في خضم تصاعد العمليات العسكرية وتعثر المبادرات الدبلوماسية على خطّ الحرب المتواصلة في أوكرانيا، أطلق الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مبادرة لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا.
وفيما بدا أنّ مبادرة زيلينسكي جاءت ردًا على دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهدنة عيد النصر، التي تشمل وقفًا كاملاً لإطلاق النار على طول خط الجبهة لمدة 3 أيام، قال الرئيس الأوكراني إنه يأمل أن تنجح في تخفيف معاناة المدنيين وتهيئة المناخ لبدء حوار سياسي.
غير أن الرد الروسي جاء سريعًا وحاسمًا، على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، رافضًا المقترح بشكله المطروح، ومشددًا على ضرورة احترام الواقع القائم على الأرض، وهو ما يعكس بالطبع التعقيدات العميقة التي تحكم المشهد الأوكراني.
فما هو جوهر مبادرة زيلنسكي، ولماذا يرفضها بوتين؟
جاءت مبادرة زيلينسكي في توقيت حساس، مع تصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على كييف، وهو أمر مشاهد وملحوظ، فضلاً عن إنحسار نسبي للحماس الغربي في دعم العمليات العسكرية في ضوء الموقف الأميركي الجديد. لذلك يبدو أن زيلينسكي يسعى إلى كسب نقاط دبلوماسية عبر تصويره بلاده كطرف يسعى للسلام. كما أن هدنة قصيرة ستوفر كذلك فرصة حيوية لإعادة ترتيب القوات الأوكرانية المنهكة واستيعاب الدعم العسكري الجديد المحتمل في حال تبنيها.
في المقابل، يرى الكرملين، ويفهم، أن هذه المبادرة ما هي إلا محاولة تكتيكية، أكثر من كونها بادرة سلام حقيقية. ولذلك أصر بيسكوف في تصريحاته على استخدام عبارات "يجب أن تراعي أي هدنة مطروحة الواقع الجديد على الأرض"، في إشارة مفهومة بالطبع إلى المناطق الأوكرانية التي أصبحت تحت السيطرة الروسية.
وتخشى موسكو من أن يمنح أي توقف للقتال فرصة لكييف لإعادة بناء قواتها والاستعداد جيدًا لمراحل قادمة من الحرب، يبدو أنه لا مفر منها.
إذًا ما هي آفاق المرحلة المقبلة؟
من الناحية العملية، يبدو أن فرص قبول هدنة حقيقية بين الطرفين ضعيفة في المرحلة الراهنة، فالمواقف المتباعدة، سواء ميدانيًا أو سياسيًا، تجعل في غاية الصعوبة تصور حل مؤقت أو دائم قبل تحقيق اختراق نوعي على الأرض - لأي من الطرفين-.
فضلاً عن ذلك، من المفهوم أن كييف سوف تواصل تحركاتها الدبلوماسية لحشد مزيد من الدعم الدولي، بينما ستسعى موسكو لتعزيز علاقاتها مع دول من خارج الغرب التقليدي، خصوصًا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي بالطبع تهدف من وراء ذلك إلى تثبيت مكاسبها وتوسيع نفوذها.
ونستنتج من ذلك:
أن الرفض الروسي لمبادرة هدنة الثلاثين يومًا غير المشروطة يعكس حرص موسكو على الاستمرار في تحقيق أهدافها الاستراتيجية دون تقديم تنازلات مجانية.
أما أوكرانيا زيلينسكي، فهي تراهن، على صمودها الداخلي بشرط استمرار الدعم الغربي.
وبين الرهانات العسكرية والمناورات السياسية، يبقى المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، في نزاع أصبح، بلا شك، عنوانًا لعصر جديد من صراعات الإرادة والنفوذ على الساحة الدولية.