في يوم خريفي من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، خرج حامل راية اليمين القومي التركي وألدّ خصوم اليسار السياسي الكردي، زعيم حزب الحركة القومية دولت بهشلي، بدعوةٍ هزّت المشهد السياسي في البلاد.
كلمات قليلة طوت عقودًا طويلة من العداء وجّهها بهشلي إلى زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان كان مضمونها، إلقاء السلاح مقابل الإفراج عنه، ومغادرة جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة، حيث يقضي أوجلان حكمًا قضائيًا بالسجن مدى الحياة.
أكثر العارفين بدهاليز السياسة التركية، لم يكن ليتوقع أن تصدر مثل هكذا دعوة من بهشلي في يوم من الأيام، وهو الذي لطالما نادى بضرورة حظر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي بأسمائه السابقة المتعددة، والممثل تحت قبة البرلمان، بدعوى أن الحزب يمثل الجناح السياسي لتنظيم حزب العمال الكردستاني.
لكنّ الرجل فعلها ورمى الكرة في ملعب التنظيم الذي فوجئ أنصاره بهذه المراجعة السياسية أيضًا.
نداء بهشلي للسلام مع حزب العمال الكردستاني
من المؤكد أن نداء بهشلي للسلام مع حزب العمال الكردستاني آنذاك جاء في سياق المشاورات والتنسيق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يبدو أنه أفسح المجال هذه المرة لحليفه من أجل أن يتبنى هذا التغيير السياسي المفاجئ.
فخروج مثل هكذا تسوية سياسية من رجل ناصب المسلحين الأكراد العداء منذ توليه رئاسة حزبه ذي التوجه القومي عام 1997 سيكون له وقع آخر على مستقبل الحياة السياسية التركية.
ربما أراد دولت بهشلي البالغ من العمر 77 عامًا والغائب عن المشهد الآن بسبب المرض أن يغادر عالم السياسة من بابه الواسع وأن يختتم حياته بأهم منعطف سياسي سيذكره التاريخ، وسيؤثر من دون أدنى شك على مستقبل البلاد بمستويات عدة، قد يكون أبرزها النسيج المجتمعي ووضع حد لعقود طويلة من نزيف الدماء.
ولعلّ إشارة أوجلان في رسالته التاريخية، إلى أنّ دعوته لإلقاء السلاح جاءت استجابة لدعوة بهشلي بدت لافتة ومعبّرة، إشارة تركت انطباعًا لدى الأتراك بأنّ عدوّي الأمس، إن صح التعبير، قد يصبحان صانعَي السلام اليوم، فقد علّمتنا السياسة التركية بشواهدها الكثيرة أن كل شيء ممكن إلى درجة أن يلتقي اليمين واليسار حول دعوة واحدة..