شهدت القضية الفلسطينية خلال السنتين الماضيتين نقطة تحوّل في الرأي العام العالمي. وعرّت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان التي تغنّى بها المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية على مدى العصور، لكنّ قياداته السياسية اختزنت فيها الانحياز التام للوبي الصهيوني الذي تقبع تحت سيطرته.
وعلى الصعيد الشعبي، أظهرت غزة أنّ معظم سكان العالم تفوّقوا على ساستهم في الشعور الإنساني والأخلاقي تجاه شعب كان ولا يزال يتعرّض لأبشع أنواع الإبادات والتهجير والتجويع في أرض كانت وستبقى لهم، وإن رووها بدمائهم.
وتشهد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية والأوروبية، والتظاهرات التي لا تزال تجوب شوارع معظم دول العالم تضامنًا مع قطاع غزة، على انبطاح ساسة العالم أمام آلة القتل الإسرائيلية، حيث وُوجه داعمو غزة بالاعتقالات والفصل من الجامعات، بناء على تهمة: التضامن مع غزة.
ولكنّ ما لم يكن تحسبه القيادات السياسية أن تتحوّل أنماط الاحتجاج إلى استراتيجيات تُوازي في مفعولها نتائج التظاهرات من تسليط الضوء على القضية الفلسطينية.
من إهانة إلى رمز للفخر
ففي أيرلندا، استطاع داعمو غزة تحويل مصطلح كان يهدف في الأساس إلى السخرية من التضامن الأيرلندي مع فلسطين، إلى رمز للفخر ينتشر على شكل وسم على مواقع التواصل الاجتماعي وبل تحوّل إلى علامة تجارية تُطبع على القمصان والشارات والقبعات.
ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ظهر مصطلح "باديستينيان" (Paddystinian) عقب قرار إسرائيل إغلاق سفارتها في دبلن وسط اتهامات للحكومة الأيرلندية بـ"معاداة السامية" و"العداء الشديد".
واستخدم المُعلّقون المؤيدون لإسرائيل هذا المصطلح على الإنترنت، والذي يجمع بين كلمتي "بادي" (Paddy) و الجزء الأخير من كلمة "فلسطيني" باللغة الإنكليزية (Palestinian) للدلالة على ما أسماه الكاتب بن كوهين "موجة الهستيريا المؤيدة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمعادية للسامية التي تجتاح جمهورية أيرلندا".
وكلمة "بادي" مصطلح مُهين مُتقادم في التقاليد الأيرلندية، ويستحضر وفقًا لكوهين "صورًا للسكر الأيرلندي، والميل المفترض للشجار العفوي، والغباء الأيرلندي".
لكنّ الأيرلنديّين تلقّفوا المصطلح بحنكة، وقلبوه رأسًا على عقب، إذ حوّلوه من إهانة إلى رمز فخر في الهتافات الحاشدة الداعمة لغزة.
"Paddystinian".. علامة تجارية رائجة
ولم يقتصر الأمر على الهتافات خلال التظاهرات الداعمة لغزة، بل انسحب الأمر على إنشاء علامة تجارية رائجة تشمل ملابس وشارات ودبابيس وقبعات وغيرها من الإكسسوارات التي تحمل عبارة "Paddystinian"، حتى إنّ بعض المنتجين مثل منظمة "أبليفت" التقدمية، تتبرّع بعائدات منتجاتها لإغاثة غزة.
أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح مصطلح "Paddystinian" يزيّن السير الذاتية للمستخدمين الذين "يرحّبون بنا في باديستاين، موطن الباديستينيين".
ويقول التيكتوكر الإيرلندي روس ماكغان: "كان مصطلح باديستينيان يُستغلّ كأمر سلبي تجاه الأيرلنديين، لكننا عكسنا ذلك واستخدمناها بطريقة إيجابية بالنظر إلى ما يحدث في غزة".
ويأمل النشطاء أن تُترجم موجة التضامن الهائلة عبر الإنترنت وفي الشوارع مع غزة، إلى إجراءات سياسية ملموسة.
ويهدفون إلى الضغط على الحكومة الأيرلندية لإقران الأقوال بالأفعال، مثل سنّ مشروع قانون يحظر التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية، وإنهاء ترخيص البنك المركزي الأيرلندي لمبيعات السندات الإسرائيلية في أوروبا، والحد من استخدام المجال الجوي الأيرلندي للرحلات الجوية المشتبه في أنّها تحمل أسلحة إلى إسرائيل.