الإيرانيون مشتاقون للكلام. أسئلة كثيرة تدور في رؤوسهم، تواقون للحصول على إجابات عليها ومصرون على التعبير عن آرائهم، هذا ما أثبتته الغرف "الفارسية" على "كلوب هاوس" في الأسبوعين الأخيرين من مارس/آذار المنصرم.
شرعنة وسائل التواصل الاجتماعي للشعبوية ومأسستُها بالنسبة للإيرانيين فرصة ولو إلى حين. فرياح "حرية التعبير" على شبكات التواصل الاجتماعي لا تجري دائمًا كما يشتهون إذ تحجب بجدران الرقابة.
اعتاد الإيرانيون على "الهجرة" من وسيلة تواصل اجتماعي إلى أخرى، فصاحب الأمر في منع الوصول إلى فيسبوك وتويتر وتلغرام وسيغنال وتيك توك، لم يحسم أمره بعد بشأن "كلوب هاوس".
وبات التطبيق حديث عطلة رأس السنة الفارسية النوروز. بنسخته الرسمية IOS أو التجريبية غير الرسمية ANDROID ويتسابق الإيرانيون لإنشاء حسابهم على التطبيق "الصرعة".
كسر "كلوب هاوس" الخطوط الحمراء في إيران، فداخل غرفه بات يجمع الأضاد، إصلاحيين ومحافظين ومعتدلين ومعارضين، مسؤولين وصحافيين وناشطين، من داخل البلاد وخارجها، إيرانيين أو ناطقين بالفارسية، جميع هؤلاء معًا في "بيت النادي".
ظريف على كلوب هاوس
حل وزيرا الخارجية محمد جواد ظريف والاتصالات محمد جواد اذري جهرمي ضيفين على إحدى غرف التطبيق إلى جانب المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده، والمتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أبو الفضل عموئي، وعدد من المسؤولين الآخرين والصحافيين والناشطين. لنحو ثلاث ساعات تحدث الجميع، فتعارضت الآراء حينًا وتوافقت أحيانًا أخرى.
وتناول الحديث طيفًا من الموضوعات، من الاتفاق النووي إلى الاتفاقية الاستراتيجية الإيرانية الصينية وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن ثناياه وشت بالكثير. فردًّا على دعوة أحد النشطاء إلى أن يحول ظريف دون حجب التطبيق، قال: "أنا وآذري جهرمي لا نقوم بالحجب ونرفضه"، ليكمل وزير الاتصالات نافيًا وجود أنباء عن حجب التطبيق.
وكان لافتًا انتقاد الكثير من المشاركين لهيئة الإذاعة و التلفزيون الرسمية. وبينما دافع المخرج محمود رضوي عن عرض التلفزة الإيرانية لمسلسل "غاندو" بجزئه الثاني الذي ينتقد المفاوضات النووية ويتهم بعض شخصيات فريق إيران المفاوض بالتجسس، هاجم ظريف المسلسل قائلًا إنه كذب من أوله إلى آخره مضيفًا: "يا سيد رضوي أنت صانع أفلام وأنا قدمت لك جائزة في إحدى المناسبات عن فيلمك (ما جراي نيمروز) أطلب منك أن تصور فيلمًا عن الصعوبات التي تواجهني وسنرى من سيكون قادرًا على عرضه".
ظريف انتقد أيضًا بعض وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية لتحريفها تصريحاته كما قال، لتبدأ مع إغلاق الغرفة أبوابها، بعد منتصف ليل طهران، عاصفة من الردود والتعليقات. وبينما دافعت وكالة فارس عن نفسها ودعت ظريف لتقديم أدلته على اتهماها بتحريف تصريحات سابقة له، أشاد مستشار الرئيس الإيراني حسام الدين آشنا بتجربة مشاركة المسؤولين الإيرانيين في كلوب هاوس، وأثخن على هيئة الإذاعة والتلفزيون قائلًا: من المؤسف أن وزير الخارجية يجيب على أسئلة المشاركين بما في ذلك نواب البرلمان بكل صراحة في كلوب هاوس؛ فيما لا يمكن للإذاعة والتلفزيون تهيئة أجواء كهذه وظروف متوزانة لحوار المسؤولين مع الخبراء و المهتمين، متابعًا: "من حق الشعب الإيراني أن تقدم حكومته الإيضاحات له وأن يكون إعلامه الوطني غير متحزب ".
نار في الهشيم
هي شهوة التعبير عند الإيرانيين يكشف عنها تطبيق عابر للحدود، كالنار في الهشيم تزداد الغرف الإيرانية على "كلوب هاوس" و تزداد أعداد المستخدمين له، غرف أخرى استضافت مرشحين محتملين للرئاسة الإيرانية، ومنظرين سياسين وغيرهم. غرف يسمع فيها صوت جميع الإيرانيين على مختلف انتماءاتهم يتحدثون في كل شيء.
الرغبة العارمة في التعبير والتغيير تكشف عنها الإحصائيات، فسبعة من بين كل 10 إيرانيين تجاوزوا 18 من العمر يمتلكون حسابًا على الأقل في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي. أما عن الشباب ممن هم دون الثلاثين فترتفع النسبة إلى 93 بالمئة. وهناك أكثر من 50 مليون مشترك على واتس آب وما يقاربهم على تليغرام، فيما يصل عدد المستخدمين على إنستغرام إلى 47 مليون مشترك، حسب أرقام مركز "بتا" للأبحاث حتى نهاية عام 2020. كل هذا يجعل "كلوب هاوس" دون شك إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى –خاصة مع استمرار جائحة كورونا – يتصدر المشهد الدعائي للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في حزيران يونيو المقبل، ويمنح السخونة للأجواء السياسية الداخلية؛ على الأقل افتراضيًا.
قصة وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي في إيران طويلة، كثيرة المنعطفات والمطبات، لكن الواضح أن كلوب هاوس رمى حجرًا كبيرًا في المياه الراكدة للحراك السياسي الداخلي في إيران، الذي كشفت عنه نسبة الإقبال الأدنى في تاريخ البلاد على الانتخابات التشريعية في شباط فبراير من العام الماضي.
السؤال هو هل أصوات "كلوب هاوس" وتغريدات "تويتر" على الفضاء الافتراضي؛ ستنجح في إيجاد صدى لها على أرض الواقع؟ وهل ستتمكن "فورة" الكلام من كسر حاجز الحجب وتوسيع دائرة التعبير؟ وهل سيسهم التطبيق في إنقاذ النظام الإيراني من تكرار تجربة عدم المشاركة الواسعة في الانتخابات الماضية؟
