لم يسبق أن مرّ بحزب الله ما يمرّ به اليوم من انكسار وضعف، جرّاء الضربات القاسية التي تلقّاها من إسرائيل خلال عدوانها الأخير على لبنان.
ثمّة وجهة نظر تقول، إن ما تعرّض له الحزب لم يكن السبب في ضعفه بل كشف عن هذا الضعف، وهو ما عبّر عنه بشكل صريح القيادي في حزب الله نوّاف الموسوي الذي أقرّ -بشكل غير معهود- بأنّ ما حققته إسرائيل في عدوانها لم يأتِ نتيجة لذكاء ودهاء الجيش الإسرائيلي، بل كان "قصورًا وتقصيرًا" من الحزب نفسه، وهو كلام تسبّب بردود فعل غاضبة داخل بيئة حزب الله التي لم تعتد هذا الشكل من المراجعة، وهي التي لطالما رفعت شعار "نحن قوم لا نُهزم".
سواء كان قصورًا أو تفوّقًا إسرائيليًا، فإنه مهّد الطريق لسلسلة من الإنجازات الإسرائيلية والإخفاقات من جانب حزب الله، بدأت في تنفيذ عملية "تفخيخ" أجهزة البيجر واللاسلكي التي "خلخلت" معنويات الحزب، لتتوالى بعدها الضربات وتطال معظم قيادات الصف الأول والثاني، وتأتي الضربة القاصمة باغتيال الأمين العام حسن نصر الله.
حزب الله ما بعد نصر الله
خلال مسيرة امتدت لأكثر من أربعة عقود، خاض حزب الله مواجهات كثيرة مع إسرائيل، كان أبرزها في يوليو/ تموز 1993، و"عناقيد الغضب" أبريل/ نيسان 1996، ليشكل العدوان الإسرائيلي في يوليو 2006 ذروة هذه الحروب. جميع هذه المواجهات كان أمين عام حزب الله السابق ينجح في تظهيرها كانتصارات بعدما أقنع جمهوره بأن "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت".
اليوم، رحل حسن نصر الله، الذي نجح بنقل الحزب من فصيل عسكري "مقاوم" يواجه إسرائيل بأسلحة وأساليب بدائية في الثمانينيات والتسعينيات، إلى حزب يملك ترسانة من الصواريخ الدقيقة، وطائرات مسيّرة، وجيشًا محترفًا لا تقتصر حروبه على الجبهة اللبنانية، بل يلعب أدوارًا عابرة للحدود، كان أبرزها مساندة نظام بشار الأسد في قمع ثورة شعبه.
لذلك، يواجه الحزب اليوم تحدي التعايش مع الواقع الجديد، والأهم، صياغة رؤية تتناسب مع هذا الواقع. قد يكون من مؤشرات هذا التحولّ ما تمّت ترجمته سريعًا في أداء الحزب في الداخل اللبناني بعيد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل. فملف انتخاب رئيس للجمهورية الذي بقي معلّقاً قرابة عامين بسبب تمسك الحزب بترشيح حليفه سليمان فرنجية، وجد طريقه للحل بقبول انتخاب قائد الجيش جوزيف عون. والتوافق على اسم نوّاف سلام حصل خلال ساعات، بعدما عارضه الحزب منذ عام 2019.
"انحناءة" في الملف الداخلي
هذه الانحناءة التي قام بها الحزب في الملف الداخلي، تزامنت مع لملمة ما خلّفه العدوان، في ظل استمرار إسرائيل بشن غاراتها واستهداف مقار ومخازن للحزب واغتيال أفراد من صفوفه.
انحناءة حزب الله في الملف اللبناني يقرأها البعض رؤية جديدة، تتماهى مع رؤية رئيس الجمهورية جوزيف عون التي عبّر عنها في كلمته أمام القمة العربية الطارئة في القاهرة، حين اعتبر أن "لبنان يجب أن يكون وطن لقاء لا ساحة صراع"، وأنه يجب "أن لا يسمح لبعض مواطنيه بالاستقواء بدول خارجية حتى ولو كان هذا الخارج صديقًا أو شقيقًا"، وأن "البعد العربي للقضية الفلسطينية يفرض أن تكون بلداننا العربية قوية باستقرارها وهو الطريق الأفضل لنصرة فلسطين".
لكنّ مراقبين آخرين يستبعدون نجاح حزب الله بصياغة رؤية جديدة. فالحزب -حسب هؤلاء- منتج إيراني، وذراع لطهران في المنطقة، وأبرز أركان "محور المقاومة" الذي يديره "المرشد". ويعتبر هؤلاء أن مهادنة حزب الله داخليًا ليست بالضرورة أن تكون نتيجة نهج جديد، فقد تكون خيار المضطر ريثما يستكمل إعادة ترتيب بيته الداخلي، ولملمة جراحه، ويشكل قيادة جديدة، ويستكين بانتظار توفر ظروف تسمح له باستعادة الدور الذي كان يقوم به قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان.
المشكلة أن أحدًا لا يستطيع التنبؤ بخطوات حزب الله المستقبلية، في ظل عدم معرفة حقيقة وضعه الداخلي، لاسيما على مستوى القيادة، وغياب أمينه العام التاريخي حسن نصرالله الذي كان يمسك بالخيوط الأساسية لحزب الله ولمحور المقاومة في المنطقة العربية، ويتقن الموازنة بين تأمين مصلحة هذا المحور مع مراعاة الواقع اللبناني الطائفي الدقيق.