الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

تونس.. في توقيت نقاش المسؤولية والشعبوية وما يدور في ذهن الرئيس

تونس.. في توقيت نقاش المسؤولية والشعبوية وما يدور في ذهن الرئيس

Changed

جميع الانقلابات في التاريخ، وأهم الإنتاجات النظرية اليمينية في تبرير الديكتاتورية الفاشية جاءت على خلفية التحريض على البرلمان وتمجيد النظام الرئاسي (غيتي)
جميع الانقلابات في التاريخ، وأهم الإنتاجات النظرية اليمينية في تبرير الديكتاتورية الفاشية جاءت على خلفية التحريض على البرلمان وتمجيد النظام الرئاسي (غيتي)
ثمة في تونس مجتمع مدني وسياسي حي وشعب يعاني من مشاكل وخيبات كثيرة، ومعرّض بسبب ذلك للدعاية الشعبوية، لكنه ذاق طعم الحرية وحقوق المواطن، وقد تصبح هذه المزايا والكبرياء الذي يرافقها جزءًا من هويته الوطنية، وهذا أساس جيد لمخاطبته.

1. سبق أن كتبت عدة مرات، محذرًا من أثر ظواهر سلبية على صورة التعددية الديمقراطية لدى الجمهور التونسي، ومنها: تنقل نواب البرلمان بين الأحزاب (السياحة الحزبية وفق المصطلح التونسي) بحثًا عن الفائدة الشخصية والمنصب، ونشوء أحزاب لا تمثل موقفًا أو فكرًا أو قضية، لا لسبب إلا لسهولة الأمر، تبدّل الصفقات الحزبية وتغيّرها بموجب تكتيكات ومن دون استراتيجية معلنة، تراشق التهم غير المثبتة لغرض المس بالخصم، أي التشهير المتبادل، المبالغة في الحديث عن الفساد والمحسوبية وغيرها لتشوية الآخرين؛ ومع أنه يوجد في بعض الحالات أساس واضح لهذه الادعاءات إلا أن كثرة تردادها وإلصاق التهمة بالجميع تنفر الجمهور وتخلق انطباعًا أن جميع السياسيين فاسدون، وهذا غير صحيح؛ وأخيرًا، الانطباع عن ديمقراطية بلا هيبة ولا تدافع عن نفسها بوجود حزب في البرلمان التونسي يعلن على رؤوس الأشهاد أنه مؤيد للنظام السابق، وأن هدفه تقويض الديمقراطية، ويقوم فعلًا بالتهريج في البرلمان وتشويه صورة التعددية الديمقراطية (بتواطؤ واعٍ وغير واعٍ من الإعلام المهتم بالإثارة).

2. فيما عدا الظاهرة الأخيرة، هذه ظواهر قائمة في أي ديمقراطية. وفي جميع الديمقراطيات، شجع البث المباشر من البرلمان الشعبوية في خطابات النواب وفي رد الفعل في ثقافة الجمهور. وفي جميع الديمقراطيات تُعقد صفقات حزبية وائتلافات لأغراض الحكم والمعارضة. ولكن الديمقراطية حديثة العهد في تونس والجمهور ليس معتادًا على هذا النمط بعد، وكان على القوى المؤيدة للنظام الديمقراطي أن تبدي مسؤولية أكبر، كما أن الانتخابات غير المقيدة وأجواء الحرية فسحت المجال ليس فقط لمؤيدي الثورة ومعارضيها بخوض غمار السياسة والمزايدات، بل أيضًا للمغامرين وغريبي الأطوار، وليس فقط للصحافة، بل لشبه الصحافة في التأثير في المشهد.

3. عقّد الدستور المختلط المشهد السياسي. كان المقصود أن يكون النظام برلمانيًا، ولكن في النهاية أدخلت فيه عناصر من النظام الرئاسي. المحكمة الدستورية لازمة في كل ديمقراطية، ولكن في حالة نظام مختلط معقد كهذا يصبح وجودها ضرورة ماسة، وغيابها كارثة. ففي غياب محكمة كهذه تحمي الدستور وتفسر توازناته وحدود صلاحيات الرئيس والحكومة والبرلمان قد تتحول العناصر الرئاسية في الدستور إلى حصان طروادة ضد النظام البرلماني. لم يحصل هذا بوجود رئيس مسؤول وعاقل مثل الباجي قايد السبسي (بغض النظر عن الخلاف مع مواقفه وسيرته)، ولكن، مع وصول شخص مناهض للديمقراطية إلى سدة الحكم، تحوّل الاحتمال إلى خطر حقيقي.

4. النظام الرئاسي في البلدان العربية هو مشروع استبداد (وفق اجتهاد البعض يلزم صلاحيات رئاسية أوسع في البلدان العربية متعددة الإثنيات والطوائف حيث يمكن أن تمزق المحاصصة الطائفية وحدة النظام البرلماني). ولكن تونس دولة متجانسة إثنيًا ودينيًا، ولا أثر فيها للنزوع إلى المحاصصة الهوياتية. والنظام البرلماني هو الأصلح لها بعد عقود طويلة من حكم الفرد المستبد. ولكن الدستور أقر، وهو دستور ديمقراطي يضاهي دساتير أعرق الديمقراطيات، ويجب أن تحميه محكمة دستورية.

5. يظهر خطر النظام الرئاسي في دول اعتادت مؤسساتها على تلقي أوامر الحاكم الفرد في سلوك أجهزة الدولة التونسية الطيع لأوامر رئيس يخرق الدستور، وذلك على الرغم من أن النخب الثقافية والسياسية لا تختلف معه فقط، بل تتحدث بجرأة متفاوتة عن سوية أعماله وأقواله.

6. تتحمل الأحزاب الحاكمة في تونس مسؤولية بالطبع عما آلت إليه الأمور، وكذلك أيضا المزاودون الشعبويون الذين استغلوا عدم شعبية خطوات مسؤولة وضرورية. عند حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تتخذ الحكومات في بعض الحالات خطوات غير شعبية، وتتضح في هذه الحالات قوة النظام الديمقراطي ورسوخه، وتشكل المزايدة الشعبوية في هذه الحالات أحد أهم العوائق أمام ترسيخه.

7. في تونس لم تحكم أحزاب الأغلبية البلاد في العامين الماضيين (لا يوجد حزب أغلبية بل أحزاب)، بل دعمت حكومة تنكوقراط من دون تمثيل حزبي فيها. وبدا البرلمان مكانًا للخصومة والثرثرة من دون فعل حقيقي، ما سهل العمل على تشويه صورته بتواطؤ (موضوعيًا على الأقل) بين الرئيس المعادي علنا للدستور القائم وعناصر معادية للديمقراطية داخل البرلمان تحولت إلى مهرج دائم فيه. ولم تكسب حركة النهضة شيئًا بل خسرت من تصدرها برلمانًا لا تمارس الأغلبية فيه الحكم. وبدا صراع الرئيس مع البرلمان (وهو في جوهره صراع مع البرلمان على الصلاحيات) وكأنه صراع مع حركة النهضة.

6. جميع الانقلابات في التاريخ، وأهم الإنتاجات النظرية اليمينية في تبرير الديكتاتورية الفاشية (وبعضها من إنتاج قانونيين مثل كارل شميت عشية صعود النازية) جاءت على خلفية التحريض على البرلمان (للمفارقة استخدم شميت تعبير المؤامرات في الغرف المظلمة في حديثه عن برلمان جمهورية فايمر) وتمجيد النظام الرئاسي الذي يمثل وحدة السيادة وعدم تجزئتها، وأهم تعبيراتها وفق شميت الحق في إعلان حالة الطوارئ. وحالة الطوارئ عنده دائمة لأن البلاد دائمًا في خطر داهم. والنتيجة في ألمانيا معروفة.

7. حساب الذات ضروري، وكذلك تحمل المسؤولية، ينطبق هذا على الأحزاب التي أسهمت في تأجيج الشعبوية في الشارع. ويصح ذلك حتى على أحزاب فسدت وأخرى لم تفسد ولكن أخطأت في اجتهاداتها وبالغت في تكتيكاتها. وعليها أن تستنتج النتائج. ولكن المهمة الحالية الملحة هي مواجهة مخطط الانقلاب على الدستور منذ كذبة محاولة الاغتيال وإلقاء الخطابات السياسية في الثكنات العسكرية فصاعدًا... كيف يجوز لديمقراطي أن يستخف بهذه المهمة ويستغل الفرصة لتصفية الحسابات مع خصومه الحزبيين؟

8. تنتشر بين النخب التونسية حاليًا عبارة: "لا أحد يعلم ماذا في ذهن الرئيس"، أو "ننتظر خطواته القادمة التي لا نعرف ما هي". هذه مصطلحات نظام حكم ديكتاتوري يحكم من الغرف المظلمة (هنا يصح التعبير فعلًا). فقط في تلك الأنظمة يتعلق كل شيء بأمور مجهولة تدور في ذهن الرئيس.

9. لا يمكن الدفاع عن الديمقراطية بترديد هذه العبارات، بل بعكس ذلك: 

أ. مطالبة الرئيس أن يفصح فورًا عما يريد أن يفعل، وأن يكون هذا مطروحًا للنقاش في البرلمان والصحافة وغيرها؛ فالنظام التونسي ليس رئاسيًا، فضلًا عن أن يكون دستورًا شكليًّا لنظام ديكتاتوري.

ب. يفترض أن يدور شيء ما في ذهن القوى الديمقراطية (المدنية والسياسية) غير انتظار ما سوف يفعله الرئيس، أقصد أن تخطط وتعلن خطتها للمرحلة المقبلة، وليس أن تنتظر ما سوف يفعل الرئيس.

10. ثمة في تونس مجتمع مدني وسياسي حي، ومؤسسات متمرسة مساندة للديمقراطية، وشعب يعاني من مشاكل وخيبات كثيرة، ومعرَّض بسبب ذلك للدعاية الشعبوية، لكنه شعب ذاق طعم الحرية وحقوق المواطن، وقد تصبح هذه المزايا والكبرياء الذي يرافقها جزءًا من هويته الوطنية، وهذا أساس جيد لمخاطبته.

شارك القصة

سياسة - فلسطين
يصعَّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيين وممتلكاتهم بالضفة منذ بدء العدوان على غزة - غيتي/ أرشيف
يصعَّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيين وممتلكاتهم بالضفة منذ بدء العدوان على غزة - غيتي/ أرشيف
شارك
Share

استشهد الفتى الفلسطيني خالد رائد عروق عقب إصابته برصاصة في البطن، نقل على إثرها إلى مجمع فلسطين الطبي.

سياسة - السودان
الفاشر هي آخر المدن الرئيسية بإقليم دارفور غير الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع - غيتي
الفاشر هي آخر المدن الرئيسية بإقليم دارفور غير الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع - غيتي
شارك
Share

الفاشر هي آخر المدن الرئيسية في إقليم دارفور الشاسع بغرب السودان التي لم تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع.

سياسة - فلسطين البرامج - للخبر بقية
تتصاعد الانتقادات الدولية المحذرة من عواقب كارثية لاجتياح إسرائيل مدينة رفح - غيتي
تتصاعد الانتقادات الدولية المحذرة من عواقب كارثية لاجتياح إسرائيل مدينة رفح - غيتي
شارك
Share

يؤكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية أن تل أبيب ستمضي قدمًا في الاستعدادات لاستهداف حركة "حماس" في رفح، رغم التحذيرات الدولية من التداعيات الإنسانية.

Close