تواجه منطقة جنوب شرق آسيا تحولات اقتصادية كبرى، مدفوعة بالعولمة والتطور التكنولوجي والتحديات البيئية.
في هذا السياق، تتولى ماليزيا رئاسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لعام 2025، مما يمنحها فرصة ذهبية لتشكيل مستقبل التكامل الاقتصادي في المنطقة.
ومن خلال استضافتها للاجتماع الوزاري الاقتصادي الواحد والثلاثين للآسيان في ولاية جوهور، تبرز ماليزيا كلاعب رئيسي في تعزيز التعاون الإقليمي ودفع أجندة الاستدامة والتنمية الاقتصادية.
التكامل الاقتصادي: التحديات والفرص
نجحت الآسيان في أن تقدم نموذجًا ناجحًا للتكامل الاقتصادي، حيث أسست منطقة تجارة حرة متقدمة وعززت التعاون في مجالات اقتصادية متعددة بين الدول الأعضاء.
ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، خصوصًا مع تصاعد التوجهات العالمية نحو وضع قيود على حركة التجارة، وخصوصًا ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من فرض تعريفات جمركية على بعض الدول، في ظلّ تخوفات حقيقية من أن يمتد هذا القرار ليشمل دولا جديدة، ولذلك تتحضر الآسيان لحماية نفسها من التأثيرات المحتملة لمثل هذه القرارات في حال اتخذت.
وتسعى ماليزيا من خلال قيادتها للآسيان، إلى تجاوز هذه التحديات عبر تحديث اتفاقية تجارة السلع، متطلعة إلى إزالة الحواجز التجارية وتسهيل حركة السلع بين الدول الأعضاء.
كما تدفع ماليزيا نحو تسريع اتفاقية الاقتصاد الرقمي للآسيان، والتي ستمهد الطريق لتكامل الأسواق الرقمية وتعزيز التجارة الإلكترونية.
ومن الجدير بالذكر أن التكامل الاقتصادي المنشود بين دول الآسيان لا يقتصر على الجوانب التجارية فقط؛ بل يمتد ليشمل الاستثمارات والتعاون في القطاعات الاستراتيجية. وهنا تبرز مبادرات ماليزيا لجذب الاستثمارات وتعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول خارج المنطقة، ما قد يمنح الآسيان ميزة تنافسية في الاقتصاد العالمي.
التحول الرقمي قاطرة للنمو
في ظل الطفرة التكنولوجية غير المسبوقة، أصبح التحول الرقمي حجر الأساس للنمو الاقتصادي. وتركز ماليزيا من خلال رئاستها للآسيان على تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز الابتكار التكنولوجي، بما يشمل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء.
إن تسريع اتفاقية الاقتصاد الرقمي للآسيان ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو قرار استراتيجي من شأنه تعزيز الشمول المالي وخلق فرص عمل جديدة، ومحاولة للحاق بركب التطور التكنولوجي العالمي المتسارع.
فالاقتصاد الرقمي يُعد من أسرع القطاعات نموًا في المنطقة، ومن المتوقع أن يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي لدول الآسيان خلال العقد المقبل.
الاستدامة عنصر أساس في قلب الأجندة الاقتصادية
مع تزايد الاهتمام العالمي بالتغير المناخي، تأخذ ماليزيا زمام المبادرة - مدفوعة برغبة الوصول إلى أسواق أكبر - في دمج الاستدامة في خطط التكامل الاقتصادي للآسيان.
فتطوير سياسات صديقة للبيئة، ودعم اقتصاد التدوير، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، كلها عوامل تجعل من الآسيان نموذجًا رائدًا في التنمية المستدامة.
ويعكس شعار الآسيان لهذا العام "الشمولية والاستدامة" والذي تبنته ماليزيا خلال رئاستها للآسيان التزامها بالتنمية العادلة والمتوازنة، حيث لا يُترك أي قطاع اقتصادي أو دولة عضو خلف الركب. فالتنمية الاقتصادية ينبغي أن تكون متماشية مع حماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
دور ماليزيا في تشكيل مستقبل الآسيان
تنظر ماليزيا من خلال قيادتها للآسيان إلى الفرص الممكنة لإثبات ريادتها الإقليمية، ليس فقط من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي، ولكن أيضًا عبر قيادة الجهود نحو اقتصاد رقمي أكثر تقدمًا، ومستقبل مستدام.
إن نجاح ماليزيا في تحقيق هذه الرؤية سيعزز مكانتها كمحور اقتصادي أكثر فاعلية في جنوب شرق آسيا، كما وسيكون له انعكاساته الإيجابية على مجموعة الآسيان ككل، لتضعها في مكانة اقتصادية أكثر تكاملًا وقدرة على المنافسة عالميًا.
وفي ظل التحديات العالمية والإقليمية، تعمل ماليزيا على الصعد كافة من أجل توجيه الآسيان نحو استراتيجيات أكثر مرونة واستدامة لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين أعضاء المجموعة ولجذب شركاء خارجيين قادرين على خلق فرص أكثر اندماجًا في الاقتصاد العالمي وفتح آفاق جديدة لأعضاء المجموعة بما يحقق التوسع المطلوب في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار.
