عُقدت في العاصمة الأفغانية كابل، اليوم الأربعاء 16 أبريل/ نيسان 2025، الجولة السابعة من اللجنة المشتركة للتنسيق بين أفغانستان وباكستان، بحضور وفد باكستاني رفيع المستوى برئاسة المبعوث الخاص لإسلام آباد إلى أفغانستان محمد صادق خان، بينما ترأس الوفد الأفغاني نائب وزير الدفاع الملا عبد القيوم ذاكر.
وقال المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد، إن الاجتماع يهدف إلى مناقشة سبل حل الخلافات المحتملة على امتداد خط ديورند، إضافة إلى تسهيل تنقل السكان من الجانبين. وأضاف أن هذه اللقاءات تُعقد بالتناوب بين كابل وإسلام آباد، ضمن آلية تنسيقية دورية.
رغم أهمية هذه اللقاءات، فإن تجارب العقود الماضية تثير تساؤلات حول مدى جدوى مثل هذه الاجتماعات في ظل تراكم الخلافات التاريخية والسياسية بين البلدين.
الخط الحدودي.. ميراث الاستعمار البريطاني المشؤوم
تعود جذور العلاقات المتوترة بين أفغانستان وباكستان إلى ما قبل تأسيس الأخيرة عام 1947. منذ اللحظة الأولى لقيام الدولة الباكستانية، امتنعت كابل عن الاعتراف الرسمي بخط ديورند، الخط الحدودي الذي رسمه الاستعمار البريطاني عام 1893 بين الهند البريطانية وأفغانستان، عبر اتفاقية وُقّعت بين السير مورتيمر ديورند وأمير أفغانستان آنذاك عبد الرحمن خان.
ومنذ ذاك الوقت، لعب هذا الخط دور "الشيطان اللعين" في العلاقات الثنائية، كونه لا يُنظر إليه في كابل إلا على أنه أداة استعمارية جزّأت الشعب البشتوني بين دولتين. وتؤكد الحكومات الأفغانية أن مدة الاتفاقية (100 عام) قد انتهت بحلول عام 1993، ما يجعل الخط فاقدًا لأي شرعية قانونية.
في المقابل، ترى باكستان أن هذا الخط يمثل حدودًا دولية ورثتها عن الهند البريطانية بعد استقلالها، ولا مجال لإعادة التفاوض بشأنه، وهو ما خلق أساسًا صلبًا للعداء المستمر.
الخلاف بين كابُل وإسلام آباد لا يقتصر على الحدود فقط، بل يمتد إلى ملفات السيادة والنفوذ الإقليمي، إذ تتهم الحكومات الأفغانية المتعاقبة باكستان بمحاولة بسط نفوذها على الشأن الداخلي الأفغاني من خلال دعم جماعات مسلحة، والتدخل في شؤون البلاد، والسعي للهيمنة على القرار الأفغاني الخارجي.
ورغم تعاقب الحكومات وتغير الأنظمة، لم تجرؤ أي حكومة أفغانية على إعلان الاعتراف بخط ديورند بشكل رسمي، لأن ذلك يُعتبر قضية سيادية تمس الكرامة الوطنية. وحتى حركة طالبان، التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع بعض الدوائر في باكستان، لم تُظهر أي مرونة في هذا الملف.

من طالبان إلى باكستان
مع عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس/ آب 2021، كانت باكستان تتوقع تعاملاً مرنًا وتوقيع اتفاقات استراتيجية مع الحكومة الجديدة في كابل. غير أن الواقع جاء مغايرًا، حيث اصطدمت إسلام آباد مع صرامة صُنّاع القرار في طالبان، الذين أعطوا أولوية واضحة لإثبات استقلالية القرار السياسي، والتأكيد على السيادة الوطنية.
طالبان لم تخف انزعاجها مما تعتبره تدخلاً باكستانيًا، وذهبت إلى اتهام إسلام آباد بتوفير ملاذات آمنة لعناصر تنظيم الدولة، ودعم أنشطة تهدد الأمن الأفغاني، في حين ترد باكستان باتهام كابل بإيواء عناصر حركة طالبان الباكستانية (TTP)، التي تنفذ هجمات دامية داخل الأراضي الباكستانية.
الاتهامات الأمنية المتبادلة
شهدت الأشهر والسنوات الماضية سلسلة من العمليات الأمنية والاتهامات المتبادلة:
-
في ديسمبر/ كانون الأول 2024، تعرضت مدينة كويته الباكستانية لهجوم مسلح أودى بحياة 12 شخصًا، واتهمت باكستان على إثره عناصر قادمة من أفغانستان.
-
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، انفجرت عبوة ناسفة في سوق بقندهار، مما أسفر عن مقتل 8 مدنيين، واتهمت طالبان باكستان بالوقوف وراءها.
-
في فبراير/ شباط 2025، أعلن الجيش الباكستاني شن عمليات عسكرية داخل الأراضي الحدودية ضد مواقع لطالبان الباكستانية، وهو ما ردت عليه وزارة الدفاع الأفغانية بهجوم صاروخي في منطقة حدودية بين الطرفين.
هذه الاتهامات تعكس نمطا مزمنا من انعدام الثقة والتعامل الأمني غير المنسق، حيث لا توجد آلية موحدة للتحقيق أو المحاسبة.
الاقتصاد في مهب السياسة
بلغت التوترات الاقتصادية ذروتها حين أغلق معبر تورخم، أكبر المعابر الحدودية، لمدة 28 يوما في مارس/ آذار 2025، ما أدى إلى:
-
خسائر اقتصادية يومية قُدرت بـ3 ملايين الدولار يوميا للتجار من كلا الطرفين.
-
تعطل نقل أكثر من 1,500 شاحنة محملة بالبضائع.
-
تكدس آلاف المسافرين في ظروف إنسانية صعبة.
وفي ظل غياب اتفاقيات تجارية شاملة، يبقى التبادل التجاري بين البلدين هشًا، إذ انخفضت نسبة التجارة بين البلدين من 2.5 مليار دولار في 2018 إلى أقل من 1.8 مليار دولار في 2024.
بين الجيوش والدبلوماسيين
لا تبدو المنظومة الحاكمة في باكستان متماسكة في إدارة الملف الأفغاني، حيث يجري السياسيون مفاوضات ويطلقون تصريحات دبلوماسية، بينما ينفذ الجيش عمليات عسكرية على الحدود. هذا التناقض أضعف قدرة باكستان على بناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع أي حكومة أفغانية.
أما في الجانب الأفغاني، فالحكومة التي تقودها طالبان لا ترى المصلحة في عداء متزايد مع باكستان، لكنها في نفس الوقت لا تريد أن تبدو ضعيفة. وقد نفذت وزارة الدفاع الأفغانية خلال العامين الأخيرين ثلاث عمليات انتقامية عبر الحدود ردا على هجمات باكستانية، في رسالة واضحة بأن السيادة الوطنية خط أحمر.
من هنا بات من الواضح أن هذه اللعبة السياسية تكلف الطرفين الكثير من الخسائر:
-
تراجع كبير في حجم التبادل التجاري.
-
تصاعد التهديدات الأمنية.
-
ازدياد فقدان الثقة السياسية.
وفي صعيد غير بعيد، وعلى مساحة مقلقة للجانب الباكستاني، تتسع العلاقات الأفغانية الهندية، ما يثير حفيظة باكستان التي لطالما حلمت بكابُل كساحة لنفوذها الحصري. كما أن غياب رؤية استراتيجية بعيدة المدى من كلا الطرفين يجعل من حل القضايا العالقة أمراً مؤجلاً.

خلاصة المشهد الجيوسياسي
منذ أكثر من نصف قرن، تعيش العلاقات الأفغانية الباكستانية حالة من التخبط، تحكمها الإحساسات اللحظية والانفعالات السياسية لدى النخب الحاكمة. ولم يتمكن أي من الطرفين من إنتاج رؤية استراتيجية شاملة تؤسس لحل الملفات العالقة، وعلى رأسها:
-
قضية خط ديورند، الذي أصبح اليوم رمزا للتقسيم والعداء.
-
ملف الجماعات المسلحة العابرة للحدود.
-
التبادل الاقتصادي العادل.
-
آلية تنسيق أمني وسياسي منتظمة.
الفاتورة الباهظة على الشعبين
الشعبان، اللذان تربط بينهما علاقات اجتماعية وثقافية عميقة، هما الضحية الأكبر لهذه السياسات. غابت العقلانية، وبرزت المناكفات، وتقدمت الانفعالات على حساب التفاهمات.
العقل السياسي الرشيد يقتضي أن يعود الطرفان إلى طاولة التفاوض، لا بوصفها مناسبة إعلامية، بل محطة حقيقية لتجاوز تاريخ طويل من الخلافات. فالأمن والاستقرار في البلدين لا يمكن أن يتحققا في ظل صراع مفتوح بلا أفق، والجيرة لا ينبغي أن تتحول إلى لعنة، بل إلى فرصة.
ويبقى السؤال معلقًا: هل تسير كابُل وإسلام آباد نحو تسوية حقيقية، أم أن "الجيران الحيران" سيبقون عالقين في دائرة لا تنتهي من الحيرة والعداء؟