Skip to main content

السر بالقدرة على التحمل.. كيف اصطاد إنسان العصر الحجري؟

الأربعاء 15 مايو 2024
تزخر كتب التاريخ بالرسوم التوضيحية التي تُظهِر مجموعة من الرجال يكمنون للطريدة - غيتي

ظهر أن القدرة على التحمّل، وهي ميزة يتفرد بها البشر، وفّرت لهم خلال العصر الحجري القديم وسيلة إضافية لاصطياد الطرائد، وفقًا لدراسة استخدمت عددًا كبيرًا من الروايات الإثنوغرافية التي كانت إلى اليوم متجاهَلَة.

وتزخر كتب التاريخ بالرسوم التوضيحية التي تُظهِر مجموعة من الرجال يكمنون للطريدة، يمسكون أوتادًا، ويتقدمون ببطء نحو الفريسة، أو ينتظرونها حول فخ.

لكنّ علماء الإثنوغرافيا رصدوا في بعض الروايات العائدة إلى القرن العشرين طريقة أخرى، وهي ما يُسمّى الصيد بالمثابرة، ويقوم على ملاحقة الطريدة حتى إنهاكها، وهي التقنية المعتمدة إلى اليوم في الصيد بواسطة كلاب الصيد.

وكان الباحثون يعتبرون أن الاستعانة بهذه التقنية كان هامشيًا ومحدودًا، على ما لاحظ أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة ترينت الكندية أوجين موران، وهو المُعدّ الأول للدراسة التي نُشرت الإثنين في مجلة "نيتشر هيومن بيهايفيور".

وأوضح موران لوكالة "فرانس برس"، أنه وَجَدَ خلال تفحّصه وثائق عرقية وتاريخية تعود إلى القرنين الخامس عشر والتاسع عشر الكثير من حالات الصيد التي تنطبق عليها مواصفات الصيد بالمثابرة".

وظهرت هذه الفرضية قبل 40 عامًا من خلال دراسة أجراها عالم الحيوان الأميركي ديفيد آر كارير، الذي شرح أن التطور وفّر على الأرجح خاصية حاسمة لأسلاف الإنسان، هي القدرة غير العادية على التعرق، وبالتالي على تبديد الحرارة الناتجة عن بذل الجهد البدني.

تصريف الحرارة الداخلية

والبشر عدّاؤون متواضعو السرعة، إذ يستطيعون اجتياز عشرة أمتار في الثانية الواحدة، والحفاظ على هذه الوتيرة لمدة 20 ثانية، في حين أن الفهد يركض أسرع بثلاث مرات لبضع دقائق.

لكنّ الفهد، مع أنه "أشبه بسيارة فيراري بدون مبرّد ويستطيع تاليًا الركض بسرعة عالية جدًا"، بحسب البروفيسور موران، فإنه "عاجز عن تصريف الحرارة" الداخلية.

يقوم الصيد بالمثابرة على ملاحقة الطريدة حتى إنهاكها - غيتي

وهذا الارتفاع في درجة الحرارة الداخلية يجبره في النهاية على التوقف عن الركض، ويدفع حيوانات "الجري" (الخيول أو الأيائل أو الظباء) إلى أخذ قسط من الراحة لتبرد، في حين أن مُطاردها البشري لا يعاني مشكلة من هذا النوع.

ألياف بطيئة تلائم التحمل

وثمة ميزة أخرى لفت إليها علماء الأحياء، وهي أن الجهاز العضلي الهيكلي يتكون في شكل أساسي من ألياف بطيئة، تلائم التحمل أكثر مما يُعرف بالألياف السريعة التي توفر الحيوية.

أما العنصر الأخير، فهو أن خصائص الأطراف السفلية للإنسان تحمل على الاعتقاد أن صفات التحمل لدى سلف الإنسان العاقل بدأت بالظهور  قبل 1,8 مليون سنة.

ورأى غير المقتنعين بنظرية الصيد بالمثابرة أن تكلفة الطاقة الناجمة عنها غير متناسبة مع تلك المترتبة عن المشي.

وقال موران إن "الجري أكثر تكلفة من المشي"، ولكن تُعَوَّض هذه التكلفة إلى حد كبير بالوقت الذي يتم توفيره، وفق ما يبيّن النموذج الحسابي الذي اعتمدته الدراسة.

وشرح موران أن "هذا النوع من الصيد كان معتمدًا في كل مكان من العالم (...) وفي السياقات كافة (...) وعلى امتداد أكثر من فصل"، مشيرًا إلى وجود نحو 400 رواية تنطبق على أكثر من 270 مكانًا في العالم، من القطب الشمالي إلى تشيلي، ومن إفريقيا إلى أوقيانوسيا.

ويروي هنود في نص يعود تاريخه إلى عام 1850 قصصًا عن أسلافهم يصفون فيها "صيد الأيائل عن طريق مطاردتها حتى الإرهاق بأحذية الثلوج"، بحسب ما أشارت إليه الدراسة. وتتناول إحدى روايات القرن السادس عشر طريقة الصيد التي اتبعها الأميركيون الأصليون في كواويتيكانز، الذين كانوا يستطيعون "الركض من الصباح إلى المساء" خلف الغزلان "حتى إنهاك الطريدة".

وتتطرق قصة من بورنيو من منتصف القرن التاسع عشر إلى صيادين يستخدمون أساليب مماثلة. ويبقى السؤال قائمًا عن دور الصيد بالمثابرة في تشكيل ضغط انتقائي على أسلاف الإنسان، مما جعلهم عدائي مسافات طويلة.

المصادر:
أ ف ب
شارك القصة