السبت 21 حزيران / يونيو 2025
Close

القلق الحقيقي ليس من أنقرة بل من سوريا الجديدة.. ماذا تخشى تل أبيب؟

القلق الحقيقي ليس من أنقرة بل من سوريا الجديدة.. ماذا تخشى تل أبيب؟

Changed

شارك القصة

تخشى إسرائيل من ولادة سوريا جديدة برئاسة مستقلة وشعبٍ لم ينسَ جولانه المحتل - غيتي
تخشى إسرائيل من ولادة سوريا جديدة برئاسة مستقلة وشعبٍ لم ينسَ جولانه المحتل - غيتي
الخط
القلق الحقيقي في تل أبيب هو أن تنجح الثورة السورية أخيرًا في تأسيس كيان مستقل، غير تابع، غير خاضع، يُعيد تعريف العداء مع إسرائيل من جديد.

بين التصريحات الحادة والتجاذبات الإقليمية، يظنّ كثيرون أنّ إسرائيل تضع أنقرة في قائمة أولوياتها الأمنية، غير أنّ الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فما يُقلِق صُنّاع القرار في تل أبيب ليس الصوت التركي المرتفع، بل الصمت السوري العميق الذي يُخفي تحوّلًا جاريًا على الحدود، قد يُعيد تشكيل المنطقة كلها.

في الجنوب السوري، تنمو بذرةٌ لدولة لم تُعلن نفسها بعد، لكنها تُقلق إسرائيل حتى قبل أن تتنفس. دولةٌ لم تُولد من رحم التطبيع ولا من رحم الوصاية، بل من الإرادة الشعبية السورية التي قاومت القصف والجوع والتشريد، ولم تنكسر.

هو شعبٌ ينهض من أنقاض مدنه ليؤسس مشروع حكم مستقل، متحرر من التحالفات التقليدية، ويصوغ قراره من تحت الركام، لا من موائد التفاهمات.

ماذا تخشى تل أبيب؟

في ذاكرة الأمن الإسرائيلي، لا يأتي الخطر من كيان مستقر خاضع للتحالفات، بل من مشروع سياسي ناشئ، غير خاضع لخطوط التماس الدولية، وغير مألوف في توازنات الإقليم.

من هنا، فإنّ الخطر الحقيقي من وجهة نظر تل أبيب، هو قيام كيان مستقل في الجنوب السوري، يمثل الثورة السورية، ويتحرر من قيود النظام السابق ومن التبعية للنفوذ الإيراني أو الروسي، مشروع يتكئ على الشرعية الثورية، ويؤسس لرئاسة سورية جديدة بقيادة أحمد الشرع، تملك امتدادًا شعبيًا عابرًا للفصائل، ومشروعًا وطنيًا لا يُدار من الخارج.

ولعلّه ليس سرًا أنّ تل أبيب فضّلت طوال سنوات الحرب السورية أن يبقى النظام القديم، بكل ما يحمله من مآخذ، على أن يُستبدل بثورة لا يمكن السيطرة عليها، وهو ما ظهر جليًا في تسريبات عديدة لمسؤولين أمنيين إسرائيليين. وفي لحظة مفصلية عام 2013، عبّر مسؤول استخباراتي إسرائيلي عن هذه المقاربة بوضوح حين قال: "الأفضل التعامل مع النظام الذي نعرفه، من أن نتعامل مع قوى شعبية لا يمكن احتواؤها".

الخطر الحقيقي من وجهة نظر تل أبيب، هو قيام كيان مستقل في الجنوب السوري، يمثل الثورة السورية - غيتي
الخطر الحقيقي من وجهة نظر تل أبيب، هو قيام كيان مستقل في الجنوب السوري، يمثل الثورة السورية - غيتي

الشمال السوري: ولادة كيان لا يشبه ما عرفناه

منذ سنوات، تتابع إسرائيل بحذر بالغ ما يجري في شمال سوريا. فهناك، نما مشروع الثوار في سوريا، مدعومًا بقوى مجتمعية، وحاول تأسيس نموذج مختلف تمامًا عن كل ما شهده الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.

هناك، نشأت الرئاسة السورية الجديدة المتمثلة بأحمد الشرع، التي قطعت صلتها بالتنظيمات العابرة للحدود، وبدأت تطرح نفسها كسلطة محلية، تنظم الحياة، وتُدير المؤسسات، وتقاتل الإرهاب.

في ذاكرة الأمن الإسرائيلي، لا يأتي الخطر من كيان مستقر خاضع للتحالفات، بل من مشروع سياسي ناشئ، غير خاضع لخطوط التماس الدولية، وغير مألوف في توازنات الإقليم.

لكن إسرائيل، رغم اعترافها الضمني بضعف النظام القديم، لا تنظر بعين الرضى إلى هذا البديل. فهي ترى في أي حكم ناتج عن الثورة، خطرًا مزدوجًا: فهو أولًا لا يعترف بإسرائيل، وثانيًا، قد يمنح فصائل المقاومة الفلسطينية غطاءً سياسيًا وعمقًا جغرافيًا.

الجنوب السوري: عندما وصل الثوار إلى أسوار الجولان

في عام 2014، سيطر الثوار على معبر القنيطرة الحدودي، ووصلوا إلى تخوم الجولان. حينها، ساد قلق غير مسبوق في تل أبيب. فقد كان الجيش النظامي - على كل ما فيه - طرفًا معروفًا، يمكن لإسرائيل أن تُهدده وتردعه، أما الثوار فكانوا قوة جديدة لا تعترف بقواعد الاشتباك التقليدية.

حينها، أكدت تسريبات أميركية وغربية أن إسرائيل قدّمت مساعدات لفصائل جنوبية في درعا والقنيطرة، في محاولة لإنشاء "منطقة عازلة" غير رسمية، أو لضمان أن القوى المتمركزة قرب حدودها ليست معادية بالمطلق. لكن هذه السياسة لم تستمر طويلًا، خصوصًا بعد ظهور تنظيم الدولة في الجنوب، وتحوله إلى تهديد مباشر.

في الجنوب السوري، تنمو بذرةٌ لدولة لم تُعلن نفسها بعد، لكنها تُقلق إسرائيل حتى قبل أن تتنفس - غيتي
في الجنوب السوري، تنمو بذرةٌ لدولة لم تُعلن نفسها بعد، لكنها تُقلق إسرائيل حتى قبل أن تتنفس - غيتي

التغيير قادم.. لكن ليس كما تشتهي إسرائيل

مع صعود الرئاسة السورية الجديدة شمالًا، واتساع رقعة الحكم الذاتي تحت قيادة أحمد الشرع، بدأت التقديرات الإسرائيلية تتحدث عن "خطر متمدد"، لا يهدد إسرائيل عسكريًا في اللحظة الراهنة، بل سياسيًا واستراتيجيًا على المدى البعيد.

فهذا الكيان الجديد، لا يُبدي أي رغبة في التفاوض مع إسرائيل، ولا يُشبه أنظمة التطبيع التي اعتادت تل أبيب التعامل معها. إنه كيان ولد من وجع السوريين، ويحمل مشروعًا ثوريًا لا يُراعي التوازنات الإقليمية التي ترسمها واشنطن وتل أبيب والرياض وطهران.

وتدرك إسرائيل أن بقاء الوضع في الجولان "هادئًا" هو مكسبها الأهم خلال العقد الأخير. لكن في حال وُلدت سوريا جديدة، برئاسة مستقلة وشعبٍ لم ينسَ جولانه المحتل، فإن هذا الهدوء قد ينتهي.

وفي هذا السياق، كشفت تسريبات إسرائيلية بداية 2025 عن خطة لإقامة شريط أمني داخل الأراضي السورية بعمق 15 كيلومترًا، لمنع أي خطر قد ينجم عن تحركات عسكرية في حال توسّع نفوذ الرئاسة الجديدة جنوبًا.

وفي تصريحات نُسبت لمسؤولين إسرائيليين كبار، ورد ما يلي: "الغرب يتسرع في احتضان النظام الجديد في دمشق، لكننا نراه خطيرًا… إنه مشروع لا يمكن احتواؤه لاحقًا".

الخلاصة: ما يُقلق تل أبيب حقًا

ليست أنقرة من يُقلق صانع القرار الإسرائيلي، ولا حتى الفصائل الكردية أو النفوذ الإيراني، رغم أهميتهما. القلق الحقيقي في تل أبيب هو أن تنجح الثورة السورية أخيرًا في تأسيس كيان مستقل، غير تابع، غير خاضع، يُعيد تعريف العداء مع إسرائيل من جديد.

كيانٌ لا يُشبه الأنظمة التي تُحاذيها على الحدود منذ عقود، بل يُشبه شعبًا خرج من القبور ليكتب من جديد خارطة الشرق. وإن وُلد هذا الكيان، فستتغير قواعد الاشتباك في المنطقة كلها..

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي
تغطية خاصة