Skip to main content

فوزي شعيبي.. شاهد من المخابرات السورية يوثق مرحلة الانقلابات

الخميس 20 أكتوبر 2022

جاءت مذكرات فوزي شعيبي امتدادًا لحياته الأمنية، ولاءً لقيادة المكتب الثاني في سوريا وإيمانًا بالمشروع الناصري واحتفاءً بالعمل الأمني السري.

وقد كانت تعبيرًا صادقًا عن الفرق بين قراءة رجل الأمن للتاريخ، وواقع الناس الذي شكلته مغامرات الضباط خلف الكواليس.

وفوزي شعيبي هو ضابط مخابرات سوري تولّى منصب رئيس شعبة المنطقة الجنوبية في المخابرات العسكرية السورية، أو ما يُعرف بالمكتب الثاني.

بدأ الأمر من عام 1956، واستمر شعيبي في موقعه أثناء الوحدة السورية المصرية، وهو ما مكّنه من الاطلاع على أحداث محورية شهدتها سوريا خلال تلك الفترة الحساسة من تاريخها.

يقول عبدالحق الهوّاس، وهو أكاديمي وطيار سابق مسرّح: "عادة عندما يكتب ضباط مخابرات عن مذكراتهم تكون هناك أشياء جديدة ومفاجئة، ويرى فيها الناس ما لم يكونوا يرونها في ذلك الوقت".

ويتدارك بالتأكيد أن "ليس كل مذكرات يؤخذ بها أيضًا".   

كشف "محاولة انقلابية" في دمشق

يروي فوزي شعيبي في مذكراته تفاصيل عملية مثلت اللحظة الفارقة في مسيرته الأمنية، عندما وضع الضابط المتقاعد شكيب وهّاب، وهو أحد القادة العسكريين الدروز البارزين الذين قاتلوا تحت لواء سلطان باشا الأطرش، تحت المراقبة.

جند شعيبي في ذلك الوقت السائق الخاص بوهّاب ليعمل مخبرًا للشعبة الثانية، وكانت هذه بداية اكتشاف محاولة انقلابية في دمشق تمتد خيوطها إلى خارج الحدود.

وينقل باتريك سيل في كتابه "الصراع على سوريا"، عن الأمير حسن الأطرش تفاصيل استلام وهّاب أسلحة من الحدود السورية الأردنية بهدف إيصالها إلى المشاركين في هذه المحاولة الانقلابية.

ويلفت إلى أن وهّاب كلّف ضابطًا سابقًا هو فارس دويعر ليقود شاحنة الأسلحة عبر الصحراء، مفيدًا بأن دويعر استلم الأسلحة يرافقه بعض البدو على الحدود واتجه فورًا إلى جبل الدروز".

ويردف بأن "الشاحنة تحطمت وقام حوالي 300 من البدو والقرويين والدروز المحليين بنهب الأسلحة. وبدل أن يختفي فارس دويعر عاد بهدوء إلى قريته وكأن شيئًا لم يحدث".

من ناحيته، شعيبي الذي قام بالتحقيق مع دويعر وآخرين قبل أن يرفع إلى عبد الحميد السرّاج، رئيس المكتب الثاني، ما اجتمع لديه من معلومات ساهمت في كشف خيوط القضية، حرص على تسجيل دوره في اكتشاف هذه المحاولة الانقلابية.

ويشير في مذكراته إلى أننا أفشلنا المؤامرة التي كانت وشيكة الوقوع، وكان توقيتها مع العدوان الثلاثي على مصر، لافتًا إلى أن الغرض منها "هو القيام بثورة شعبية كما أراد المتآمرون تسميتها آنذاك، تطيح بالدستور السوري وتحل البرلمان وتقيم حكمًا جمهوريًا رئاسيًا وتشكل حكومة جديدة".

وأضاف أن غرضها أيضًا هو "الوقوف بوجه التقارب السوري المصري، الذي كان يتجه بخطوات حثيثة نحو الوحدة بين القطرين، حيث إن المناداة في سوريا بوحدة مصرية سورية كان قد سبّب هلعًا شديدًا في بغداد ولندن بشكل خاص".

الباحث في التاريخ السوري نشوان الأتاسي

في السياق، يتحدث الباحث في التاريخ السوري نشوان الأتاسي عن محورين كانا عنوان الحراك السياسي في منطقة الشرق الأوسط؛ هما المحور الهاشمي البريطاني الهوى والمحور السوري المصري الأميركي الهوى.

ويرى أن الجيش كان له دوره أيضًا في جر سوريا إلى أحد المحورين، شارحًا أن انقلاب حسني الزعيم عام 1948 حاول جر سوريا إلى المحور السعودي المصري، وجاء من بعده انقلاب سامي الحناوي الذي حاول جر سوريا باتجاه المحور الهاشمي البريطاني.

"شعوب أوروبا عاشت شتاء قاسيًا"

في مذكراته دافع شعيبي عن تفجيرات استهدفت خطوط النفط العراقي التي تمر عبر الأراضي السورية، وقامت بها مجموعة من الضباط السوريين بهدف الضغط على بريطانيا لإيقاف عدوانها على مصر، تحت وطأة أزمة الوقود الخانقة.

دافع أيضًا عن تنفيذها دون علم الحكومة السورية، باعتبارها عملًا قوميًا يهدف إلى مساندة مصر.

وخطّ ما يلي: "نفذ الضباط المذكورون المهام الموكلة إليهم بكل دقة وأمانة وإتقان. وقد أُذيع بعد تنفيذ العملية أن عمال محطات الضخ في سوريا قد قاموا بنسف أنابيب ومحطات ضخ النفط العراقي المار من سوريا استنكارًا للعدوان الثلاثي على مصر، وانقطعت إمدادات النفط عن الدول الاستعمارية في أوروبا، حيث عاشت شعوبهم في ذلك العام شتاء قاسيًا".

صورة من العدوان الثلاثي على مصر - تويتر

وفي معرض تعليقه على الحادثة، يشير الهوّاس إلى اعتراف السرّاج، وتأكيد شعيبي للأمر في مذكراته، بأن تفجير المحطات كان بأمر عبد الحميد وعلى يد الشعبة الثانية، وأنه تم إخفاء الأمر عن رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيس الحكومة صبري العسلي. ويسأل: هل هذه دولة داخل دولة؟.

بدوره الأتاسي، يرى أن "اللافت للنظر هو أن خط أنابيب التابلاين الأميركية السعودية المار بسوريا، والذي يغذي أوروبا أيضًا بالنفط لم يفطن أحد إلى نسفه"، معتبرًا أن "هذه نقطة تثار، وما زالت إلى اليوم محط استفسار".

مجلس القيادة والوحدة الاندماجية مع مصر

يعرّج فوزي شعيبي في مذكراته على تشكيل مجلس قيادة مشتركة من 24 ضابطًا، بعد استثناء الشيوعيين وكبار الضباط الرافضين لقيام الوحدة مع مصر.

ويعزو السبب في ذلك إلى أن "ضباط الجيش السوري منقسمون إلى كتل مناطقية وسياسية مختلفة ومتنافسة، لكنهم جميعًا عاجزون عن الانفراد بالسلطة والسيطرة على الجيش".

كان هذا المجلس خليطًا من تيارات سياسية مختلفة إلى جانب من أسماهم شعيبي بـ"المستقلين"، وأبرزهم عبد الحميد السرّاج رئيس المكتب الثاني.

في 12 يناير/ كانون الثاني من عام 1958، وبعد اجتماع ضم عددًا من ضباط المجلس، توجه 13 ضابطًا من رؤساء شعب الأركان إلى القاهرة مطالبين بالوحدة الاندماجية مع مصر.

ويعود الأتاسي بالذاكرة إلى تلك المرحلة، فيوضح أن الحكومة السورية اجتمعت فورًا بعدما علمت بالأمر وقرّرت إرسال وزير خارجيتها في حينه صلاح الدين البيطار للاستفهام عمّا جرى في القاهرة ويعلم الحكومة المصرية بموقف الحكومة السورية المتحفّظ في هذا الموضوع.

وبينما يلفت إلى أن صلاح الدين البيطار لم يُمنح صلاحيات للتفاوض، يقول إنه "لم يتصرف كوزير خارجية لسوريا بل بوصفه بعثيًا، وعلى هذا الأساس بدأت مفاوضات الوحدة وتمّت الوحدة مع مصر".

تم إعلان الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير/ شباط 1958، بعد حل الأحزاب والمجلس النيابي في كل من دمشق والقاهرة لتبدأ سوريا عهدًا جديدًا لم تعرفه من قبل.

الأكاديمي والطيار السابق المسرّح عبدالحق الهوّاس

ويرى الهوّاس أن "انطلاق عبد الناصر من حلّ الأحزاب على الساحة السورية هو من باب إنهاء الرأي والرأي الآخر وحرية الصحافة وحرية الإعلام وحرية المواطن".

ويلفت إلى أن "المواطنين لم يكونوا على وعي كامل بذلك، وكانوا عاطفيين ومندفعين، وأصبح عبدالناصر بالنسبة لهم قائدًا ولدته الأمة، كما يُقال".

أما شعيبي فقد كتب في مذكراته أن "عشرات الألوف من المواطنين في دمشق كانوا يبيتون طوال الليل أمام قصر الضيافة ليشاهدوا في صبيحة اليوم التالي الرئيس جمال عبدالناصر، أول رئيس جمهورية لأول وحدة عربية".

وروى أن الناس لم يكنوا "بحاجة لمن يدعوهم أو ينظموا لهم مسيراتهم وحشودهم الضخمة لإقامة الأعراس في كل مكان. كان حبهم للوحدة ولجمال عبدالناصر هو الذي يدعوهم ويرتب لهم صفوفهم وأعلامهم وطبولهم ومزاميرهم". 

وأردف بالقول "إنها أعراس لم تشهد مثلها أمة أو دولة على مر العصور".

إلى ذلك، اتُخذت القاهرة مع قيام الجمهورية العربية المتحدة عاصمة للدولة الوليدة. وتم تعيين مجموعة من الضباط والسياسيين السوريين في مناصب وزارية ودبلوماسية.

وشغل أكرم الحوراني منصبَي نائب الرئيس ووزير العدل المركزي، بينما تسلّم أمين النفوري منصب وزير المواصلات.

ويعتبر الأتاسي أن سوريا بعد فبراير 1958 لم تعد كما كانت من قبله، عارضًا لاختلاف الأوضاع بين القاهرة ودمشق.

ومما يذكره أن مصر كانت ذا اقتصاد مغلق فيما كان اقتصاد سوريا مفتوحًا، وبخلاف الليرة السورية التي كانت في أوج قوتها، لم يكن الجنيه كذلك. ويشير إلى الحركة المصرفية في سوريا، بينما كانت المصارف مؤممة في مصر".

من جانبه، يتوقف الهوّاس عند ما يصفه بالنظرة الاستعلائية، موضحًا أن "الضباط المصريين الذين جاؤوا إلى سوريا كان في ظنهم أنهم أتوا لتعليم السوريين وكان ذلك من أكبر الأخطاء". كما يلفت إلى اعتقاد "الضابط المصري أن الضابط السوري أدنى منه مستوى".

مقتل فرج الله الحلو في السجن

زُج بالزعيم الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو في السجن أواخر يناير عام 1959، بعد اكتشاف تسلله إلى الأراضي السورية. وأدى العنف المفرط الذي مورس ضده خلال التحقيق معه إلى مقتله على أيدي عناصر الشعبة الثانية.

في ذلك الحين، انتشرت رواية تتهم السرّاج بالمسؤولية المباشرة عن الحادث خلال التحقيق معه، الأمر الذي أثار استياء شعيبي الذي كان يعتقد ببراءة السرّاج ملقيًا اللوم على وجيه أنطاكي أحد عناصر المكتب الثاني.

فكتب شعيبي في مذكراته يقول إن "لا علاقة لعبد الحميد السرّاج بهذه الحادثة، بدليل أنه قد أوعز بإجراء التحقيق وتقديم المسبب بالوفاة للقضاء والحكم عليه بالسجن". 

وأكد أن "هذه الحادثة كانت تصرفًا فرديًا جرى من قبل المحققين في المفرزة"، مشيرًا إلى أن السرّاج لم يعلم بها إلا بعد وقوعها خلافًا لما جاء في مذكرات أكرم الحوراني، الذي اتهم السرّاج بممارسة القتل والتذويب بالأحماض للموقوفين".

لكن الهوّاس يشدد على أن عبد الحميد السراج "كان إنسانًا مجرمًا يذيب الناس في الأسيد"، مشددًا على أن "قضية فرج الله الحلو حقيقة، وقد تم تقطيعه وتذويبه".

ويذكر بأن "شخصيات انتحرت داخل السجن من شدة التعذيب، وآخرين قُتلوا من شدة التعذيب، ثم جاء بعد ذلك حكم البعث ووصلنا إلى هذا الدمار والقتل والروح المخابراتية، التي تتدخل في أدق تفاصيل الإنسان".

من جانبه، يلفت الأتاسي إلى أن السرّاج بعد قيام الوحدة وسّع نشاطه، وتشكلت المخابرات العامة وكانت نواتها المكتب الثاني، وأصبح رئيسًا للمكتب التنفيذي ومسؤولًا عن الاتحاد القومي أو التنظيم الحزبي الذي أنشأه عبدالناصر، وأصبح بالتالي حاكمًا أوحدًا في سوريا.

ويرى أن عبدالناصر عندما تنبّه إلى الأمر أرسل عبد الحكيم عامر ليحل محل السرّاج.

الانقلاب العسكري في سبتمبر 1961

بينما خلت شوارع دمشق من كل شيء سوى البطش الأمني وبات التذمر من قرارات التأميم والإصلاح الزراعي يتصاعد في البلاد، بات التخوّف في القاهرة واضحًا من ظهور حركة انفصالية في الإقليم الشمالي.

على الإثر، عملت الحكومة المركزية إلى نقل الضباط السوريين إلى الإقليم الجنوبي، لكن العقيد عبد الكريم النحلاوي ورفاقه باغتوا دولة الوحدة بانقلاب عسكري فجر 28 سبتمبر/ أيلول عام 1961.

وازداد إحباط فوزي شعيبي بعد أن تصدّر عنوان "لا وحدة مع الديكتاتورية" الصفحات الأولى في الجرائد. 

وغلبته الحسرة عندما تذكر شريطًا لأحد المشاركين في عملية الانقلاب، قال إنه كان قد أرسله إلى المخابرات المصرية قبل الانفصال لعرضه على عبد الناصر، لكن مصيره انتهى في الأدراج المغلقة..

فما الذي أورده في مذكراته في هذا الصدد، وماذا عمّا خطّه حول تفاصيل مرحلة ما بعد الانفصال في مصر وإيفاده إلى بيروت عام 1962 لتقصي المعلومات عن الانفصاليين، ومحطات أخرى من بينها حرب 1967 خلال تواجده في مصر ولقائه حافظ الأسد بعد عودته إلى سوريا؟ الإجابات في الحلقة المرفقة من مذكرات.

المصادر:
العربي
شارك القصة