في خضّم النقاش والجدل المشتعلين حول ظروف وخلفيات تحلّل السياسة الفلسطينية داخل الخط الأخضر، وانحرافها عن البوصلة السياسية الوطنية - وأحدث مظاهرهما انهيار القائمة المشتركة - يغيب عن النقاش العام دور وإسقاطات ما آلت إليه الثورات العربية المجيدة في هذا التحلّل.
فقد تناولت الأبحاث السابقة والحالية المختلفة، الغزيرة والهامة، العوامل الأخرى المعروفة في تشكيل أجندة وخصوصية واقع هذا الجزء من شعب فلسطين، وتحديدًا العيش تحت المواطنة الكولونيالية، وما يترتب عن ذلك من دينامية التعاطي مع ضرورات الحياة، والتي تنتج أنماط سلوك سياسي يتسم بالخصوصية الوطنية، أو التوازن بين الوطني والمدني من جهة، وأنماط سلوك متأسرلة بسبب تأثير سياسات الاحتواء والتدجين، وكذلك القمع المباشر، من جهة أخرى.
وقد يكون المؤتمر الدراسي الهامّ، الذي عقده المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية – "مدى الكرمل"، عام 2018، المبادرة الأكاديمية والبحثية الوحيدة اليتيمة التي حاولت تقصي آثار انتكاسة الثورات على سلوكنا السياسي، كمواطنين وأحزاب وأطر مختلفة. ورأت اللجنة الأكاديمية للمؤتمر أنّ الثورات العربية هي من الأكثر الأحداث تأثيرًا على فلسطينيي الـ48 منذ اتفاق أوسلو، في المجالات الثقافية والسياسيّة والأيدلوجيّة والاجتماعيّة، وأنها طرحت بقوة سؤال الدين والمجتمع والمجال العمومي العربي والعلاقة مع الدولة والهوية الجماعية.
وكان السؤال الأبرز الذي أراد المؤتمر معالجته، هو مدى مساهمة الانتكاسة في تعزيز الأسرلة في أوساط هذا الجزء من شعبنا، والذي تجلّى بدايةً في عقد مقارنات بين ظروف العيش تحت النظام الصهيوني وعيش أخوتهم الفلسطينيين والعرب في ظل أنظمة لا تقيم وزنًا لمواطنيها، بل تسحقهم بلا رحمة. وفي الواقع، كان العديد منّا - نشطاء سياسيين، ومثقفين، وفنانين، وأكاديميين - تنبّهوا مبكّرا إلى أنّ توحش الأنظمة العربية، سواء تلك الأنظمة المرتبطة أميركيًا، أو الأنظمة " الممانعة" ضد شعوبها وضد جموع الشباب الثائر، سيؤدي إلى تنامي النزوع نحو الأسرلة.