Skip to main content

مجرم حرب البوسنة.. شهادات تروي وقائع محاكمة برالياك وانتحاره بالسمّ

الأحد 9 أكتوبر 2022

بدأ العدوان على البوسنة والهرسك بعد استفتاء شعبي وافق فيه 99% من مسلمي البوسنة على الانفصال عن يوغوسلافيا عام 1992. ونتج عن الحرب الكرواتية البوسنية أكثر من 200 ألف قتيل ومليوني لاجىء ونازح، و60 ألف حالة اغتصاب.

وكان سلوبودان برالياك، أحد الجنرالات الكروات الذين خدموا في الجيش الكرواتي في البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995. وأُدين بارتكاب جرائم حرب ضدّ السكان البوسنيين، مع خمسة مسؤولين آخرين عام 2013، وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا، لكنه رفض حكم المحكمة، وانتحر متجرعًا السمّ في قاعة المحكمة خلال سماع حكم إدانته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

وقال حسين الوائلي، صحفي وشاهد على لحظة الانتحار: إن برالياك كان شخصية قومية كرواتية، سُحرت بالواقع السياسي في البلاد، خاصة عندما كان مستشارًا لوزارة الدفاع الكرواتية، ودافع عن المسألة الكرواتية.

وأشار الوائلي إلى أنه كان مسؤولًا عن ارتكاب مجازر في البوسنة والهرسك، وقُتل على اثرها 8 آلاف شخص في البوسنة.

"المسؤول الأكبر"

بدوره، أوضح فخر الدين بيغوويتش، الأستاذ الجامعي والشاهد في المحكمة الجنائية الدولية، أن برالياك كان قائدًا للجزء الجنوبي من البوسنة والهرسك، وهو "منصب مهم جدًا" في الجيش الكرواتي، ومسؤولًا عن جرائم عديدة في البلاد، منها: هدم 13 مسجدًا في إحدى القرى وتحويلها إلى مواقف للسيارات، وهدم جسر موستار، التحفة المعمارية العالمية، وتدمير جميع آثار العمارة الإسلامية، ومقتل أكثر من 100 ألف مسلم بوشناقي، واغتصاب حوالي 50 ألف إمرأة،

من جهته، قال توبي كادمان، متخصّص في القانون الجنائي الدولي: إن برالياك ربما يكون "المسؤول الأكبر" عن جرائم الحرب المرتكبة في يوغوسلافيا، لذلك كان من المهم أن يُحاكم لأنه ترأس إبادة جماعية ضدّ المسلمين.

أما عامر ديوليتش، المعتقل السابق والشاهد في المحكمة الجنائية الدولية، فاعتبر أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وإدارته قاما بعمل جيد، من خلال إنشاء محكمة جرائم الحرب في لاهاي.

وأشار الوائلي إلى تنافس روسي-غربي على تفكيك دول البلقان، فاقتصّت أوروبا من برالياك بشكل قانوني عبر المحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي، مضيفًا أن هناك الكثير من التهم التي كانت تلاحق برالياك، لكن التهمة الأساسية هي قتل 8 آلاف شخص في البوسنة والهرسك، أغلبهم من المسلمين.

شهادات أمام الجنائية الدولية

أدلى ديوليتش بشهادته أمام الجنائية الدولية ضدّ برالياك، في الفترة الممتدة بين 1 و5 ديسمبر/ كانون الأول 2006. وأوضح أنها كانت المرة الأولى التي يدخل فيها إلى قاعة محكمة، وأنه شعر بالغضب من جلوسه وجهًا لوجه مع أشخاص "كان هدفهم تدميري وتدمير عائلتي وبلدي".

وأضاف: "في تلك اللحظة، يختفي الخوف، ويشعر الشخص بالفخر إزاء قدرته على الإدلاء بشهادته".

وقال: "كوني كنت قاصرًا انتهى بي الأمر في معسكرات الهرسك والبوسنة، حيث قضيت 233 يومًا ضمن أربعة مخيمات، ساهمت شهادتي أمام المحكمة على مدى يومين، بشكل كبير في الحكم، لأنني تذكّرت الأسماء والتواريخ والأحداث في تلك الفترة حتى تاريخ المحاكمة".

وأضاف ديوليتش: "كان المتّهمون على بُعد أمتار منّي، نظرت إلى كل واحد منهم على حدة، وقلّة منهم كانت لديهم الشجاعة للنظر في عيني؛ فيما استمع بعضهم للشهادات، وضحكوا أحيانًا بسخرية منها".

وشرح أن برالياك "كان يضع يده على ذقنه أحيانًا، وغالبًا ما كان يخلع سماعات الرأس، ثمّ يشغّلها. كان عصبيًا، وربما الأكثر مسؤولية لأن الانتهاكات التي ارتكبها جنوده كانت إما بأمر منه أو دون علمه، ما يعني أنه لم يكن مسيطرًا على الجنود".

من جهته، أوضح الوائلي أن دور الشهود كان مهمًا جدًا في الحكم على برالياك، كما أن المحكمة سمحت له بتقديم شهوده، وتعيين محامين للدفاع عنه، "لكن ذلك لم يشفع له، لأن العالم كان شاهدًا على جرائمه".

انتحار برالياك

وأوضح أنه خلال اقتياده إلى المحكمة، كان برالياك يظن أن الحكم الذي سيصدر بحقه لن يتجاوز 20 إلى 25 عامًا. وفي ذلك الوقت، كان يبلغ من العمر 72 عامًا، أي أنه مع انتهاء فترة سجنه سيكون قد بلغ أعوامه الـ92.

وأضاف أنه لذلك اختار برالياك أن يموت بطريقة "مشرفة له" بدلًا من الموت في السجن، فتجرّع السمّ أمام المحكمة.

وقال إنه خلال 15 دقيقة من نقله من قاعة المحكمة، تُوفي برالياك في المستشفى، حيث جرى تشريح جثته، وفُتح تحقيق لمعرفة كيف وصل السمّ إليه.

لحظة تجرع برالياك السم في أثناء المحاكمة - غيتي

وأكد أنه "اضطر إلى تجرّع السمّ، حتى لا يظهر ضعيفًا أمام أعدائه، وتحديدًا الأوروبيين الذين تخلّوا عنه".

بدوره، اعتبر ديوليتش أن "برالياك لم يكن مستعدًا لتحمّل اللوم، لذلك انتحر"، مضيفًا أن ما فعله برالياك "ليس شجاعة، لأن الشجاعة هي إثبات الحقيقة. فإذا اعتقد أن جنوده لم يرتكبوا الجرائم، كان عليه أن يُثبت ذلك للمحكمة. إلا أن انتحاره لم يغيّر شيئًا، لأنه لا يزال مجرمًا ولن نسامحه على ما فعله".

من جهته، اعتبر كادمان أن برالياك "لم يتحمّل فكرة قضاء بقية حياته في السجن، وشعر أن لا مخرج له سوى الانتحار"، مضيفًا أن نهايته كانت مأساوية بالنسبة للضحايا، لأنه لم يُعاقب قانونيًا، وهم لم يحصلوا على حقوقهم".

وشرح الوائلي أن التحقيق أظهر أن برالياك "تناول حامض يحتوي على كميات كبيرة من البوتاسيوم، وهو غير محظور، لكن لم يُعرف من أدخله له إلى السجن، وأُغلق التحقيق من دون معرفة نتائجه".

وقال بيغوويتش إنه طلب أن يكون شاهدًا على جرائم الذين اقتادونه إلى معسكر الاعتقال، وعذّبوه، وسجنوه بعد إغلاق معسكر الاعتقال.

وأضاف: "التقيت به في لاهاي، وأجرينا حوارات ممتعة؛ انتهى به الأمر كممثل مسرحي. كان غير قادر على الاعتراف بالجرائم الهائلة التي ارتكبها، ولم يكن قادرًا على إدراك تورّطه الكبير فيها، ومسؤوليته المباشرة عنها".

وأضاف أنه حتى مع وفاة برالياك، "لا يزال الذين شنّوا الحرب على المسرح السياسي مستمرين بالسياسات ذاتها".

المصادر:
العربي
شارك القصة