يعتبر الروهينغيا إحدى أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم، وفق تقارير الأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الإنسان.
يعود أصلهم إلى مزيج من السكان المحليين والتجار المسلمين الذين استقروا في منطقة أراكان منذ القرن الخامس عشر الميلادي، لكن السلطات البورمية عمدت إلى تشويه هذا التاريخ، مدعية أن الروهينغيا مهاجرون بنغاليون حديثو العهد.
في عام 1982، أصدرت الحكومة البورمية قانونًا جديدًا للمواطنة لم يعترف بالروهينغيا كواحدة من القوميات الأصلية، وهو ما أدى إلى حرمانهم من الجنسية، رغم أن عددهم آنذاك كان يزيد عن مليون نسمة. ومنذ ذلك الحين، بدأت سياسات التمييز التي تجذرت في كل مفاصل الحياة: التعليم، والرعاية الصحية، وحرية التنقل، والزواج، والتملك.
المواطنة الممنوعة: حين يسلب الإنسان اسمه وحقه
وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2018، يُمنع الروهينغيا من الحصول على بطاقات هوية وطنية، ويُجبرون بدلًا من ذلك على حمل بطاقات إثبات مؤقتة لا تُخوّلهم التمتع بأي من الحقوق المدنية. وتُعد ميانمار من الدول القليلة في العالم التي توجد فيها فئة بشرية كبيرة تعيش بلا جنسية رغم كونها من السكان الأصليين.
نتائج هذا الحرمان كارثية: فوفق تقارير الأمم المتحدة، فإن ما يزيد عن 80% من الأطفال الروهينغيا في الداخل لا يتلقون تعليمًا رسميًا، ويُمنع الآباء من تسجيل مواليدهم، مما يُرسخ دائرة انعدام الجنسية. كما تُفرض قيود صارمة على تحركاتهم، ويُجبر الكثير منهم على العمل في ظروف استعباد حديث.
من أراكان إلى التيه: رحلة نزوح ولجوء لا تنتهي
لا تزال عملية النزوح الداخلي، واللجوء إلى البلدان المجاورة مستمرة، وتأخذ حدة متصاعدة مع تصاعد العنف، واشتداد المعارك بين الأطراف المتصارعة بينها فينة، وبين تلك الأطراف والمجموعات الروهينغية المسلحة القليلة عددا وعدة فينة أخرى.
وقد بلغت عمليات النزوح ذروتها في أغسطس/ آب 2017، عندما شن جيش ميانمار حملة عسكرية وصفتها الأمم المتحدة بـ"الممنهجة"، شملت إحراق مئات القرى، وارتكاب مذابح وعمليات اغتصاب جماعي. وفي غضون أشهر، فرّ أكثر من 740 ألف روهينغي إلى بنغلادش، لينضموا إلى مئات الآلاف الذين سبقوهم في موجات نزوح متكررة.
يعيش الآن قرابة مليون لاجئ في مخيمات كوكس بازار، والتي تُعد الأكبر في العالم من حيث الكثافة السكانية. ورغم جهود الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، لا تزال تلك المخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة الكريمة: من مياه نظيفة، وصرف صحي، وتعليم، وأمن.

الحرب الأهلية في ميانمار: الروهينغيا بين المطرقة والسندان
منذ انقلاب 1 فبراير/ شباط 2021، غرقت ميانمار في حرب أهلية دامية بين المجلس العسكري الحاكم وتحالفات من جماعات مسلحة. إلا أن الروهينغيا ظلوا هدفًا ثابتًا للقمع، بل وتدهورت أوضاعهم أكثر.
في هذا السياق، تشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة في 2023 إلى أن بعض المناطق في شمال ولاية راخين شهدت أعمال عنف جديدة ضد من تبقى من الروهينغيا، حيث أُجبر كثيرون على الانخراط في نزوح داخلي قسري، بينما جرى اعتقال الآلاف بذريعة التعاون مع جماعات معارضة.
وتفيد منظمات محلية بأن جيش ميانمار استخدم الروهينغيا دروعًا بشرية في اشتباكاته مع خصومها في ولاية أراكان.
اللجوء والشتات: حياة على هامش الإنسانية
بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، تجاوز عدد الروهينغيا خارج ميانمار 1.5 مليون لاجئ حتى بداية 2024. يعيش نحو 960 ألفًا منهم في بنغلادش، بينما انتشر الباقون في ماليزيا، والهند، وتايلاند، وإندونيسيا.
ورغم تنوّع أماكن اللجوء، فإن القاسم المشترك هو التهميش والإقصاء. ففي ماليزيا، مثلًا، يعيش الروهينغيا من دون وضع قانوني واضح، ولا يحق لهم العمل رسميًا.
وفي الهند، اعتقلت السلطات أكثر من 300 منهم في السنوات الأخيرة بتهمة الإقامة غير الشرعية، وتم ترحيل البعض قسرًا إلى ميانمار. أما في تايلاند، فقد تعرض كثيرون للاحتجاز في مراكز مغلقة لأشهر وربما لسنوات.
أزمة الغذاء والدواء: مجاعة صامتة في مخيمات لاجئين
تواجه مخيمات كوكس بازار أزمة تمويل خانقة. خُفضت المساعدات الغذائية عام 2023 من 12 دولارًا شهريًا لكل فرد إلى 8 دولارات فقط، وهو ما يعادل أقل من 30 سنتًا يوميًا.
هذا التخفيض دفع الأسر إلى تقليص الوجبات والاعتماد على غذاء منخفض الجودة، حسب لاجئين ونشطاء روهينغيا تحدثوا إلى التلفزين العربي.
وبحسب اليونيسف، يعاني أكثر من 40% من أطفال الروهينغيا في المخيمات من سوء تغذية حاد، فيما يفتقر نحو 70% من سكان المخيمات للرعاية الطبية الأساسية.
وقد أدّى هذا الوضع إلى تفشي أمراض كالحصبة، والإسهال، والكوليرا، خصوصًا خلال موسم الأمطار.

صرخات منسية ومستقبل مجهول
رغم وصف الأمم المتحدة لما حدث في عام 2017 بأنه "نموذج كلاسيكي للإبادة الجماعية"، فإن الرد الدولي ظل خجولًا. لم تُفرض عقوبات جادّة على قادة الجيش، ولم تُنشأ محكمة دولية خاصة للنظر في الانتهاكات.
في عام 2019، رفعت غامبيا دعوى قضائية باسم منظمة التعاون الإسلامي إلى محكمة العدل الدولية، وما تزال القضية قيد النظر. وفي 2022، أصدرت المحكمة قرارًا أوليًا يسمح باستمرار القضية، لكنها لم تُصدر حكمًا نهائيًا بعد.
حتى اليوم، لا توجد خطة دولية واضحة لعودة الروهينغيا إلى ديارهم. حكومة بنغلادش أعلنت مرارًا أنها لا تستطيع تحمّل أعباء اللاجئين إلى ما لا نهاية، بينما ترفض حكومة ميانمار الاعتراف بمسؤوليتها عن الأزمة أو منح الروهينغيا الجنسية.
يبدو أن الحل يكمن في ضغط دولي حقيقي يُمارس على المجلس العسكري في ميانمار، يوازيه دعم إنساني قوي للاجئين، وخطة متكاملة لإعادة توطينهم بكرامة. وحتى يتحقق ذلك، يظل الروهينغيا في انتظار العدالة، والمستقبل، والحياة.
ومع كل هذا الظلم، يبقى الروهينغيا رمزًا لصمود الإنسان، وتذكيرًا دائمًا بأن الصمت أمام الإبادة هو خيانة للإنسانية بأسرها.