السبت 21 حزيران / يونيو 2025

مسلسل "تحت سابع أرض".. ثنائية القوة والمال بين الدراما والواقع

مسلسل "تحت سابع أرض".. ثنائية القوة والمال بين الدراما والواقع

Changed

شارك القصة

تدور قصة مسلسل "تحت سابع أرض" حول ثنائية القوة والمال، والسلطة والمال
تدور قصة مسلسل "تحت سابع أرض" حول ثنائية القوة والمال، والسلطة والمال
الخط
قد يكون مسلسل "تحت سابع أرض" بداية لتصالح جمهور الثورة مع الدراما السورية، بعدما فقدت جاذبيتها في أعين الكثير من السوريين خلال سنوات الثورة لأسباب كثيرة.

قد يكون مسلسل "تحت سابع أرض"، واحدًا من أكثر المسلسلات التي كسبت شهرة واسعة في الموسم الرمضاني لهذا العام، في العالم العربي ككلّ، وليس في سوريا فحسب، ولا سيما بعدما تحوّل إلى "ترند" على منصّات التواصل الاجتماعي.

ولعلّ أكثر ما يميّز "تحت سابع أرض" في هذا الإطار، وما أسهم في تفوّقه، يتمثّل في قصّته وأحداثها، وفرصة تصويره في المكان نفسه الذي تدور فيه الأحداث، أي في العاصمة دمشق، خلافًا لما كان عليه الحال في الكثير من المسلسلات السورية في الفترة الأخيرة، التي كانت تصوَّر في دول الجوار من دون الإشارة إلى ذلك، وإيهام المشاهد أنها تدور في سوريا.

وربما هذا ما أعطى مسلسل "تحت سابع أرض" تحديدًا، أهمية في جذب المشاهد، ولا سيما أنه تزامن مع فترة تفجر الشوق إلى دمشق عقب تحريرها من النظام السابق من قبل طيف واسع من الشعب السوري، وهذا ما أكسب المسلسل مشاهدات عالية.

ولا مبالغة في القول إن هذا المسلسل قد يكون بداية لتصالح جمهور الثورة مع الدراما السورية، بعدما فقدت جاذبيتها في أعين الكثير من السوريين خلال سنوات الثورة لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن. فما هي أهمّ الانطباعات حول هذا المسلسل، وكيف يمكن فهم رمزيّته؟

"تحت سابع أرض".. انطباعات شخصيّة

تدور قصة مسلسل "تحت سابع أرض" حول ثنائية القوة والمال، والسلطة والمال، ولعلّ عنوانه يحمل بحدّ ذاته معاني كثيرة، قد يكون من أهمها سقوط مكانة سوريا تحت سابع أرض في تراجعها وتأخرها عن التطور الحضري والرقمي والاجتماعي الذي أصاب العالم خلال عقد ونصف تقريبًا، فبدل أن تحافظ على الأقل على مكانها من دون أن تحرز أي تقدم، تراجعت إلى مستويات متأخرة كثيرًا.

ومن القصة إلى الشخصيات، حيث تبرز شخصية الضابط موسى الناجي (يلعب دوره تيم حسن)، وهي شخصية مركّبة تحمل أكثر من رمزية، فهي الرافع الأساسي للمسلسل، وقد يفهمها المشاهد أنها شخصية الضابط الذي اضطر إلى التخلي عن قيمه وأعرافه الاجتماعية من أجل الوصول إلى القوة أو المال.

لكنّ موسى يمثّل في الوقت نفسه، الدولة التي فسدت بسبب الضغوط والظروف المحيطة، وليس المقصود بالدولة هنا النظام، بقدر ما هو مقصود مؤسساتها بعيدًا عن الشخصيات، الدولة التي أصابتها شظايا الحرب في رأسها وفي مركز حساس، تهدد حياتها بالعمى كما هو حال موسى الضابط الذي تمركزت شظية في مركزه البصري في الرأس.

تبرز شخصية الضابط موسى الناجي (يلعب دوره تيم حسن)، وهي شخصية مركّبة تحمل أكثر من رمزية
تبرز شخصية الضابط موسى الناجي (يلعب دوره تيم حسن)، وهي شخصية مركّبة تحمل أكثر من رمزية

موسى وبلقيس.. هل من رمزية دينية؟

توظيف الرمزية الدينية في المسلسل ربما زاد في جذب المشاهد من دون أن يدري وحمله على التعاطف مع شخصية موسى رغم أن المشاهد يدرك خطيئة الضابط، فاسم الضابط موسى الناجي، يمكن قراءته من خلال قصص النبي موسى التي وردت في القرآن الكريم، وكيف كانت تتعقد حياته حتى تكاد تنتهي فيأتيه الفرج من الله وينجيه من كرب عظيم، فكان دائمًا الناجي من كيد فرعون واليهود. لكنّ الكاتب نقل موسى من شخصية مستضعفة إلى شخصية أشبه بفرعون، فقد بطش بالكثير ممن حوله ووثق به.

كما أنّ علاقة موسى مع بلقيس (تلعب دورها كاريس بشار) وزواجه منها كانت نتاج المصلحة الاقتصادية وعاطفة الاعجاب، وهذا ما حصل في قصة النبي سليمان مع ملكة اليمن بلقيس، إذ تتحدث بعض الروايات عن زواج سليمان ببلقيس بعد اعجابه بها حينما وصلته بلقيس مستجيبة لدعوته لها إلى الايمان بالله، وبهذا الزواج سيطر النبي سليمان على بقعة واسعة من الأرض حتى أصبح لديه ملك لم يعطِه الله لأحد قبل سليمان.

وهذا ما حصل مع موسى في المسلسل بعد زواجه من بلقيس أيضً، إذ انتقل إلى مستويات مالية جديدة وسيطر على شركة المال المسماة بالإمبراطورية.

وتسري الرمزية الدينية على علاقة موسى بأخته وكيف استطاعت أخته أن تكون لاعبًا مهمًا في إنقاذه من السجن، وكأنها أشبه بقصة أخت النبي موسى، وكذلك على علاقة موسى بأخيه زين، وكيف كان يعتمد عليه في بعض مفاصل أحداث المسلسل، إذ كانت أشبه ببعض ما وردنا عن علاقة النبي موسى بأخيه هارون عليهما السلام.

شخصيات "تحت سابع أرض".. رمزيو ودلالات

وبالحديث عن الشخصيات الأخرى في "تحت سابع أرض"، يبرز الضابط فجر، الذي قد يحمل اسمه بحدّ ذاته، رمزية أخرى، بما يؤشّر إليه من وجود ليل وظلام قبل مجيئه، وهنا قد نتنبأ بعودة فجر مرة أخرى ليضيء على مساحات جديدة في نهاية المسلسل.

كذلك، يبرز دكتور الجامعة عماد، حيث من المفترض أن يكون عماد لبنة في بناء اقتصاد البلد لما يمثله من الجامعة والبنك المركزي ووزارة المالية، لكنه على عكس اسمه يخفي خلف نضارته الكثير من الفساد وانهدام قيم الدولة.

لعلّ أكثر ما يميّز "تحت سابع أرض"، وما أسهم في تفوّقه، يتمثّل في قصّته وأحداثها، وفرصة تصويره في المكان نفسه الذي تدور فيه الأحداث، أي في العاصمة دمشق، خلافًا لما كان عليه الحال في الكثير من المسلسلات السورية في الفترة الأخيرة، التي كانت تصوَّر في دول الجوار من دون الإشارة إلى ذلك

أما الخانم دلال (تجسد دورها منى واصف)، فتمثل دور المرأة الناعم في الحياة وكيف تتسبب في مصائب حينما تتدخل في التعاملات اليومية للدولة إذا لم تكن تمسك بأدوات نظيفة. وتستخدم الخانم الأطفال وتتركهم بالشارع من أجل أن تسيطر على مفاصل الدولة باداوت غير مكلفة، رغم أنها تظهر حنانها على الأطفال الذين يموتون كجزء من عاطفة المرأة، لكن لا ننسى أن الشخصية ترتدي الذهب وتعيش في باص مهجور، وقد تكون هي المتحكم بسوق المال وبعقلية أكاديمية مثل عماد.

وللأطفال قصّتهم في المسلسل، في ضوء المشهد المؤلم الذي يظهّره، على مستوى دخول الأطفال في سوقي العمالة وارتكابهم الجرائم، ولو أنّه في مكان ما أصبح واقعًا في سوريا، يتعامل معه الجميع على أنه مشهد طبيعي. وهنا يبرز الطفل أدهم يد العجان في البطش، طفل لم يتجاوز عمره 16 عامًا، وكذلك أطفال الخانم المنتشرون في الشوارع وعلى إشارات المرور، بعيدًا عن التعليم، والذين يُعَدّون أداة للتسول ولارتكاب الجرائم.

علاقة موسى مع بلقيس وزواجه منها كانت نتاج المصلحة الاقتصادية وعاطفة الاعجاب
علاقة موسى مع بلقيس وزواجه منها كانت نتاج المصلحة الاقتصادية وعاطفة الاعجاب

الدولار ومؤسسات الدولة.. إسقاط على الواقع؟

الدولار أداة مهمة في المسلسل، وربما لا تقلّ أهمية عن دور موسى الناجي، وقضية تزويره ومعاملاته وتقاطع المصالح من أجل الوصول إليه وخيانة الشخصيات لبعضها من أجل ذلك، حيث يمثل جزئية المال وأهميته في حياة المجتمع السوري وكم أصبحت هدفًا من أجله يعيش الناس.

كما أنّ مشهد سيطرة العملة الأجنبية على السوق وعدم وجود أهمية للعملة السورية يدلّ على سوء الحالة الاجتماعية وانهيار القيم الأخلاقية في طريق الوصول إلى الدولار، فعلى طريق الحصول على الدولار انعدم الشرف والأخلاق وانتهت الجامعة، وتم اغتيال شخصيات وطنية شريفة، وقد يمثل الدولار الإدارة الأميركية وكيف أن نسج العلاقة معها يتسبب بالتخلي عن الكثير من القيم والأخلاق سواء على مستوى افراد أو مستوى مؤسسات وسلطات حاكمة.

إلى ذلك، يقدّم المسلسل العلاقة داخل مؤسسات الدولة، سواء على مستوى عال من الضباط أو الأفراد، على أنّها كانت مبنية على التجسس والتخابر والتنافس من أجل مصالح شخصية، كما يصوّر المجتمع فاسدًا ببناء تفاصيله الحياتيه على أساس التخابر غير المشروع، وهنا تبرز أيضًا شخصية فؤاد التي تمثّل ظاهرة مجتمعية وليس فردية.

قد تكون كلّ هذه التفاصيل، مجرّد خيوط تعطينا صورة المجتمع وتدنيه إلى "سابع أرض"، ولعلّ المسلسل نجح بهذا المعنى في استخدام الرمزية، حتى إنّ شراء موسى للساعة كان دلالة على انتقاله إلى حالة الترف المادي، ونزع الدكتور عماد للساعة من موسى كانت إشارة إلى إخراجه من حالة الترف والغنى والعودة به إلى الوراء.

نجح المسلسل أيضًا في الالتفاف على الرقيب المفترض في زمن النظام السابق، وكذلك أورد تفاصيل ربما تخدم الرواية الرسمية لذلك النظام، عن وجود ضباط شرفاء وغير فاسدين، وعن تحكم امرأة بمفاصل اقتصاد البلد في الوقت الذي تقدم فيه نفسها أنها راعية لدور الايتام، وكذلك إصابة النظام برأسه وقد أصبح مهدَّدًا بالعمى، ودخول الفساد إلى المؤسسات التعليمية.

* هذه قراءة لمسلسل "تحت سابع أرض" بعيدًا عن الخوض في الأخطاء الفنية أو الذهاب إلى نقد تخصصي، كوني لست متخصّصًا في القراءة النقدية للدراما.

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي
المزيد من