في حادثة وصفت بأنها أحلك صفحة في تاريخ العلاقات "الحميمة" بين تل أبيب وواشنطن، قتلت إسرائيل، 34 جنديًا أميركيًا وأصابت العشرات كانوا على متن سفينة "يو إس إس ليبرتي" عام 1967.
وكان الاحتلال الإسرائيلي شن حربًا عام 1967، أطلق عليها "حرب الأيام الست"، والتي كانت ضد كل من مصر وسوريا والأردن.
واندلعت هذه الحرب في الخامس من يونيو/ حزيران 1967 إلى العاشر من الشهر نفسه، والتي أدت إلى احتلال تل أبيب لكل من سيناء والجولان وقطاع غزة والضفة الغربية.
وخلال هذه الحرب، شنت إسرائيل هجومًا على سفينة "يو إس إس ليبرتي" في البحر الأبيض المتوسط، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، فيما ادعت تل أبيب بعدها أن الهجوم كان عن طريق الخطأ ظنًا منها السفينة تابعة للجيش المصري.
فما قصة "يو إس إس ليبرتي"؟
قبل أسبوع من هذه الحرب، أرسلت أميركا "يو إس إس ليبرتي" التي يبلغ وزنها أكثر من 7 آلاف طن نحو شرق البحر الأبيض المتوسط على مقربة من المياه الإقليمية المصرية، حيث كُلفت بمهمة استخباراتية لجمع الإشارات الإلكترو مغناطيسية بالمنطقة.
وخلال "حرب الأيام الستة"، هاجمت طائرات إسرائيلية وقوارب طوربيد السفينة الحربية الأميركية "يو إس إس ليبرتي" في المياه الدولية بالبحر المتوسط، على بعد 15 ميلًا قبالة سواحل شبه جزيرة سيناء.
وتعرضت سفينة الاستخبارات، التي كانت تحمل علامات واضحة على أنها أميركية، لهجوم من طائرات إسرائيلية أطلقت النابالم والصواريخ عليها.
وحاولت "ليبرتي" الاتصال بالراديو طلبًا للمساعدة، لكن الطائرات الإسرائيلية قطعت الإرسال.

وفي النهاية، تمكنت السفينة من الاتصال بحاملة الطائرات الأميركية "ساراتوغا" (Saratoga)، وأُرسلت 12 طائرة مقاتلة وأربع طائرات ناقلة للدفاع عن "ليبرتي".
لكن، ومع سماعه بما حدث، أصدر وزير الدفاع الأميركي حينها روبرت ماكنامارا أوامره للطائرات بالعودة أدراجها لتظل بذلك السفينة الأميركية بدون حماية أمام القصف الإسرائيلي، ولا يزال سبب الاستدعاء غير واضح، حسب موقع "هيستوري دوت كوم".
إلى ذلك، انتهت الغارة الجوية الإسرائيلية الأولى على ليبرتي، حيث قُتل تسعة من أصل 294 من أفراد الطاقم وجُرح 60.
وفجأة، هاجمت زوارق طوربيد إسرائيلية السفينة، وأطلقت طوربيدات ونيران مدفعية عليها.
وتحت قيادة قبطانها الجريح، ويليام إل. ماكغوناغل، تمكنت ليبرتي من تفادي أربعة طوربيدات، لكن أحدها أصاب السفينة عند خط الماء.
وبعد أن لحقت بها أضرار جسيمة، أطلقت السفينة ثلاثة قوارب نجاة، لكنها تعرضت للهجوم أيضًا.
وبعد فشلهم في إغراق ليبرتي، تراجع الإسرائيليون في النهاية، وفي المجمل، قُتل 34 أميركيًا وجُرح 171 في الهجوم الذي استمر ساعتين. وفي أعقاب الهجوم، تمكنت ليبرتي من الوصول إلى ميناء آمن.

ولاحقًا، اعتذرت إسرائيل عن الهجوم وعرضت تعويضًا قدره 6.9 مليون دولار، مدّعيةً أنها أخطأت في اعتبار ليبرتي سفينةً مصرية.
"هجوم مدبر"
وعندما أُبلغ الرئيس الأميركي حينها ليندون جونسون بالهجوم، افترض في البداية أن الاتحاد السوفيتي هو المسؤول. وسرعان ما أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة بأنها هاجمت ليبرتي، ظنًا منها أنها سفينة معادية.
وكشف تحقيق أجرته الحكومة الإسرائيلية لاحقًا أن قواتها البحرية كانت على علم بأن السفينة أميركية قبل ثلاث ساعات على الأقل من الهجوم، لكن هذه المعلومات لم تُنقل إلى الجهات التي أذنت في النهاية بإطلاق النار على ليبرتي.
لم تُعارض إدارة جونسون علنًا تفسير إسرائيل للهجوم، وعندما نشر جونسون مذكراته بعد 4 سنوات، أقر مجددًا قبوله لتفسير الحكومة الإسرائيلية: "لقد أحزنت هذه الحادثة المؤلمة الإسرائيليين بشدة"، كما كتب، "كما أحزنتنا".
ومع ذلك، في أعقاب الهجوم مباشرة، صرّح لمراسل مجلة "نيوزويك" بأنه يعتقد أن الهجوم كان مُتعمدًا. ورأى أن دافع إسرائيل كان منع ليبرتي من التنصت على البث الإسرائيلي.

وفي سياق متصل، أعرب معظم كبار مسؤولي الإدارة الأميركية عن هذه الشكوك سرًا، وصرح مدير وكالة الأمن القومي، الجنرال مارشال كارتر، في مقابلة عام 1988 بأنه يعتقد أن الهجمات "لا يمكن أن تكون إلا متعمدة".
كما اقتنع العديد من الناجين وعائلاتهم بأن إسرائيل كانت تعلم أن السفينة أميركية، واستمروا على مدى عقود في المطالبة بتحقيق شامل من جانب الكونغرس، ولكن دون جدوى.
وفي عام 1977، في الذكرى الثلاثين للهجوم، قال الكابتن ويليام ماكغوناغل، قائد ليبرتي، إنه لسنوات كان يتمنى أن يصدق أن الهجوم كان "خطأ محضًا"، لكنه لم يستطع قبول هذا التفسير. وانضم إلى الدعوة إلى إجراء تحقيق.
مايكل أورين، سياسي وباحث إسرائيلي خدم سابقًا في جيش الدفاع الإسرائيلي وله كتابات مستفيضة عن الحرب، كان من أشد المدافعين عن موقف الحكومة الإسرائيلية. كتب مقالًا عام 2000 بعنوان "يو إس إس ليبرتي: القضية مغلقة"، ناقش فيه بأن جميع الوثائق الرسمية التي رُفعت عنها السرية أوضحت أن الهجوم كان خطأً جسيمًا.
وفي عام 2007، صرّح عدد من العسكريين ومسؤولي الاستخبارات لصحيفة "شيكاغو تريبيون" بأنهم اطلعوا على اتصالات تُظهر أن الإسرائيليين كانوا على علم بمهاجمة سفينة أميركية.
وقال أوليفر كيربي، نائب مدير العمليات في وكالة الأمن القومي وقت الهجوم: "أقسم على كومة من الأناجيل أننا كنا على علم بأنهم كانوا على علم".
إلى ذلك، يعتقد الناجون من ليبرتي، وبعض المسؤولين الأميركيين السابقين، أن الهجوم كان مُدبرًا، مُدبّرًا لإخفاء استيلاء إسرائيل المُرتقب على مرتفعات الجولان السورية، والذي وقع في اليوم التالي.
ومن المُرجّح أن أجهزة التنصت على السفينة كانت قد تنصتت على اتصالات الجيش الإسرائيلي التي تُخطط لهذه العملية.