إسرائيل تتحدى المنطقة كقوة إقليمية وحيدة: هل من خيارات أمام العرب؟
منذ محاولة اغتيال قادة حماس والاعتداء على قطر، تصعّد إسرائيل حدّة تصريحاتها؛ فيلوّح رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لقطر والدول التي تستضيف قادة حركة حماس بضرورة طردهم أو محاكمتهم، وإلا فإنّ إسرائيل "ستتولّى ذلك بنفسها".
يأتي هذا التلويح بعد اتصالاتٍ هاتفية متكرّرة بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب عقب الاعتداء على قطر، في مشهدٍ يشي بأمرين: أوّلًا، إصرار إسرائيل على انتهاك سيادة الدول وعدم حصر هجماتها بقطر واليمن ولبنان والعراق وسوريا وإيران؛ وثانيًا، غياب موقف أميركيّ حقيقي يوقف إسرائيل عند حدودها ويمنع تماديها الإقليمي.
وتتواصل التصريحات الإسرائيلية المتشدّدة، من قبيل التهديد بـ"مهاجمة أيّ مكان وفي أيّ زمان". غير أنّ العبارة الأكثر دلالة على ما تسعى إسرائيل إلى فرضه إقليميًا، تتجلّى في حديث رئيس الأركان إيال زامير عن متابعةٍ لصيقة لتغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط.
القوّة الوحيدة في المنطقة
تحتفي إسرائيل بالهجوم على قطر؛ ويصفه بعض المحلّلين ووزراء في الحكومة الإسرائيلية بالناجح، حتى وإن فشل في الوصول إلى قيادة حماس، على اعتبار أنّه يؤسّس لمرحلةٍ جديدة تُستهدف فيها بلدان "غير متوقّعة" وحليفة للولايات المتحدة، في "عصر القوّة الإسرائيلية".
ويُظهر استطلاع "معاريف" الأسبوعي أنّ 49% من الإسرائيليين يؤيّدون الاعتداء على قطر وتوقيته، و26% يؤيّدون الهجوم لكن لا يوافقون على توقيته، مقابل 11% يرفضون الهجوم، و14% دون موقفٍ محدّد.
تشير هذه الأرقام إلى شبه إجماع إسرائيلي على مبدأ الضربة مع اختلافٍ حول التوقيت؛ وحتى الأصوات المعترضة داخل المعارضة والجيش والأجهزة الأمنية تركز اعتراضها على التوقيت وتأثيره على ملفّ الأسرى والمحتجزين، لا على الهدف أو المكان.
الحلف الأمني القطري-الأميركي
لو كانت دولةٌ عربية هي التي تعتدي على إسرائيل، لكان الموقف الأميركي يتجاوز شعارات "حقّ الدفاع عن النفس" إلى عقوباتٍ وتحركاتٍ عسكرية. أمّا اليوم، فتكتفي واشنطن بوصف الحدث بـ"غير الحكيم" والتعهّد بألّا يتكرّر، كما فعل ترمب، من دون إجراءاتٍ رادعة.
إنّ الخرق الصارخ للسيادة، والذي تصفه القيادة القطرية بـ"الغادر والجبان"، قد يفتح الباب أمام تحوّلاتٍ سياسية جوهرية في المنطقة إذا تولّد يقينٌ عربي بأنّ أيّ دولة قد تكون غدًا هدفًا لضربةٍ إسرائيلية، وأنّ الدعم الأميركي لن يكون كافيًا.
على هذا الأساس، قد تبحث العواصم عن تحالفاتٍ إضافية؛ فمع أنّ قطع التحالف مع الولايات المتحدة ليس سهلًا على دول الخليج، فإنّ تنويع الشراكات والبدائل ممكنٌ وواقعي، خاصّة إذا انطلقت المقاربة من أنّ الولايات المتحدة بحاجةٍ موازية إلى الشريك العربي، والخليجي خصوصًا. وقد يعود النقاش إلى تحالفٍ عسكري عربي ومنظور "الأمن الجماعي" بدل المقاربة القُطرية الضيّقة، لأنّ تحدّيات السنوات المقبلة تبدو أصعب وأعمق.
التحرّك نحو خفض التعاون مع الولايات المتحدة
لن يتبدّل الموقف الأميركي ما لم تشعر واشنطن بأنّ كلفة تغطية السلوك الإسرائيلي حقيقية. عندها فقط تضغط على تل أبيب لكبح مغامراتها الإقليمية واستغلال فائض القوّة، إلى حدّ استهداف دولةٍ وسيطة في سابقةٍ نادرة.
ومنذ تسلّم ترمب منصبه، ينهال على نتنياهو بهدايا سياسية ودعمٍ علني أكبر ممّا كان في الولاية الأولى التي تركزت على حراكٍ سياسي أكثر من استخدام القوّة. ومع غياب تحرّكٍ عربي موحّد، تواجه العواصم تحدّياتٍ أكبر وتغوّلًا إسرائيليًا أوسع في السنوات الثلاث المقبلة من ولاية ترمب.
لا يمكن الوثوق بواشنطن
هكذا، تثبت واشنطن أنّها حليفٌ غير موثوق؛ فلا موقف حاسمًا ضد إسرائيل، بل تبرير لاستهداف قادة حماس بوصفه "مشروعًا". كما لا تضغط لوقف الاستفزازات والتهديدات الإسرائيلية بتكرار هجماتٍ مماثلة على قطر ودولٍ أخرى.
وتدّعي الولايات المتحدة أنّها سارعت إلى تحذير قطر لحظة إبلاغ ترمب، لكنّ المنطقي كان طلب إلغاء الهجوم من إسرائيل أو إسقاط الصواريخ عبر منظوماتها الدفاعية المنتشرة في قطر والمنطقة. ومع ذلك، تكتفي واشنطن بالقول إنّها "أبلغت" الدوحة، وكأنّ ذلك حلٌّ كافٍ.
وفي مجلس الأمن، لا تدين المندوبة الأميركية الهجمات الإسرائيلية، بل تؤكّد أنّ الضربة "لا تخدم" أهداف إسرائيل والولايات المتحدة، مع تعهدٍ من ترمب بألّا تتكرّر. ثم تحوّل الخطاب نحو ملفّ المحتجزين الإسرائيليين، معتبرةً أنّ "استغلال الضربة للتشكيك في التزام إسرائيل بإعادتهم غير مناسب"، مع أنّ عائلات الأسرى تتّهم نتنياهو بالأمر ذاته.