بينما تتغنى مؤتمرات واجتماعات الدول الإسلامية والزيارات المتبادلة بشعارات الأخوة والدعم المتبادل، يجد اللاجئ الأفغاني نفسه مطرودًا من أي "حضن مفترض"، من دون مأوى أو حماية أو حتى احترام لكرامته الإنسانية.
وتحت وطأة هذا الواقع المرير، يصف مسؤولون أفغان تعامل بعض الدول الإسلامية مع اللاجئين الأفغان بأنه "مؤلم ومثير للقلق"، مشيرين إلى تفاقم حالات الترحيل القسري والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بحق المهاجرين، لا سيما في إيران وباكستان.
خلفية سريعة واستدارة موقف
منذ عقود طويلة، ظل الشعب الأفغاني يعاني من ويلات الحروب والنزاعات السياسية والمآسي الإنسانية المتعاقبة. فمن الغزو السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي، إلى الحرب الأهلية، فالغزو الأميركي وسقوط طالبان ثم عودتها للسلطة في أغسطس/ آب 2021، لم يعرف الشعب الأفغاني طعم الاستقرار. كل مرحلة من تلك المراحل خلفت موجات نزوح داخلية وهجرة جماعية إلى دول الجوار، في مقدمتها باكستان وإيران.
اللافت أن باكستان وإيران، رغم تاريخهما في استضافة اللاجئين، وفي استدارة موقف صادمة، قررتا منذ أواخر 2023 اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الأفغان المقيمين على أراضيهما، سواء كانوا مسجلين رسميًا أو لا. وعليه فإن عمليات الترحيل والاعتقال والضغوط السياسية والاقتصادية باتت عنوان المرحلة الجديدة. والمحصلة: أزمة إنسانية متفاقمة، ومستقبل ضبابي لملايين البشر.
ترحيل جماعي بلا ضمانات إنسانية
منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بدأت الحكومة الباكستانية تنفيذ حملة مكثفة لترحيل اللاجئين الأفغان بحجة الإقامة غير القانونية. غير أن الوقائع الميدانية تكشف عن عمليات اعتقال جماعي تشمل حتى أولئك الذين يحملون أوراقًا صالحة أو ينتظرون البت في ملفات لجوئهم لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
بحسب تقارير وكالات رسمية، فقد تم ترحيل أكثر من 11,000 لاجئ في غضون أسبوع واحد فقط، من شهر أبريل/ نيسان 2025، ضمن موجة تعتبر من الأكبر في تاريخ العلاقة بين البلدين. الترحيل يتم غالبا دون إخطار مسبق، ودون مراعاة للوضع الإنساني للعائلات، حيث تم تفريق أطفال عن ذويهم، وترك العائدين في ظروف معيشية مزرية داخل أفغانستان.
وتقدر باكستان أن عدد اللاجئين الأفغان على أراضيها يصل إلى 3.7 مليون، منهم نحو 1.3 مليون فقط يحملون بطاقات تسجيل من المفوضية. والباقون، وغالبيتهم ممن فرّوا من أفغانستان بعد 2021، لا يملكون وضعًا قانونيًا واضحًا. تشير مصادر إعلامية باكستانية إلى أن أكثر من 600,000 لاجئ تم ترحيلهم منذ بدء الحملة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى مارس/ آذار 2024.
في المقابل، أصدرت حركة طالبان بيانًا تؤكد فيه أنها استقبلت حتى الآن أكثر من 5932 لاجئًا في مراكز خاصة أقيمت على الحدود، لكنها لم تقدم معلومات كافية عن كيفية إدماجهم، أو تأمين احتياجاتهم الأساسية. شهادات العائدين تفيد بأنهم تُركوا من دون مأوى أو مساعدة.
من جانبها، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها العميق من تسارع الترحيلات، وناشدت الحكومة الباكستانية وقف عمليات الطرد القسري. كما دعت المفوضية إلى احترام مبدأ "عدم الإعادة القسرية"، الذي يمنع إعادة أي لاجئ إلى بلد قد يواجه فيه خطرًا على حياته أو حريته.
منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية انضمت إلى النداءات، مؤكدة أن باكستان تنتهك التزاماتها الدولية. إلا أن تلك الإدانات ظلت دون ترجمة عملية على أرض الواقع، بل إن بعض الدول الغربية المتحالفة مع باكستان امتنعت عن إصدار مواقف حاسمة تجنبًا للتأثير على علاقاتها الاستراتيجية.
الدول الغربية التي كانت قبل سنوات تدعو لحماية الأفغان، صمتت اليوم. بعض الدول الأوروبية شددت قوانين اللجوء. والولايات المتحدة لم تفتح برامج إعادة توطين جديدة. والنتيجة: لاجئ عالق بين نارين.

العائدون بين واقع ضائع ووعود حكومية فلكية
الوضع داخل أفغانستان لا يبعث على الاطمئنان. فالعائدون يواجهون واقعًا قاسيًا من الفقر، وانعدام الأمن، وانهيار الخدمات العامة. البنية التحتية متضررة، الاقتصاد يكافح الشلل، والنظام الصحي هش. المدارس مغلقة في بعض المناطق، خاصة للفتيات، والبطالة تجاوزت حاجز 40%.
من جانبها، تقول السلطات المعنية في الحكومة الأفغانية، المسماة بإمارة أفغانستان الإسلامية، إنها أنشأت لجنة خاصة لمتابعة أوضاع اللاجئين العائدين، وخصصت مراكز استقبال ومساعدات أولية. لكن معظم تلك الإجراءات لا ترقى إلى مستوى الأزمة.
المساعدات محدودة، وحجم العودة في ذورته عمليات الترحيل يفوق الاستعدادات. كما أن العودة القسرية، خاصة للنساء والنشطاء السياسيين، تنطوي على خطر، في ظل مخاوفهم من الاعتقالات.
وتشير تقارير لمنظمة "إنقاذ الطفولة" إلى أن مئات الأطفال العائدين يعانون من أمراض سوء التغذية، واضطرابات نفسية بسبب التهجير القسري وفقدان الأمان.
إيران هي الأخرى تدق أجراس الترحيل
في موازاة الترحيل من باكستان، تتصاعد الضغوط على اللاجئين الأفغان في إيران أيضًا. وفقًا لتقارير حديثة، شنت السلطات الإيرانية خلال الأسابيع الماضية حملات واسعة لترحيل الأفغان من مختلف المدن، بما في ذلك طهران ومشهد وقم وأصفهان. وقد صرح المستشار في وزارة الداخلية الإيرانية، نادر ياراحمدي، بأن أكثر من 100 ألف لاجئ أفغاني أُخرجوا من البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط.
وتجري عملية الترحيل هذه، عبر نقاط حدودية مثل دوغارون، دون ضمانات إنسانية أو فرص للتظلم في الكثير من الأحيان كما تحدث لاجئون مرحلون إلى التلفزيون العربي، ألقي القبض عليهم أثناء العمل ورُحلوا دون إعطاء أي فرص لتصفية حساباتهم الحقوقية من أصحاب الأعمال.
وتحذر المنظمات الحقوقية من أن الكثير من اللاجئين في إيران يواجهون خطر الترحيل القسري، دون مراعاة لوضعهم السياسي أو الإنساني، خاصة النساء والفتيات، والذين لا يملكون وثائق رسمية.
ورغم أن إيران لا تزال تستضيف ملايين الأفغان، فإن أوضاعهم تزداد صعوبة في ظل تدهور الاقتصاد الإيراني، والعقوبات، والمشكلات الأمنية. كما تسجل منظمات أفغانية ارتفاعًا في الاعتقالات، وقيودًا على التعليم والعمل والتنقل.
الدول المضيفة تبرر
تبرر كل من إيران وباكستان، حملتهما في القيام بترحيل اللاجئين بأنها تستهدف فقط "المهاجرين غير الشرعيين"، وأنها لا تمس أولئك الذين لديهم وثائق. وتقول هذه الدول إنها تسعى لحماية أمنها القومي من الجماعات المسلحة التي تنشط عبر الحدود.
لكن محللين يرون أن الترحيل له خلفيات اقتصادية وسياسية، منها الضغط على المجتمع الدولي لزيادة المساعدات، والرد على توترات العلاقات مع الحكومة الأفغانية خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأفغانية الباكستانية الآخذة بالتوتر المتصاعد، وذلك يعني أن سوق المصالح المتبادلة تلعب دورا محوريا في أزمة اللاجئين، التي ينبغي أن تبقى إنسانية بحتة.

وحتى قبل حملات الترحيل، لم يكن وضع اللاجئين الأفغان في باكستان أفضل حالًا. يعيش معظمهم في أحياء مكتظة وفقيرة، ويعملون في مهن وضيعة وغير مستقرة، ويواجهون تمييزًا اجتماعيًا وقانونيًا. كثيرون منهم ولدوا في باكستان ولم يعرفوا غيرها وطنًا، ومع ذلك لم يحصلوا على أي حقوق مواطنة. وبحسب استطلاعات دولية، فإن 72% من اللاجئين الأفغان في كراتشي وبيشاور وكويته يشعرون بعدم الأمان ويخشون من الاعتقال أو الطرد المفاجئ.
ماذا بعد الترحيل؟
مع إغلاق الحدود أمام الهجرة، وغياب الإرادة الدولية لإعادة توطينهم في دول ثالثة، لم يتبق أمام اللاجئين إلا القبول بالترحيل أو الاختباء في باكستان. والعودة إلى أفغانستان بالنسبة للبعض منهم تعني المجازفة بالحياة، خاصة أولئك الذين عملوا في المؤسسات الأمنية والعسكرية في الحكومة السابقة.
تطالب المنظمات الإنسانية المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لوقف الترحيلات القسرية، وتمويل خطط استجابة إنسانية عاجلة للعائدين. كما تدعو إلى فتح ممرات قانونية للهجرة، أو منح اللاجئين إقامات مؤقتة إلى حين تحسن الأوضاع في بلدهم.
كما تحث جهات حقوقية باكستان على التراجع عن سياسات الطرد، والتعامل مع اللاجئين وفق المعايير الدولية. فالضغط على أفقر فئة من الناس لن يحلّ المشاكل الأمنية أو الاقتصادية.
في الخلاصة، اللاجئ الأفغاني اليوم ليس فقط ضحية الحرب في بلده، بل هو أيضا ضحية السياسات المتقلبة للدول المضيفة، وصمت العالم. يعيش حالة من التيه، لا يعرف إلى أين يذهب، أو كيف ينجو. وفي ظل غياب حلول عادلة، تتحول حياته إلى سلسلة لا تنتهي من التهديدات والشتات والخوف. والأزمة لا تتعلق فقط بالأرقام، بل بالبشر. بكرامة الإنسان، وبحقه في الأمان. وكل يوم تأخير في إيجاد حل، يعني مزيدا من الألم، والضياع، والمأساة.