الجمعة 23 مايو / مايو 2025
Close

العلاقات الجزائرية المالية: الساحل خاصرة إفريقيا الملتهبة

العلاقات الجزائرية المالية: الساحل خاصرة إفريقيا الملتهبة

Changed

شارك القصة

تشهد العلاقات الجزائرية المالية  حاليًا واحدة من أسوأ أزماتها منذ عقود - غيتي
تشهد العلاقات الجزائرية المالية حاليًا واحدة من أسوأ أزماتها منذ عقود - غيتي
الخط
يبدو أن إسقاط المسيرة المالية من طرف الجيش الجزائري كان القطرة التي أفاضت الكأس، وكشفت عن صراع مضمر بين البلدين.

في هذه الأيام يحلو للصحافة المحلية المالية التذكير بالمساهمة الكبيرة التي قدمتها مالي من خلال القرار السيادي للرئيس موديبو كيتا عام 1960 بفتح الحدود المشتركة أمام جيش التحرير الجزائري لتسهيل حركة الثوار الجزائريين، ويتساءل بعض المحللين إذا كانت الجزائر قد دفعت دَيْنها كاملاً بعد هذا الدعم الذي تلقته من باماكو خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.

في المقابل ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، خبر يشير إلى أن رئيس المجلس العسكري المالي آسيمي غويتا يسعى لطلب الصفح من الجزائر، خاصة بعد الحصار غير الرسمي الذي مارسته الجزائر بتشديد القيود التجارية على الجنوب الجزائري، مما أدى إلى تعليق مرور السلع المدعومة المتجهة إلى مناطق الساحل المجاورة، تحديدًا في شمال مالي، ما أدخل المنطقة في أزمة غذاء ووقود، خاصة وأنها كانت تعتمد لعقود من الزمن على التجارة (غير النظامية) عبر الحدود والتي كانت الجزائر تغضّ الطرف عنها، وتسمح بدخول الوقود والسكر والإسمنت، وحتى زيت الطهي بأسعار أقل بكثير من تلك الموجودة في السوق الرسمية.

تاريخ العلاقات بين الجزائر ومالي

لكن، بعيدًا عن بروباغندًا الإعلام في البلدين، شهد تاريخ العلاقات بين الجزائر ومالي تعاونًا في قضايا التحرر، وهذا التعاون كان جزءًا من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفق سياقات ومعطيات وحتميات إقليمية. وهنا نستذكر، سداد الجزائر لديون الكثير من الدول الإفريقية التي دعمتها في استقلالها.

لن نناقش، طبعًا، قضية سداد الدين الجزائري. كما أننا لن نناقش خضوع زعيم المجلس العسكري المالي للجزائر لأن الذي يحدث في الساحل أكبر من اختصاره في البروباغندا الإعلامية التي يُخدر بها الشعبان، إذ إنّ ما يحدث حاليًا ينبئ بانفجار كبير، ما لم يتم حسمه في أقرب وقت وفق تفاهمات بين الدول المجاورة على الأقل لتضييع الفرصة على وكلاء الحرب ومصالح اللاعبين الكبار في المنطقة.

والسؤال المطروح حاليًا هو: إلى أي مدى ستؤثر الخلافات بين الجزائر ومالي على الاستقرار في منطقة الساحل في ظل انتشار الجماعات المسلحة المحسوبة على القاعدة وتنظيم الدولة، بالإضافة إلى كيانات لها علاقة بتهريب السلاح والبشر والمخدرات؟

بعيدًا عن بروباغندًا الإعلام، شهد تاريخ العلاقات بين الجزائر ومالي تعاونًا في قضايا التحرر - غيتي
بعيدًا عن بروباغندًا الإعلام، شهد تاريخ العلاقات بين الجزائر ومالي تعاونًا في قضايا التحرر - غيتي

إسقاط مسيرة يسقط الأقنعة..

لا شك أن إسقاط المسيرة المالية من طرف الجيش الجزائري كان القطرة التي أفاضت الكأس، وكشفت عن صراع مضمر بين البلدين، تعزّزه جملة من المعطيات الطارئة على الساحل الإفريقي خاصة مع دخول لاعبين جدد كروسيا.

الأكيد أنّ العلاقات الجزائرية المالية تشهد حاليًا واحدة من أسوأ أزماتها منذ عقود وسط حملة اتهامات من باماكو ضد الجزائر وصلت حد تحميلها المسؤولية في التوترات المتصاعدة شمال مالي والتشكيك في حيادها كوسيط تاريخي في ملف الانفصاليين في الشمال المالي بل ذهبت أبعد من ذلك واتهمتها بدعم وتمويل جماعات إرهابية، في إشارة إلى حركة الأزواد (وهي حركة سياسية مسلحة أسسها الطوارق في إقليم أزواد شمال مالي، وتسعى  إلى إقامة دولة أزواد المستقلة). أما الجزائر، فتعتبر أنها تدفع ثمن تمسكها بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول وإصرارها على الحلول السياسية بدل الحسم العسكري.

عمومًا، يمكن القول إنّ العلاقات التاريخية بين الجزائر ومالي معقدة، حيث تجمعهما حدود طويلة في منطقة الساحل الملتهب وكانتا مستعمرتين فرنستين، ولطالما سعت الجزائر للعب دور الوسيط في أزمات مالي، خاصة في ملف الشمال المالي، وتحديدًا قضية الطوارق، كما احتضنت اتفاق الجزائر للسلام منذ عام 1915 والذي انفرط عقده بعد ذلك، وتحديدًا بعد انقلاب باماكو 2020، حين قرر المجلس العسكري إنهاء اتفاق السلام الموقع مع الجماعات الانفصالية في الشمال المالي لصالح الحسم العسكري في المنطقة، لتصبح الجزائر بعدها بالنسبة للسلطة الانتقالية في باماكو خصمًا لا يمكن الوثوق فيه.

لا شك أن إسقاط المسيرة المالية من طرف الجيش الجزائري كان القطرة التي أفاضت الكأس، وكشفت عن صراع مضمر بين البلدين، تعزّزه جملة من المعطيات الطارئة على الساحل الإفريقي خاصة مع دخول لاعبين جدد كروسيا

وفي هذا السياق لا يمكن قراءة حادثة إسقاط الطائرة المسيرة المالية من قبل دفاعات الجيش الجزائري مطلع أبريل/ نيسان إلا من هذا الباب، إذ إنّ هذا الحادث ترى فيه مالي اعتداء سافرًا، وقد سحبت سفيرها من الجزائر احتجاجًا، بينما قالت الجزائر إن المسيرة اخترقت أجواءها ونقلت القضية إلى مجلس الأمن، إلى جانب إغلاق مجالها الجوي.

تقول الجزائر إنها لن تتوانى في حماية سيادتها الجوية، وبالتالي فإنّ إسقاط المسيرة هو فعل سيادي من وجهة نظرها، وعلى العكس من ذلك، فإنّ دخول طائرة مسيرة الى مجالها الجوي وحتى ولو كان بدعوى تعقب الجماعات المسلحة كما تقول باماكو، يُعَدّ بالنسبة للجزائر تجاوزًا، خاصة وأنها لم تكن طرفًا في أي عمليات منسقة مع باماكو التي قررت أن توقف تعاونها مع الجزائر.

جذور الخلاف بين مالي والجزائر

تعود جذور الخلافات الأمنية بين مالي والجزائر إلى اختلاف الرؤى في التعامل مع الجماعات المسلحة. فالجزائر تميل إلى الحلول السياسية، بينما تفضل مالي الحلول العسكرية، خاصة بعد تلقيها دعمًا خارجيًا من مجموعة فاغنر الروسية. كما يتهم كل طرف الآخر بالتدخل في شؤونه الداخلية، خاصة في ضوء لقاءات جزائرية مع قادة متمردين ماليين، ما زاد من تعقيد العلاقات.

وفي هذا السياق، ترى الجزائر في استقبالها الانفصاليين وتحديدا للشيخ محمود ديكو، ممارسة لواجب الوساطة، واهتمامها بقضية الأزواد يعود تحديدا لعلاقتها التاريخية مع الطوارق، وهي علاقة عميقة تمتد لقرون من التفاعل الثقافي. فالطورق يشكلون جزءا من النسيج الثقافي والاجتماعي الجزائري في الجنوب الجزائري، وتربطهم علاقات قرابة وتواصل مستمر مع نظرائهم في شمال مالي والنيجر.

كما أن الجزائر بحكم موقعها الجغرافي ومشاركتها الحدود الطويلة مع مناطق الطوارق، ترى في استقرار هذه القبائل عاملاً أساسيًا لأمنها القومي، خاصة في ظل انتشار الجماعات المسلحة في الساحل. وهي تدرك جيّدًا طبيعة التركيبة السكانية لهذه المجتمعات لأنها لعبت أكثر من مرة دور الوسيط في النزعات المتعلقة بالطوراق.

تعود جذور الخلافات الأمنية بين مالي والجزائر إلى اختلاف الرؤى في التعامل مع الجماعات المسلحة - غيتي
تعود جذور الخلافات الأمنية بين مالي والجزائر إلى اختلاف الرؤى في التعامل مع الجماعات المسلحة - غيتي

فرنسا اللاعب الغائب في الساحل

بعد انكماش دور فرنسا في مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وتحديدًا في الساحل الإفريقي، تركت المجال مفتوحًا لتنامي النفوذ الروسي.

وأدى تراجع الدور الفرنسي في مالي إلى فراغ أمني استراتيجي، ما دفع الجزائر إلى تفعيل آليات دفاعها في المنطقة، حماية لحدودها ومصالحها.

في المقابل، وجدت السلطة الانتقالية في باماكو من شيطنة الجزائر وسيلة للهروب من فشل استحقاقاتها الداخلية، خاصة مع التململ الشعبي من استمرار الحكم العسكري وتمرير الدستور دون توافق وطني.

وقد أدى الخلاف بين البلدين وانكماش دور فرنسا في المنطقة وانسحاب مالي من لجنة الأركان المشتركة  لمكافحة الإرهاب الى تراجع التنسيق الأمني والعسكري والعمليات المشتركة ضد الجمعات المسلحة.

 الفراغ الأمني في منطقة الساحل أعطى فرصة لهذه الجماعات لتوسيع نشاطها حيث زادت مؤخرا العمليات الإرهابية والهجومات على الجيش المالي وتوسيع نطاق العمليات الإرهابية في النيجر وبوركينافاسو وزيادة عمليات الاختطاف.

وحسب الإحصائيات التي قدمها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في جلسة لمجلس الأمن الدولي حول المنطقة: "تعرضت منطقة الساحل خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 لأكثر من 3.200 هجوم إرهابي، أودى بحياة أكثر من 13.000 شخص، كما تحولت منطقة دول الساحل إلى بؤرة للإرهاب العالمي، وأصبحت تتركز فيها أكثر من 48 بالمئة من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم"

وفي ظل هذا  التصعيد غير المسبوق للأزمة بين الجزائر وفرنسا، وتغيّر موازين القوى في الساحل بدخول لاعبين جدد فإن استمرار الأزمة بين البلدين يهدد الاستقرار الإقليمي، ويبرز الحاجة إلى قنوات حوار جادة تنهي هذا الصراع في هذه المنطقة الهشة.

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي
سياسة - فلسطين

شارك القصة

Share
 الاحتلال يجبر أهالي غزة على النزوح من خلال "إنذارات الإخلاء" - غيتي
الاحتلال يجبر أهالي غزة على النزوح من خلال "إنذارات الإخلاء" - غيتي

قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي يأمل في أن تدفع مراكز المساعدات الأميركية إلى إخلاء شمال قطاع غزة.

سياسة - سوريا

شارك القصة

Share
نشرت السفارة الأميركية في أنقرة بيانًا رسميًا بشأن تعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا - غيتي
نشرت السفارة الأميركية في أنقرة بيانًا رسميًا بشأن تعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا - غيتي

جاء تعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أيام رفع العقوبات الأميركية على سوريا.

سياسة - العالم

شارك القصة

Share
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وديفيد زيني
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وديفيد زيني - وسائل إعلام عبرية

قرر نتنياهو الخميس تعيين اللواء ديفيد زيني رئيسًا للشاباك، خلفًا للمقال رونين بار الذي ينهي مهامه في 15 يونيو المقبل.