أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سوريا والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
وكان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل قد رفعا بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين ليحذو حذوها.
وقد أعادت الحرب على مدى 14 عامًا تشكيل التجارة والمالية الحكومية والاقتصاد السوري وانتهت بسقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة.
انخفاض حجم الاقتصاد
وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجح البنك الدولي أن حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.
وأُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018، إذ يعيش أكثر من 90% من سكانها البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقًا لوكالات الأمم المتحدة.
وتفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرًا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين. ثم طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة.
وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.
واختيرت ميساء صابرين حاكمًا للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عامًا، ثم عين عبد القادر الحصرية خلفًا لها في هذا المنصب.
وبلغ سعر الصرف أمس الأربعاء 11065 ليرة للدولار الواحد وذلك مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار نحو 22 ألف ليرة في وقت سقوط الأسد العام الماضي و47 ليرة في مارس/ آذار 2011 عندما اندلعت الحرب.
وأعلنت الحكومة أن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها في شكل قروض ثنائية، إلا أنها قد تكون أعلى بكثير نظرًا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.
ديون حرب "بغيضة"
ويقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب "بغيضة"، وهي ديون تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.
ويظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضًا تحديد الجهات الملزمة السورية مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.
وأفادت مصادر لوكالة "رويترز" في وقت سابق بأن المصرف المركزي يملك احتياطيات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب.
ولديه أيضًا ما يقرب من 26 طنًا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
وقالت الحكومة الجديدة إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.
وجمدت الحكومات الغربية هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.
وقالت سويسرا إن ما قيمته نحو 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليًا في بنوك هناك. ويقدر موقع (تقرير سوريا) أيضًا أن ما قيمته 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.
تداعيات الحرب على النفط والسياحة
وبحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
ويقول خبراء إن الضغوط المالية التي تعرضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد ثمن بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المسببة للإدمان والمعروفة باسم الكبتاغون، أو من تهريب الوقود.
وأصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليار دولار.
وفي عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يوميًا من النفط. وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011. واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم "الدولة" والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية. ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع.
أجبرت تلك الخسائر سوريا على الاعتماد على واردات الطاقة ومعظمها من الحليفين روسيا وإيران. وقالت راشيل زيمبا كبيرة المستشارين في مجال العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيج للاستشارات المعنية بالمخاطر إن وقودًا يتراوح بين مليون وثلاثة ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليه من إيران شهريًا توقف في أواخر ديسمبر مع انسحاب طهران.
وأدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة.
وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويًا قبل الحرب.
واستوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويًا من روسيا. وتوقفت التدفقات مؤقتًا عندما تغيّر النظام الحاكم لكنها استؤنفت الشهر الماضي. وأبدت أوكرانيا أيضًا استعدادها لتوريد القمح دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.