2006، لكنّه نشط بعد انتقال الحزب إلى الساحة السورية.

وفيما استهجن ما وصفه بالكلام الطائفي الذي يردّده البعض من بعض الأوساط، والذي سبق أن سُمِع في حرب العام 2006 أيضًا، أعرب عن أمله في أن تفشل إسرائيل في تحقيق ما تصبو إليه، وأن تنجح المقاومة في صدّها على الأقلّ بريًا، بعد الضربات التي طالت القيادة.

وحذر من أيّ استغلال سياسي لما يجري، على مستوى الاستحقاقات الداخلية، متحدّثًا في هذا الإطار عن محاولة لفرض رئيس، تبدو كأنها استغلال للضعف الناجم عن العدوان الإسرائيلي، مشدّدًا على أنّه لا يجب أن يحصل ذلك، وأنّ وقف الحرب يجب أن يكون قبل كل شيء.

"حزب الله" أراد تجنّب الحرب

وردًا على سؤال عن رد فعل حزب الله المحدود، وسبب عدم استخدام ترسانته الصاروخية، تحدّث بشارة عن "تخمينات وتكهّنات" لا يمكن الجزم بها، معربًا عن اعتقاده بأنّ جزءًا من هذه الترسانة قد ضُرِب في الآونة الأخيرة، بدليل أنّ الناس كانوا يلاحظون مفرقعات بعد القصف في بعض المناطق.

وقال إنّ حزب الله فعلاً أراد تجنب الحرب لأسباب داخلية وإقليمية، وقد تكون الأسباب الداخلية هي الأهمّ، إذ إنّ الحزب يعرف أن المجتمع اللبناني بما في ذلك بيئته لا تريد حربًا، وأنّ ما تحتمله بالحد الأقصى هو التضامن مع غزة، وليس الدخول في حرب.

لكنّه لفت إلى أنّ إسرائيل لم تترك لهم المجال لذلك، مضيفًا: "هم لم يدركوا في اللحظة المناسبة أنّ إسرائيل تقوم بحرب وليس مجرد استنزاف أو مناوشات. لم يدركوا متى بدأت الحرب، أو ربما عندما أدركوا كان قد فات الأوان لأن إسرائيل بدأت تصفّي من أدرك وتلاحقهم بلا هوادة".

إسرائيل عملت على استعادة هيبة أجهزتها الاستخباراتية من خلال الحرب على لبنان، وتدخل حزب الله في سوريا جعله مكشوفا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وغيرها

وقال بشارة إنّه كان واضحًا أن حزب الله لن يخوض حربًا مع إسرائيل، فالحروب بما في ذلك حرب 2006، فُرِضت عليه، ومنذ عام 2006 لم يقم بأي فعل ضد إسرائيل. لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ حزب الله يمكن أن يشنّ حربًا إذا تعرّضت إيران لحرب، بمعنى أنّه بمثابة قوات متقدمة لإيران لأن إيران ليس لديها خطوط مع إسرائيل.

وقال: "إذا قبلنا بهذه الفرضة فمعناها أنه في حالة تعرض إيران لضربة إسرائيلية قوية، تقوّض قوته العسكرية وتجعله غير قابل على الإطلاق ليشكل تحديًا عسكريًا لإسرائيل، فهذا يعني أنّ إيران ستصبح مكشوفة، بمعنى أنّ الهجوم على إيران سيصبح أسهل على إسرائيل، وبالتالي ففي حالة تعرض حزب الله إلى ضربة قاصمة عسكريًا ستتعرض إيران إلى الخطر".

وأعرب عن اعتقاده بأنّ هناك خلافات في القيادة الإيرانية بشأن هذا الموضوع، بين من يعتقدون أنّ هذه حرب ويجب عدم الانتظار، ومن يراهنون على مغادرة مسار المواجهة كلّه، والتفاهم مع الغرب لإجراء اتفاق نووي وبدء الانفتاح على العالم، ملاحظًا أن الهجمة الصاروخية الأخيرة أعلنها الحرس الثوري.

دور العرب والعلاقة مع إيران

وفي السياق، دعا بشارة إلى تفكير استراتيجي أكثر عمقًا حول الوضع العربي بصورة عامة، والعلاقة الإشكالية مع إيران، مشيرًا إلى أنّ "الصواريخ تمر فوق رؤوس الأنظمة العربية في المنطقة وهم ينتظرون بلا أثر سياسي".

وأعرب عن قناعته بأنّه إذا نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، وخرجت منتصرة من هذه الحرب، فهي لن تخرج منتصرة على إيران فقط، بل على هؤلاء العرب أيضًا لأنه لم يكن لديهم أي دور، وبالتالي فهم سيصبحون أتباعًا لإسرائيل نفسها، وليس لأميركا حتى.

من هنا، سأل بشارة: "ماذا يخسر العرب إذا جلسوا مع إيران وفتحوا حوارًا معها في هذه الظروف، على قاعدة أننا مستعدون أن نقف معكم لكن لنا شروط فيما يتعلق بسلوككم ودوركم في المنطقة؟". وقال: "نحن لا نتحاور كأمة مع بعضنا بروح الوسطية والتسامح والمساومة حتى لا ننتظر الآخرين ليحسموا صراعاتنا".

ورأى أنّ المنطق نفسه ينبغي أن يسري على الساحة اللبنانية، داعياً القوى السياسية إلى فتح حوار مع حزب الله بدل أن تنتظر إسرائيل، أو تحاول أن تفرض رئيسًا، أو تنتقم من جمهور الحزب والنازحين.

اعتبر الدكتور عزمي بشارة أن حزب الله أراد تجنب الحرب لأنه يعرف أن بيئته الداخلية لا تريدها

تهميش منظمة التحرير والانقسام الفلسطيني

وفي سياق حديثه الخاص إلى التلفزيون العربي، توقف المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مليًا مرّة أخرى عند إشكالية الانقسام العربي بصورة عامة، والفلسطيني بصورة خاصة، وتبعاته على الصراع القائم.

ولفت في هذا الإطار، إلى مشكلة متعلقة بإخضاع الصراعات السياسية لإطار الدولة أو الوحدة الوطنية، مضيفًا: "إذا كان هذا الأمر قائمًا في حالة العراق وليبيا واليمن وسوريا، بمعنى أنّ إطار الوحدة الوطنية هو سقف تحت تنضوي الخلافات السياسية والصراعات، فالأمر يصبح أخطر بكثير عندما تبدأ الصراعات السياسية على السلطة قبل أن تنشأ سلطة".

ورأى أنّ "هذا هو الفخ الذي أدخلت فيه اتفاقيات أوسلو الشعب الفلسطيني، حيث أنشأت سلطة وهمية غير حقيقية، وأنشأت خلافات حولها وإن لم تكن فقط على السلطة، في ظلّ تفاوت في النظرة الأيديولوجية". وقال: "الأمر أصبح خطيرًا لأنّ من قاموا بتهميش منظمة التحرير وركّزوا فقط على السلطة في ظل الاحتلال لا يدركون الآن أن الحرب الحالية هي على كل الشعب الفلسطيني وستطاولهم لاحقًا وليست فقط على حماس".

ولفت في هذا السياق إلى سياسة التوسّع الإسرائيلية في الضفة الغربية مثلاً، واقتحام البلدات والمخيمات، مشيرًا إلى أنّ هذا التمادي يقول إنهم غير قابلين بالسلطة الفلسطينية في حدودها الحالية ولا في صلاحياتها. وإذ لفت إلى أنّ هذا الأمر لا يمكن مقاربته بجولات المصالحات الفولكلورية المتجولة بين العواصم، شدّد على أنّ الإطار الممكن لاستعادة نوع من الوحدة الفلسطينية هو محاولة إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تجمع فلسطينيي الداخل والخارج.

ما تريده إسرائيل في "اليوم التالي"

وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ السلطة الفلسطينية القائمة في رام الله تعتقد أن الوقت سيثبت أنها الوحيدة القادرة على إدارة قطاع عزة، وليس تحريره من الاحتلال، أي كحال الضفة الآن، ومحاولة إقناع حماس أن تقبل بإدارة من هذا النوع، لأنهم يعرفون أن رفض حماس لا يسمح بهذا السيناريو، لكنه سأل عن أفق مثل هذا الخيار، وعن دور هذه الإدارة، ومدى قبول إسرائيل بها أصلاً.

وقال: "إسرائيل لن تقبل سوى رقابة كاملة وتريد أن تشاركها بعض الدول العربية في هذا المخطط"، مشدّدًا على أنّ البديل عنه لا يكون بنشوء حركة تحرير وطني موحدّة. وأضاف: "إذا كانت حركة تحرير وطني موحدة لا تستطيع الدول العربية إلا أن تدعمها وستضطر إسرائيل أن تتعامل مع الموضوع، لكنّ ما يجري الآن هو فتح مخارج لإسرائيل لتهرب من مواجهة ما عليها أن تواجه بعد كل الجرائم التي ارتكبتها من دون أن تنجح في القضاء على الشعب الفلسطيني وتطلعاته".

وقال: "إذا خرجنا من 7 أكتوبر دون وحدة وطنية فلسطينية، سيستمر نهج التطبيع، بمعنى أنّ حبل التطبيع الذي انقطع في 7 أكتوبر وهو ما أزعج بايدن، سيتواصل لأنّ ما قطعه ليس عملية 7 أكتوبر فقط بل صمود الشعب الفلسطيني ووقوف الشعوب العربية معه، وإذا انكسر هذا الأمر ووجدت إسرائيل فلسطينيين يتعاونون معها في إدارة قطاع غزة، سيعود التطبيع بدون قضية فلسطينية".

فارق جوهري بين ترمب وهاريس

وفي المحور الأخير من الحديث، توقف الدكتور عزمي بشارة عند الانتخابات الرئاسية الأميركية، والعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أكد أنّ النظرة لكل من المرشحين دونالد ترمب وكامالا هاريس لا يمكن أن تكون واحدة.

وإذ أكد وجود فارق بين ترمب وهاريس وفقًا لكل المقاييس، موضحًا أنّ ترمب لم يكتفِ بنقل القنصلية الأميركية إلى القدس والاعتراف بضم الجولان، لكنه يخطط الآن ربما للقبول بخطط التهجير مع نتنياهو. ولفت إلى أنّ توجّه ترمب أيضًا ميّال أكثر نحو المواجهة إزاء ملفات فلسطين ولبنان وإيران، وهو يزايد دائمًا كما يدعو إسرائيل لضرب المفاعلات النووية في إيران.

ورأى أنّ توجّه ترمب بهذا المعنى "توجّه جنوني لناحية النظر إلى منطقتنا من دون أي اعتبار لتاريخ الصراع أو لقضية فلسطين أو لوجود شعوب في هذه المنطقة"، مشيرًا إلى أنّه يقيس الأمور بالمردود المالي ويمكن أن ينظر لقطاع غزة كشاطئ سياحي أو تطوير عقاري يجب الاستثمار فيه.

وبمعزل عن الفارق بين ترمب وهاريس، لفت بشارة إلى أنّ الوضع العربي والفلسطيني هو الفيصل، فإذا بقي على حاله، لن يتغيّر شيء، بمعنى أنّ التضامن العالمي لن يقدم الكثير ما دام الوضع العربي القائم على حاله.

وقال: "إذا لم يكن لدى الأنظمة العربية مشروع إقليمي لن يفيدها أحد حتى لو تحول كل الحزب الديمقراطي مثلاً لتأييد الشعب الفلسطيني، وإذا لم تضع الدول العربية قضية فلسطين على جدول الأعمال في العلاقة مع الولايات المتحدة، فإنّ شيئًا لن يتغيّر".

الولايات المتحدة تستطيع "منع" إسرائيل ولكن..

وختامًا، رأى بشارة أنّ العلاقة الأميركية الإسرائيلية علاقة تحالف استراتيجي عميقة جدًا، وهي تطورت عبر الزمن.

وأشار إلى أنّ الطرف الأقوى في المعادلة هو الولايات المتحدة، إذ إنّ إسرائيل لا تستطيع أن تصمد من دون الولايات المتحدة وهذا ما أثبتته الحرب على غزة، لكنّ ذلك لا يعني أنّ إسرائيل مجرد تابع فهي تفرض أجندات"، وفق توصيفه.

وأوضح أنّ الولايات المتحدة في الظرف الإقليمي الحالي لا تستغني عن إسرائيل، فهي ليس لها حليف بقوة إسرائيل وبموثوقية إسرائيل في التحالف. وقال: "الولايات المتحدة تستطيع أن تأمر إسرائيل، ولكن لماذا تفعل ذلك؟ كرمى لعيوننا؟ هل أقمنا لوبيات ذات أجندة محددة؟".

وأضاف: "البديل العربي غير جاهز والتهديدات غير موجودة، إلا إذا أدّت خطوة إسرائيلية ما إلى اشتعال المنطقة بشكل يضرّ بالمصالح الأميركية، فعندها ستوقفها، لكن هذا لم يحصل لأنه لا يوجد عامل إقليمي في المنطقة يجبر الولايات المتحدة على فعل ذلك لأنها يجب أن تأخذ مصالحه بالاعتبار".

وخلص إلى أنّ الولايات المتحدة قادرة على منع إسرائيل من التمادي في حروبها إذا أرادت، لكنها لا تريد، ملاحظًا في هذا السياق كيف تتحول جريمة كبرى مثل مجزرة البيجر في لبنان، مع ما تنطوي عليه من إرهاب بكل معنى الكلمة، إلى مادة "انبهار الغرب بقوة إسرائيلي الاستخبارية" بدل الإدانة.


تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة، التي حاوره فيها الزميل زاهر عمرين، وناقشت مجموعة من المحاور، على رأسها ذكرى مرور عام على بدء حرب الإبادة في غزة، فضلاً عن العدوان الإسرائيلي على لبنان.

المصادر:
التلفزيون العربي
شارك القصة