على مدى الأسابيع المقبلة ينشغل اللبنانيون بالانتخابات البلدية والاختيارية، التي تنطلق يوم الأحد المقبل من محافظة جبل لبنان، وتستمرّ على مدى أربعة أسابيع، لتشمل كامل الأراضي اللبنانية.
جرت العادة ألا تحظى الانتخابات البلدية بما تحظى به الانتخابات النيابية من اهتمام وحماس، على اعتبار أن البلدية يطغى عليها الطابع العائلي المحلي وربما العشائري لاسيما في القرى والمناطق الحدودية، بخلاف الانتخابات النيابية التي تعكس نتائجها موازين القوى والأحزاب والتحالفات السياسية، وتؤثر بشكل مباشر على سياسة الدولة، من خلال المشاركة في تشكيل الحكومة والقرارات الصادرة عنها.
لكن ذلك لا ينفي أن للانتخابات البلدية طابعًا سياسيًا، لاسيما في المدن والبلدات الكبيرة، التي يكون للأحزاب فيها دور كبير في تحديد نتائجها، خصوصًا أن الأحزاب تسعى للسيطرة على البلديات، لأنها تساعدها في تقديم الخدمات لمؤيّديها ومناصريها، كي تستثمرها لاحقًا في الانتخابات النيابية.
الانتخابات البلدية وموقف حزب الله
لعلّ ما يزيد في الاهتمام بالانتخابات البلدية هذه المرّة هو أنها الاستحقاق الانتخابي الأول بعد انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة برئاسة نواف سلام، مع ما يعنيه ذلك من دلالات في موازين القوى. فأحزاب رئيسية كانت تعارض وصول عون لقصر بعبدا وسلام للسرايا الحكومية، وهي في سبيل ذلك أبقت موقع رئاستيْ الجمهورية والحكومة شاغرتين لأكثر من عامين.
كما أن الانتخابات البلدية تجري بعد أشهر قليلة من عدوان إسرائيلي استمر أكثر من شهرين استهدف مقرات ومراكز نفوذ حزب الله في مناطق لبنانية مختلفة، لاسيما في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية. ومن غير المعلوم مدى انعكاس هذا الاستهداف على البيئة التي تحيط بالحزب، التي كانت الأكثر تضررًا، جراء استشهاد المئات منها، وتدمير منازلها، خاصة أن عملية إعادة إعمار ما هدمه العدوان لم تبدأ بعد، وبالتالي فإنّ شريحة واسعة من اللبنانيين -ومعظمهم من مؤيدي الحزب- ما زالت نازحة إلى مناطق أخرى وتعيش أوضاعًا اجتماعية صعبة.
كما أنه من غير المعروف تأثير اغتيال العشرات من قادة حزب الله، وفي مقدمهم أمينه العام السابق حسن نصر الله، الذي كان يشكل حضوره وخطاباته رافعة نفسية ومعنوية كبيرة لجمهور الحزب. ولعلّ العامل الآخر الذي سينعكس سلبًا على وضع بيئة حزب الله، هو سقوط نظام بشار الأسد، ووقف عمليات التهريب التي كانت تجري على الحدود الشرقية مع سوريا، وهي مناطق وقرى معظمها تشكل حاضنة للحزب.
التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية
حزب الله ليس وحده من قد تكون طرأت عليه تغيّرات في وضعه الشعبي. فالتيار الوطني الحر هو كذلك من المتوقع أن تكشف الانتخابات عن تراجع نفوذه بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون الذي يقول كثيرون إنه استغلّ موقعه في قصر بعبدا لدعم تياره وعرقلة كل ما يتعارض مع مصلحته.
يضاف لذلك، خروج عدد من مؤسسي وقياديي التيار من صفوفه، احتجاجًا على ما اعتبروه استئثار رئيس التيار جبران باسيل (صهر ميشال عون) بقرار الحزب وتهميش مؤسساته وأطره القيادية. هذا عدا عن أن حليف التيار (حزب الله) ما زال يضمد جراحه التي خلفها العدوان الإسرائيلي ويعيد تنظيم صفوفه، ولن يكون بمقدوره تقديم الدعم الانتخابي الذي اعتاد التيار أن يناله.
في المقابل، يبرز تقدم للقوات اللبنانية، في أداء سياسي متماسك، مستفيدة من انكفاء دور التيار الوطني الحر. وتسعى القوات للتفرد بالشارع المسيحي، متسلّحة ببنية تنظيمية قوية، ودعم خارجي سعودي وأميركي.
اعتكاف الحريري يرخي بثقله على الاستحقاق
أما التغيّر الجديد الذي قد يطرأ على الساحة المسيحية فهو إمكانية بناء رئيس الجمهورية جوزيف عون حيثية شعبية بعيدًا عن الأحزاب، يمكن أن تشكل تأثيرًا على نفوذ بقية الأحزاب، وربما تكون الانتخابات البلدية أول مؤشراتها.
في المقابل، ليس من المتوقع أن يشهد الشارع السنّي متغيّرات كبيرة، في ظل استمرار قرار اعتكاف رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري عن العمل السياسي، الأمر الذي برّره بالطابع المحلي لهذه الانتخابات، فيما يربطه كثيرون بـ"عدم رضا" سعودي عنه.
مع ذلك، فإنّ الواضح أنّ الفراغ الذي تركه الحريري فتح شهية القوى والأحزاب الأخرى، وعلى الأرجح سيتيح للعائلات والقوى المحلية محاولة ملء هذا الفراغ، كما فعلت في الانتخابات النيابية الأخيرة.
