بين الرهبة والتعجّب.. كيف تنظر الأديان للكسوف الشمسي عبر التاريخ؟
في الثامن من أبريل/ نيسان الحالي، يترقّب العالم كسوفًا للشمس حيث يحجب القمر الشمس تمامًا عن ملايين الأشخاص في أميركا الشمالية.
ويبدأ الكسوف المرتقب فوق جنوب المحيط الهادي، ويواصل مساره إلى ساحل المكسيك فالولايات المتحدة ثم كندا.
وعلى مرّ التاريخ، كان لكسوف الشمس تأثير عميق على أتباع الديانات المختلفة حول العالم. وكان يُنظر إليه على أنّه رسائل من الله أو قوى روحية، تُثير مشاعر تتراوح بين الرهبة والتعجّب.
فكيف تنظر العديد من الديانات الرئيسية في العالم للكسوف؟
1- البوذية
في التقليد البوذي التبتي، يُعتقد أنّ طاقة الأفعال الإيجابية والسلبية تتضاعف خلال الأحداث الفلكية الكبرى مثل كسوف الشمس.
واعتبر الراحل لاما زوبا رينبوتشي من مؤسسة الحفاظ على تقاليد الماهايانا، أنّ خسوف القمر وكسوف الشمس يُعدّ أيامًا ميمونة للممارسة الروحية.
وقال إنّ الجدارة التي تُمثّل النتائج الكارمية الإيجابية للنوايا والأفعال الطيبة، الناتجة عن خسوف القمر تتضاعف بـ 700 ألف وعلى كسوف الشمس بـ 100 مليون.
2- المسيحية
يعتقد بعض المسيحيين أن الكسوف يُنذر بـ"نهاية الزمان" التي ستسبق عودة المسيح إلى الأرض كما ورد في الكتاب المقدس.
وكان هناك اعتقاد سائد بين بعض المسيحيين بأنّ الكسوف يذكّر بفترة ظلام لمدة ثلاث ساعات عندما مات يسوع، لكنّ قساوسة إنجيليين بارزين أوضحوا أنّ الظلام الذي استمرّ لـ3 ساعات "يُمثّل تحولًا روحيًا عميقًا".
وقالوا إنّ "حجب الشمس المؤقت مع تضحية المسيح، يُقدّم استعارة قوية لطبيعة اليأس العابرة والوعد الأبدي بالخلاص والولادة الجديدة".
3- الهندوسية
تم شرح أصل الكسوف في الهندوسية في الأساطير القديمة المعروفة باسم بوراناس. ففي إحدى الأساطير، قام الديفاس والأسورا اللذان يرمزان إلى الخير والشر على التوالي، بتحريك المحيط لتلقي رحيق الحياة الأبدية.
وباعتباره أحد الأسورا، قام سفاربانو إله الشمس "سوريا" وإله القمر "شاندرا"، بتنبيه موهيني، وهو تجسيد للإله فيشنو، الذي استخدم بعد ذلك قرصًا لقطع رأس سفاربانو. ولكن نظرًا لأن الأسورا قد استهلك بالفعل جزءًا من الرحيق، فقد عاش رأسه وجسده الخالد ولكن المنفصل تحت اسمي "Rahu" و"Ketu".
وتقول الأسطورة إنّ راهو يبتلع أحيانًا الشمس والقمر بسبب دور الآلهة في بؤسه، مما يتسبّب في حدوث كسوف الشمس وخسوف القمر.
وبشكل عام، يعتبر الهندوس أنّ كسوف الشمس أو القمر نذير شؤم. والبعض يصوم قبل ذلك، بينما لا يأكل آخرون في فترة الكسوف. كما يستحمّ الهندوس المتدينون لتطهير أنفسهم خلال المرحلتين الأولى والأخيرة من الكسوف. ويقدّم البعض الصلوات للأجداد، ويجتمع المصلّون للصلاة على طول مواقع الحج بالقرب من الأنهار المقدّسة أثناء بداية الكسوف.
ويُعتبر هذا الحدث وقتًا مناسبًا للصلاة والتأمل والترنيم، والتي يُعتقد أنّها جميعها لدرء الشر.
4- الإسلام
في الإسلام، يُعتبر كسوف الشمس هو وقت اللجوء إلى الله والصلاة. صلاة الكسوف مبنية على روايات وأقوال وأفعال النبي محمد.
وتنقل إحدى الروايات عن الرسول قوله: "إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله ولا يخسفان لموت أحد ولا لحياته. كلما رأيتم الكسوف صلوا وادعوا".
وتقول الرواية إنّه "بعد وفاة نجل النبي محمد إبراهيم، حاول أصحابه مواساته بقولهم إنّ الشمس كسفت من عظم الخسارة. فصحّح لهم النبي بتذكيرهم أنّ الشمس والقمر من آيات الله وعدم إضافة أي خرافة حول سبب حدوث الكسوف".
وأوضح محمود الهواري مسؤول مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بالقاهرة، لوكالة أسوشييتد برس، أنّ صلاة الكسوف جماعة في المسجد أفضل، لكن يجوز للمسلمين أن يصلوها منفردين في مكان آخر.
وقال: "الحكمة هي أن يلجأ الإنسان إلى الله، ويطلب رفع هذا البلاء. يجب أن يعلم الناس أن أحداث الكون كله بيد الله".
5- اليهودية
يُقدّم التلمود وهو مجموعة الكتابات التي تمّ تجميعها منذ أكثر من 1500 عام والتي تشكل القانون الديني اليهودي، بركات مُحدّدة للعديد من الظواهر الطبيعية، ولكن ليس للكسوف.
وبدلًا من ذلك، فهو يُصوّر الكسوف على أنه "نذير شؤم للعالم".
غير أنّ الحاخام مناحيم بوسنر قدّم تفسيرًا مختلفًا للكسوف باعتباره حدثًا طبيعيًا يمكن التنبؤ به قبل قرون.
وقال بوسنر: "يجب أن يكون الكسوف فرصًا لزيادة الصلاة والتأمل، بدلًا من إثارة البركات المبهجة. إنها علامة على أنه يمكننا حقًا، بل وينبغي لنا، أن نقوم بعمل أفضل".
من جهته، اعتبر الحاخام مردخاي بيشر أنّ الله جعل الكسوف ممكنًا لسبب عميق، مُضيفًا أنّ الله "أنشأ نظامًا يُذكّرنا بانتظام بأنّ خياراتنا يمكن أن تخلق الظلام، حتى في الأوقات التي يجب أن يكون هناك ضوء".
وقال: "خيارات إرادتنا الحرة يمكن أن تخلق حاجزًا بيننا وبين النور الإلهي، ولكنها يمكن أن تسمح أيضًا برؤية النور الإلهي".