الجمعة 23 مايو / مايو 2025
Close

القضية الكردية في تركيا.. حلول مؤجلة بين القيادات ومصالح المنطقة

القضية الكردية في تركيا.. حلول مؤجلة بين القيادات ومصالح المنطقة

Changed

شارك القصة

يريد حزب العمال الكردستاني ضمانات أمنية لعناصره وقياداته قبل إلقاء سلاحه - غيتي
يريد حزب العمال الكردستاني ضمانات أمنية لعناصره وقياداته قبل إلقاء سلاحه - غيتي
الخط
يمكن الحديث عن أزمة ضمانات تواجه العمال الكردستاني وتمنعه من إلقاء السلاح، لكن رغم كل هذه التحديات ثمة تفاؤل بأن الحل يلوح في الأفق.

جل المجتمع التركي يحب أفراده الموتى أكثر من الأحياء. هكذا يوصّف الكثير من الأتراك مجتمعهم، فحينما يموت أحدهم سواء كان علَمًا سياسيًا أو فنانًا او شخصية معروفة للمجتمع، تلقى تلك الشخصية اهتمامًا بعد موتها لم تكن لتحظى به على حياة عينها، وكثيرًا ما تتكرر مشاهد لقاء خصوم السياسة في مراسم الجنازات.

خير دليل على ذلك ما جرى مع النائب البرلماني عن حزب مساواة الشعوب والديمقراطية سري ثريا أوندر الذي توفي عن 63 سنة بعد إصابته بأزمة قلبية ودخوله الغيبوبة لمدة 18 يومًا في إحدى مستشفيات إسطنبول. فجميع وسائل الإعلام التركية غير الرسمية، سواء المحسوبة على المعارضة، أو القريبة من الحكومة، نقلت على الهواء مباشرة حفل تأبينه الذي تضمن كلمات لمسؤولي حزب مساواة الشعوب والديمقراطية.

كان ذلك أمرًا لافتًا، خصوصًا أنّه كان ليُعتبَر ضربًا من الخيال قبل بضعة أشهر فقط، حين كانت القنوات المحسوبة على الحكومة التركية تشنّ الهجمات على المعارضة، وتتحدث عن الإرهاب، لكن ما يشفع لها أنّ أوندر انتهت حياته ففاضت العاطفة التركية حبًّا به من جهة، ومن جهة أخرى أنه كان من أبرز الشخصيات التي قادت مسار المصالحة الكردية.

هكذا، نوّه جل رموز الأحزاب السياسية بالسياسي الراحل سري ثريا، وأطلقوا عليه وصف حمامة سلام، وأعربوا عن آمالهم بمواصلة ما بدأه من ملف المصالحة الكردية وإنهاء الحالة العسكرية لحزب العمال الكردستاني، وهو ما يطرح علامات استفهام بالجملة، فلماذا لم يحصل تقدم سريع في الوصول إلى نتيجة ملموسة كتلك التي يدور صداها على ضفتي الحكومة والمعارضة الكردية بأن تركيا بدون إرهاب باتت قاب فترة زمنية قصيرة؟

"تركيا بدون إرهاب"

الحديث عن مفهوم "تركيا بدون إرهاب" بات أمرًا اعتياديًا لدى الشارع التركي، وكأن الحكومة استطاعت بعامل الوقت أن تقنع الشارع بخطوات المصالحة، لكن ثمة تعثر وانسداد في الأفق، فتارة تسمع مسؤولي حزب مساواة الشعوب والديمقراطية يؤكدون أن الكرة في ملعب الحكومة، وطورًا تتفاجأ بالرد السريع من قبل الحكومة أنه لا يوجد كرة ولا ملعب، وأنه يتعين على الجناح العسكري للعمال الكردستاني أن يدعو إلى مؤتمر لحل نفسه.

ويطرح هذا الأمر مجموعة أخرى من التساؤلات، فلماذا تصرّ الحكومة على رفض تقديم أي تنازلات أو تسهيلات في مخاطبة الأطراف الأخرى، وهل تمتلك أنقرة أوراق ضغط وقوة تمكّنها من رقاب خصومها، أم أنها تستند إلى تفاهمات دولية وإقليمية بضرورة إنهاء هذا التنظيم من أجل العمل على مستويات أمنية وسياسية جديدة؟

يذكر أنّ الموقف الحكومي الرافض للتنازلات، يترافق مع خطوات عسكرية للقوات التركية، باستهدافها لتجمعات العمال الكردستاني ومعسكراته في شمال العراق، وملاحقة من يتعاونون في المدن والولايات جنوب شرق تركيا مع التنظيم، في وقت يبدو أنّ أنقرة تدرك أنّ الحزب وقياداته يعيشون أزمة، وإن كان من الصعب التكهّن بمستواها. لكن، هل هذه الأزمة محصورة فعلاً بالمستوى العسكري أو المادي، أم ترتبط بعلاقاته مع حلفائه في الغرب، ولا سيما الأميركيين؟

في المبدأ، يمكن القول إنّه لا يوجد لدى التنظيم أزمة مالية، وفق ما تؤشّر إليه الأحداث، نظرًا لما يملكه من منابع الطاقة في شمال شرق سوريا، وكذلك سيطرته على ما يعرف بتجارة المخدرات في مناطق واسعة تقطنها الأغلبية الكردية في كل من إيران والعراق وتركيا وسوريا. أما على المستوى العسكري، فما تزال القوى العسكرية المتمثلة بقسد وقوى الدفاع الشعبي للعمال الكردستاني تتواجد في أماكن سيطرتها شمالي العرق وسوريا رغم تلقيها الكثير من الضربات، وهي تمتلك معدات وأسلحة أميركية الصنع متطورة لمواجهة ومقاومة الجيش التركي لزمن ليس بقصير.

الصراع الفكري بين الأكراد

ما يلفت الانتباه أن حزب العمال الكردستاني بات في حالة حرجة على مستوى الكوادر العسكرية المقاتلة، فقد باتت صفوفه العسكرية توصف بأنها هرمة وتقدمت بالسن، لأن الحكومة التركية استطاعت من خلال تغيير قواعد عملها العسكري والاستخباراتي عقب محاولة الانقلاب عام 2016 تجفيف المنابع البشرية التي كان يعتمد عليها في دعم صفوف مقاتليه بفئة الشباب، وذلك بطرق مختلفة من أهمها إفشال الدعاية الأيديولوجية وتكثيف الرقابة الأمنية من خلال الحواجز الأمنية والعسكرية في المناطق الحدودية واعتمادها على الطائرات المسيرة لمراقبة الحدود واستهداف المقاتلين الفارين، إضافة إلى تنمية تلك المناطق بمشاريع استثمارية كبيرة، وجذب الشباب الكردي إلى التعليم وسوق العمل، والضغط المستمر على القيادات السياسية بإفشال مشاريعهم السياسية.

أما أيديولوجيًا، فقد بدأ فكر كردي قومي متشدد بالظهور بين صفوف الشباب الكرد في المناطق الجنوبية الشرقية في تركيا مواز لتيار العمال الكردستاني، ويبدي هذا التيار الفكري الجديد استياءه من فكر عبد الله أوجلان، لكنه لا يملك توجهات لحمل السلاح. وعلى الرغم من الحالة غير المتوازنة شعبيًا بين المجتمع الكردي والعمال الكردستاني، إلا أنه يبقى لأوجلان الحصة الأكبر في التأثير على المجتمع الكردي وقياداته السياسية، وهذا ما نراه من خلال انسجام حزب مساواة الشعوب والديمقراطية مع ما طرحه الرجل، وتأييد صلاح الدين دميرطاش -الزعيم السابق للحزب والمعتقل منذ عام 2016 بعدة تهم ولديه حكم بالسجن 42 عاما- تأييده لدعوة أوجلان.

وكذلك لا بد من الإشارة إلى أن مراد كاره يلان القائد العسكري للجناح العسكري للعمال الكردستاني، وإلى جانبه مظلوم عبدي قائد قوات قسد، يشكلان الرمز الأوجلاني في التنظيمات الكردية، والمعروف عنهما أنهما لا يحيدان عن تعليمات أوجلان، ةبالتالي حتى اللحظة، تبدو حظوظ انصياع التشكيلات العسكرية الكردية لدعوة أوجلان أكبر من إمكانية معارضتها وفشلها، ولها ثقل اتخاذ القرارات الاستراتيجية.

بدأ فكر كردي قومي متشدد بالظهور بين صفوف الشباب الكرد في المناطق الجنوبية الشرقية في تركيا - غيتي
بدأ فكر كردي قومي متشدد بالظهور بين صفوف الشباب الكرد في المناطق الجنوبية الشرقية في تركيا - غيتي

ماذا عن شمال شرق سوريا؟

في شمال شرق سوريا، قد يكون الوضع أكثر رخاء وراحة، باعتبار أنّ الأموال والموارد البشرية متوافرة، كما أنّ استقلالية الحدود وهيكل الدويلة أكثر حضورًا ونضجًا، لكن كل هذا رهن الشروط السياسية التي تغيرت مع سقوط نظام الأسد، ومجيء سلطات جديدة لاقت ترحيبًا شعبيًا وإقليميًا، وترفض التقسيم والمحاصصة، وتصر على ضرورة بسط سيطرتها على كامل التراب السوري. بيد أن تفاهم الإدارة السورية الجديدة مع تركيا، والارتباط الفكري لقسد مع أوجلان، يحتّمان على قسد ومن معها من التنظيمات الكردية أن تكون جزءًا من المصالحة التركية مع حزب العمال الكردستاني، وهذا ما ينعكس بالسلب حينًا وبالإيجاب في أحيان أخرى على اتفاق قسد الأخير مع دمشق.

بناءً على ما تقدّم، يبدو أنّ الاتفاق السوري السوري ما يزال رخوًا، وكأنه مسار لكسب الوقت دون اندلاع مواجهة مباشرة بين الفرقاء السوريين، وذلك ريثما تظهر معالم الاتفاق مع تركيا، وكذلك بانتظار معرفة الموقف الأميركي بشكل أوضح، ولا سيما بعد وصول إدارة ترمب وانقلابها على سياسة إدارة بايدن في ملفات عدة، من أهمّها الملف الأوكراني وملفات أخرى، وإعلانها بدء الانسحاب من مواقعها في سوريا، واحتمالية أن تملأ تركيا الفراغ بعد الولايات المتحدة في سوريا تحت مسمى محاربة تنظيم الدولة من خلال قوات مشتركة تضم سوريا وتركيا والأردن والعراق.

ولعلّ كل هذه المحددات لا تزال غير مكتملة الصورة لدى إدارة قسد، وغير مطمئنة بعد لموقف ترمب المزاجي أحيانًا والمعجب بإدارة أردوغان أحيانًا أخرى، لذلك قد نرى تجميدًا لجبهة شمال شرق سوريا وعدم الوصول إلى حل نهائي يرضي دمشق وأنقرة معًا.

الكرد والعلاقة مع تركيا

عمومًا، تعتبَر كردستان العراق الوطن الأقرب إلى حلم أكراد المنطقة، وإن لم يكن مستقلاً بشكل كامل، لكنهم يجدون فيه الملاذ الأخير للتنسيق والتشاور، وفي الطرف المقابل ترتبط أربيل وإدارة كردستان العراق بعلاقات متقدمة مع أنقرة. وتدرك أربيل أن التفاهم مع أنقرة مقدم على التفاهم مع بغداد رغم أهمية الثاني، وذلك لأن العلاقة مع تركيا بهذا الشكل تقدم لها الكثير من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وكذلك تضعها في موقع الند لحكومة بغداد المركزية من حيث التفاوض على ملفات الإدارة والثروات الباطنية.

لذلك فإن كردستان العراق مضطرة للتفاهم مع تركيا وإن حصلت على دعم الولايات المتحدة وإسرائيل وايران مجتمعين، وهذا ما يفرض الواقع ذاته على قسد في شمال شرق سوريا، فهذه الكتل الجغرافية التي يعيش فيها الأكراد في كل من تركيا وسوريا والعراق وإيران لا يمكنها العيش دون تركيا لأنها الدولة الوحيدة التي بإمكانها أن تقدم لهم الاستقرار السياسي والاقتصادي، وبإمكانها أن تمارس من خلاله حق الفيتو متى شاءت كاعتراض على أي تحرك كردي لا يروق لها.

وامتلكت أنقرة أوراق الضغط هذه، من خلال ما تمتلكه من ثقل جغرافي وسياسي واقتصادي على عكس إيران، كما أن دمشق تمتلك إمكانية إغراق تلك المنطقة بفوضى سياسية واقتصادية، ولذلك ربما يتعين على الأكراد محاورة دمشق وأنقرة في اجتماع مشترك للوصول إلى مخرج يرضي الجميع، لأن الاتفاق مع أنقرة أو مع دمشق يفتح الباب على الكثير من الاستفهامات أهمها إلى من سيسلم السلاح الأميركي، وكذلك وجهة المقاتلين الأجانب.

السلاح والمقاتلون الأجانب

لا يمكن للحكومة التركية أن تعلن عفوًا عامًا عن تنظيم العمال الكردستاني ومقاتليه وتفتح أبوابها لعودتهم من جبال قنديل دون ملاحقة قانونية، إذ يوجد مئات العائلات لقتلى وضحايا المعارك العسكرية التي بدأها العمال الكردستاني منذ مطلع الثمانينات حتى يومنا هذا. لذلك يطفو على السطح ملف المقاتلين والسلاح، فإن كان هناك تسليم للسلاح، يجوز السؤال: من سيستلم السلاح وإلى أين سيذهب المقاتلون الكرد من حملة الجنسية التركية والأجانب الذين يشاركون في معارك وتدريبات قسد والعمال الكردستاني؟

هنا ربما يطرح موضوع المخيمات او المعسكرات للمقاتلين وعائلاتهم في منطقة السليمانية بشمال العراق مع أسلحة خفيفة على غرار ما نصت عليه صفقات المصالحة بين فصائل المعارضة ونظام الأسد السابق برعاية تركية روسية ضمن ما يعرف بمسار أستانة، حيث سلّم مقاتلو المعارضة المسلحة في دمشق وحمص أسلحتهم وتم ترحيلهم برفقة عائلاتهم إلى الشمال السوري، وهناك بقوا تحت مراقبة الجيش التركي وتدريبه.

قد تكون التسوية المتعلقة بالمقاتلين الكرد مشابهة مع اختلاف الأهداف والوجهة الأخيرة، فانتقال المقاتلين مع عائلاتهم إلى السليمانية قد يتسبب بأزمة سكانية بالإضافة إلى أنهم قد يصبحون ورقة جاذبة لعدد من أجهزة الاستخبارات العالمية لتسليطهم على مستقبل المنطقة، وبالتالي لا بد من حل يتلاءم مع الظروف السياسية الجديدة في المنطقة، بين قوسين تراجع الدور الإيراني، تغير السلطة في سوريا، نمو الحضور التركي في المنطقة.

في النتيجة، يمكن الحديث عن أزمة ضمانات تواجه العمال الكردستاني وتمنعه من إلقاء السلاح، إذ يريد التنظيم ضمانات أمنية لعناصره وقياداته ولا سيما لجهة الإعفاء من الملاحقة القانونية أمام المحاكم التركية، وخروج قياداته من السجن، لكن رغم كل هذه التحديات ثمة تفاؤل نقرأه في تصريحات المسؤولين الأتراك ورموز الساسة الأكراد بأن الحل يلوح بالافق مع التأكيد على قربه من مستقبل تركيا.

المصادر

موقع التلفزيون العربي
سياسة - فلسطين

شارك القصة

Share
 الاحتلال يجبر أهالي غزة على النزوح من خلال "إنذارات الإخلاء" - غيتي
الاحتلال يجبر أهالي غزة على النزوح من خلال "إنذارات الإخلاء" - غيتي

قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الجيش الإسرائيلي يأمل في أن تدفع مراكز المساعدات الأميركية إلى إخلاء شمال قطاع غزة.

سياسة - سوريا

شارك القصة

Share
نشرت السفارة الأميركية في أنقرة بيانًا رسميًا بشأن تعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا - غيتي
نشرت السفارة الأميركية في أنقرة بيانًا رسميًا بشأن تعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا - غيتي

جاء تعيين توماس باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل أيام رفع العقوبات الأميركية على سوريا.

سياسة - العالم

شارك القصة

Share
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وديفيد زيني
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وديفيد زيني - وسائل إعلام عبرية

قرر نتنياهو الخميس تعيين اللواء ديفيد زيني رئيسًا للشاباك، خلفًا للمقال رونين بار الذي ينهي مهامه في 15 يونيو المقبل.