الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

12 عامًا على إزاحة بن علي.. ماذا تبقى من الثورة التونسية؟

12 عامًا على إزاحة بن علي.. ماذا تبقى من الثورة التونسية؟

Changed

نافذة ضمن برنامج "قضايا" تسلط الضوء على الذكرى الـ12 للثورة التونسية (الصورة: غيتي)
لم يكن يتوقع الثائر الذي خرج قبل 12 عامًا أن شعاراته ستبقى مرفوعة مع تغير صور الحكم من بن علي إلى المرزوقي والسبسي وصولاً اليوم إلى سعيّد.

انطلقت شرارة الربيع العربي من تونس بعد انتفاضة شعبية في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول عام 2010 إثر إضرام البائع المتجول محمد البوعزيزي النار في نفسه.

تحولت تلك الشرارة إلى ثورة ضد الفقر والبطالة تمكنت من خلالها تونس في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني من إنهاء حكم 23 عامًا للرئيس السابق زين العابدين بن علي.

محطات سياسية بارزة

ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تونس في محطات سياسية عدة. ففي الأول من مارس/ آذار عام 2011 نال حزب النهضة ترخيصًا قانونيًا ليفوز في الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول.

وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، تم انتخاب الناشط الحقوقي المنصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية، بينما كُلف حمادي الجبالي الرجل الثاني في حركة النهضة بتشكيل الحكومة.

عام 2012 شهد العديد من الهجمات لمجموعات متطرفة من بينها تخريب معرض للفنون التشكيلية والهجوم على السفارة الأميركية.

وفي 6 فبراير/ شباط عام 2013 تم اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في العاصمة. كما اغتيل النائب محمد البراهمي في العام نفسه، حيث أثارت هذه الاغتيالات أزمة سياسية خاصة بعد تبني إسلاميين متطرفين لها.

وفي 26 يناير عام 2014 اعتمد البرلمان ثاني دستور للجمهورية، ثم شكلت حكومة تكنوقراط وانسحب الإسلاميون من الحكم ليفوز بعد ذلك حزب نداء تونس بقيادة الباجي قائد السبسي في الانتخابات التشريعية ليصبح الرجل في ديسمبر رئيسًا للجمهورية.

سقط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 إثر مظاهرات شعبية عارمة - غيتي
سقط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 إثر مظاهرات شعبية عارمة - غيتي

وشهدت البلاد في عام 2015 سلسلة اعتداءات لتنظيم "الدولة" فرض على إثرها حال الطوارئ الذي كان يتمدد بانتظام.

وشهدت تونس في مطلع 2018 حركة احتجاج تكثفت مع دخول موازنة التقشف حيز التنفيذ وأعلن الرئيس الباجي قائد السبسي في سبتمبر من العام نفسه انتهاء تحالفه مع النهضة قبل سنة واحدة من وفاته في 25 يوليو/ تموز عام 2019.

وفي 13 أكتوبر من نفس العام، فاز قيس سعيّد في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية وبدأت في عهده سلسلة من القرارات الاستثنائية من أبرزها إقالة حكومة هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان واعتماد دستور جديد بعد تصويت التونسيين عليه في استفتاء شعبي.

ماذا تبقى من الثورة؟

في 17 ديسمبر 2010 دفع الفساد الشارع ليعلي صوته ضد الفقر والبطالة والاحتكار السياسي، فكانت ثورة تونس "جذوة الربيع العربي" ونقطة انطلاق ثورات طالبت بالإصلاحات فانصدمت بالإخفاقات.

ولم يكن ليتوقع الثائر يومها أن شعاراته ستبقى مرفوعة مع تغيّر صور الحكم وأسمائه، من زين العابدين بن علي إلى المنصف المرزوقي إلى الباجي قائد السبسي وصولاً اليوم إلى قيس سعيّد.

ماذا تبقى من ثورة تونس؟ جميعها عهود رسمت خطوطًا سياسية، لكن وحده سعيّد عنون عهده بـ"الاستثناء" ضد ذريعة الجمود السياسي والإنقاذ الوطني.

أعلن سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز عام 2021 عن تعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي بناء على الفصل 80 من الدستور الذي يخوله اتخاذ تدابير استثنائية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن.

ومنذ ذلك الوقت، تتالت قرارات سعيّد التي وصفها بالاستثنائية الإنقاذية، بينما وصفها خصومه بالاستبدادية. كانت نبرة سعيّد تعلو مع كل إعلان يخرج فيه بحجة الفساد والانتقال والإنقاذ.

"البرلمان خطر على الدولة، وبلادي تحكمها مافيا"، تلك العبارات وغيرها استنجد بها الرئيس التونسي لإقرار مراسيم جديدة عززت صلاحياته على حساب الحكومة، فبالنسبة له لا طريق لقرار لم يرسمه هو بنفسه.

حلّ الرئيس التونسي قيس سعيّد البرلمان وأقال الحكومة منذ 25 يوليو 2021 - غيتي
حلّ الرئيس التونسي قيس سعيّد البرلمان وأقال الحكومة منذ 25 يوليو 2021 - غيتي

تعطش للديمقراطية

أعلن سعيّد في فبراير/ شباط 2022 حلّ المجلس الأعلى للقضاء وذلك بعد أن اتهم أعضاء فيه بالولاءات لغريمه حزب النهضة، ثم وقّع مرسومًا يؤسس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء ومنح نفسه صلاحية طلب إعفاء كل قاض يخلّ بواجباته المهنية. كما منع القضاة من الإضراب عن العمل.

في عهده ازدحمت شوارع تونس بالشعارات وتضاربت بين مؤيد ومعارض، حيث زرع سعيّد الشك في نفوس التونسيين المتعطشين للديمقراطية.

تقول قراراته إنه على طريق سياسة استبدادية بينما يوهم مؤيديه بأن نهايتها ستتكلل بالديمقراطية. وربما يبرر بذلك كيف ابتدع دستوره وكتب مراحل إقراره وكيف يبتكر في كل مرّة أسلوبًا يبطل به من امتنع ويرفع به من أذعن، ولكن كيف سيحارب سعيّد خارجًا يستنكر توجهاته وواقعًا اقتصاديًا يتآكل ويتباطأ يومًا بعد يوم؟.

هل يحاول سعيّد ملء الثغرات السياسية التي قد تخرج منها ثورة جديدة من خلال إعادة زرع القمع والخوف في نفوس التونسيين كي لا تكون نهايته كأحد أسلافه وتكتب صفة المخلوع إلى جانب اسمه يومًا ما؟

تعيش تونس على وقع تظاهرات ومطالب شعبية بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية منذ يناير 2011 - غيتي
تعيش تونس على وقع تظاهرات ومطالب شعبية بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية منذ يناير 2011 - غيتي

مناخ ملبد بالإحباط

وتعليقًا على مرور 12 عامًا على اندلاع الثورة التونسية وما وصلت إليه البلاد اليوم، يرى الأكاديمي والوزير السابق مهدي مبروك أن المناخ الذي يعيشه التونسيون اليوم "ملبد بالكثير من الإحباط والاحتقان والتوتر".

ويعتبر في حديث إلى "العربي"، من تونس، أن هذا المناخ يدعوه إلى "الفطنة والتواضع" في الحديث عن الثورة بعد أن كان الجميع يتحدث عن الاستثناء التونسي في المحيط العربي من حيث قيم التعددية وحقوق الإنسان والرخاء الاقتصادي وغيرها من الشعارات.

ويشدد على أن مظاهرات التونسيين التي خرجت في 17 ديسمبر 2010 واستمرت إلى غاية 14 يناير من عام 2011 كانت تدور شعاراتها حول الحرية والكرامة والعدالة ووضع حد لنهب المال العام، مؤكدًا أن العديد من هذه الشعارات قد "تبدد".

مسؤولية مشتركة

ويرى مبروك أن المسؤولية "مشتركة" عن حالة الإحباط التي تعم التونسيين بعد 12 عامًا على الثورة، مشيرًا إلى أنّ هذه المسؤولية ملاقاة على عاتق الذين حكموا البلاد سواء من الأحزاب السياسية التي حكمت بشكل مباشر ومنفرد أو تلك الأحزاب التي حكمت بشكل تحالف حزبي (الترويكا) ثم حركة النهضة ونداء تونس.

كما يلقي بالمسؤولية على عاتق "الذين عارضوا بشكل عبثي وتدميري وجردوا الانتقال الديمقراطي من الحاضنة الحزبية، بالإضافة إلى المجتمع المدني ومطالبه على حساب الفئات المتضررة".

كما يلفت إلى "الزيادات الكبيرة في الأجور وتعطيل ماكينة الإنتاج من خلال الإضرابات التي شلت قطاعي الفوسفات والنقل"، معتبرًا أن تونس حطمت الأرقام القياسية في عدد الإضرابات منذ بداية الثورة.

مهمة الإنقاذ

ويبين الأكاديمي والوزير السابق أنّ جلّ الذين انتخبوا الرئيس الحالي قيس سعيّد صوتوا له "على أن ينقذهم من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى بعض ما شاب العملية السياسية".

ويشير إلى أنّ انتخاب التونسيين لسعيّد لم يكن "طلاقًا" مع الثورة إنما مع الطبقة السياسية "التي لم تكن في مستوى تلك الثورة"، لافتًا إلى أن الشارع العام ما زال مناصرًا للتغيير السياسي الذي حدث منذ 2010-2011.

ويخلص إلى أنّه لا أحد في تونس يناهض العدالة الاجتماعية والرخاء الاقتصادي والحريات، لكن الجميع يرى أنّ إدارة الذين حكموا وعارضوا كانت "سيئة" لذلك منحوا أعداء الثورة الفرصة للانقضاض عليها.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close