Skip to main content

مذكرات سعدون حمّادي.. من نشأة البعث وحكم صدام إلى سجن أبو غريب

الجمعة 17 فبراير 2023

عام 1958، أعلنت إذاعة بغداد إنهاء الحكم الملكي في العراق، وبداية عصر الجمهورية.

وكان حزب "البعث العربي الاشتراكي" في العراق، الذي تأسّس عام 1952 برئاسة فؤاد الركابي، جزءًا من المشهد العراقي، وفاعلًا أساسيًا في الكثير من الأحداث منذ إعلان الجمهورية العراقية، وحتى سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

لكن على الرغم من ذلك، كانت كثير من تفاصيل تلك الحقبة طي الكتمان، لتأتي شهادات رجال السلطة ممن عاصروا صعود البعث في العراق لتحكي كثيرًا من كواليس تلك الفترة، كمذكرات الوزير جواد هاشم، في كتابه "مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام".

غير أن الشهادة الأهم هي شهادة الدكتور سعدون حمّادي، أحد مؤسسي "حزب البعث" في العراق.

من هو حمّادي؟

حمّادي هو دكتور الاقتصاد الذي شغل العديد من المناصب الوزارية في الدولة العراقية، فكان وزيرًا للإصلاح الزراعي، ورئيسًا لشركة النفط العراقية، ووزيرًا للنفط.

وفي عام 1974، تولّى وزارة الخارجية العراقية حتى عام 1983. بعدها أصبح نائبًا لرئيس الوزراء، ثمّ رئيسًا للوزراء في أعقاب حرب الكويت.

كان منصب رئيس المؤتمر الوطني العراقي هو آخر منصب رسمي تولّاه الحمّادي حتى الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

صدرت مذكراته عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "أوراق سعدون حمّادي..مذكّرات وتأمّلات".

وقال الدكتور طاهر كنعان، نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، في حديث لبرنامج "مذكرات"، إن حمّادي من الشخصيات البعثية الأكثر احترامًا".

بدوره، أوضح الدكتور عبدالوهاب القصاب، زميل زائر في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن، في حديث إلى "العربي"، أنه عمل حوالي سنة ونصف على هذه المذكرات، التي صدرت في ثلاثة مجلدات، ولذلك بات يعرف كيف يفكر حمّادي.

وكان حمّادي واحدًا من مؤسسي "حزب البعث" في العراق عام 1952، بعدما انضمّ إليه عام 1949، خلال دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت.

ويقول حمّادي في مذكراته: "كانت سنوات دراستي في لبنان بداية اطلاعي على ما هو خارج مسقط رأسي. رأيت بلدًا عربيًا جديدًا، واتصلت بعرب خارج العراق. وفيه تبلور تفكيري السياسي، واستقرّ داخلي الاتجاه القومي التقدّمي".

ويضيف حمّادي: "كانت تلك الفرصة هي المجال لرؤية شيء من جمال الطبيعة. وعشت في محيط جامعي غير ما اعتدنا عليه، فهو محيط مختلط توجد فيه المرأة. وهو أمر شهدته بانفعال، فتفتّحت مشاعر الشباب في نفسي".

كانت الجامعة الأميركية في بيروت مسرحًا للصراع بين الأفكار القومية والشيوعية. وكان حمّادي أقرب إلى الفكر القومي، وهو ما دفعه للتعرّف على حركة البعث العربي التي أسّسها ميشال عفلق. 

وأصبح حمّادي واحدًا من مؤسسي حزب البعث العربي في العراق.

وقال القصاب: "كان حمّادي أحد ثلاث مرجعيات نقلت فكر البعث العربي الاشتراكي إلى العراق. وتحديدًا في كربلاء ومحيطها، والناصرية ومحيطها، وفي بغداد عبر الطلبة السوريين الذين كانوا يدرسون في دار المعلمين العالية وبقية كليات جامعة بغداد الأخرى".

الجمهورية العربية المتحدة

عام 1958، أعلن جمال عبد الناصر من دمشق، ميلاد الجمهورية العربية المتحدة. شقّت الوحدة بين مصر وسوريا طريقها سريعًا، لكن عبد الناصر اشترط حلّ الأحزاب السورية لإنجاز الوحدة. 

وكان هذا الشرط مخيبًا لآمال البعثيين، وأحدث اضطرابًا كبيرًا في تنظيمات البعث خارج سوريا، وتحديدًا في العراق؛ وهو ما دفع قيادة بعث العراق لإرسال حمّادي إلى دمشق، من أجل مهمة واحدة، وهي اقناع بعث سوريا بخطورة حلّ الحزب.

ويقول حمّادي في مذكراته: "سافرت إلى دمشق عن طريق بيروت. وحضرت اجتماعًا للقيادة كان فيه ميشال عفلق، وصلاح البيطار، وأكرم الحوراني. وأوضحت لهم مهمتي، فحصل نقاش وكلام عام وانفض الاجتماع من دون أن أحصل على جواب محدد عن السؤال الذي أتيت من أجله: لماذا حُلّ الحزب في سوريا؟ وكان ذلك معتادًا، نقاش من دون قرار محدد حاسم".

ويضيف: "لم يكن الجو في صفوف الحزب في العراق مؤيدًا لقرار حل الحزب في سوريا. إلا أنهم سكتوا لأنه صادر من أعلى قيادة، وثمنه الخطوة الوحدوية الأولى".

ثورة 1958

 بعد أشهر من الوحدة بين مصر وسوريا، وتحديدًا في 14 يوليو/ تموز 1958، كانت الإذاعة في بغداد تصدح بأخبار الثورة التي قام بها مجموعة من الضباط العراقيين. 

وبعد يومين من الثورة، تولّى حمّادي إدارة "جريدة الشعب"، التي كانت تصدر في العهد الملكي، وتُصدر طبعتها الجديدة باسم "جريدة الجمهورية".

لكن الخلاف سرعان ما بدأ يتسلّل بين الضباط، وتدريجيًا تحوّل الخلاف إلى انقسام للسلطة بين جناحين: جناح قومي يقوده عبدالسلام عارف، وجناح آخر تدعمه الأحزاب الشيوعية على رأسه عبدالكريم قاسم.

وكان جوهر الخلاف هو الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة. وكان عارف، ومن ورائه الاتجاه القومي بمن فيهم حزب البعث، يرى ضرورة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة؛ في حين كان قاسم والحزب الشيوعي، يريدان استقلال العراق وإنشاء اتحاد فيديرالي.

وقال كنعان لـ"العربي"، إن الشيوعيين لم يكونوا صريحين بمعاداة الوحدة، بل أشاروا إلى أنهم مع الوحدة لكن وحدة فيديرالية لا اتحادية. لكنها كانت كلمة حقّ، أُريد بها باطل".

من جهته، قال القصاب إن عارف هو من نفّذ الانقلاب، حيث قام باعتقال ياسين محمد رؤوف، آمر اللواء العشرين الذي ينتمي إليه، وتولّى قيادة اللواء، ودخل إلى بغداد".

وأضاف أن اللواء كان في طريقه إلى الأردن لتبديل اللواء الرابع عشر الذي كان موجودًا هناك. ووجدها قائدا الثورة عارف وقاسم فرصة غير متاحة لتغيير النظام الملكي، خصوصًا وأن الملك وولي العهد كانا في طريقهما إلى اسطنبول لحضور مؤتمر حلف بغداد السنوي. ولذلك عندما دخل عارف إلى بغداد، احتلّ الإذاعة وقام بالقاء البيان الأول".

ويفرد حمّادي في مذكراته مساحة للحديث عن شخصية كل من عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام عارف. 

عبدالكريم قاسم الضابط الذي انضمّ لـ"حركة الضباط الأحرار" العراقية، ثمّ أصبح رئيسًا لها عام 1957. ثمّ مع انقلاب عام 1958، أصبح رئيسًا للوزراء.

ويصف الحمّادي قاسم بـ"الرجل غريب الأطوار، كان همّه أن يحكم ويستمرّ في الحكم. وفي طريقه لذلك، انتهج سياسة عنيفة في الحكم".

أما عبدالسلام عارف، الذي كان من ضبّاط "حركة الضباط الأحرار"، والذي كان له دور كبير في الانقلاب، فوصفه حمّادي بأنه "شخص انتهازي في قوميته وتديّنه، وحتى في علاقته بحزب البعث وعبدالناصر".

ويضيف حمّادي: "كل منهما يرى أنه الثورة، بل أن كلًا منهما كان يرى أنه هو العراق. كان الصدام بين قاسم وعارف، مسألة وقت".

السجن في ليبيا

بعيدًا عمّا يدور من صراعات في العراق وسوريا، سافر حمّادي إلى ليبيا للعمل في قسم البحوث في البنك الوطني الليبي.

وفي ليبيا بدأ حمّادي العمل على تنظيم حزب البعث في ليبيا. لكن بشكل سرّي. وكانت أول مهمة للمجموعة التي تشكّلت في ليبيا، إصدار بيان عنوانه "الديمقراطية، والجلاء، والوحدة العربية، هي أهداف الشعب.

تم توزيع البيان سرًا في ذكرى الاستقلال، لكن هذا البيان كان سببًا في كشف التنظيم، والقبض على المجموعة بمن فيهم سعدون حمّادي. ووُجّهت لهم تهمة محاولة القيام بانقلاب. وحُكم على حمّادي بالسجن لمدة سنة. 

خرج حمّادي من السجن في طرابلس، إلى السجن في بغداد، حيث قُبض عليه فور وصوله إلى مطار بغداد، بعد تصاعد الخلاف بين عارف وقاسم، في وقت كانت فيه السجون العراقية مليئة بالبعثيين والشيوعيين والأكراد.

انقلاب 1963

لكن انقلابًا آخر أكثر دموية قد وقع في العراق في الثامن من فبراير/ شباط 1963.

ويروي حمّادي في مذكراته: "في المساء نودي علي من إدارة السجن، وقيل لي إن هناك أمرًا بالإفراج عني. أخذتني سيارة عسكرية إلى الإذاعة حيث كان مقر القيادة. وفي صباح اليوم التالي، أصبحت وزيرًا للزراعة. وكان ذلك مفاجأة لي".

في أثناء وجوده في مقر القيادة باعتباره وزيرًا، يصف حمّادي مشهد النهاية لعبد الكريم قاسم. فيقول: "أحضروا قاسم إلى مقرّ القيادة ومعه فاضل المهداوي. كان قاسم في هذه اللحظة متماسكًا".

ويُضيف أن "عبدالسلام عارف، الذي أصبح رئيسًا للجمهورية، جمع أعضاء المجلس الوطني لقيادة الثورة، وقال لهم الإعدام للجميع. ويقصد بذلك عبدالكريم قاسم ومن معه من الضباط. وما هي إلا لحظات حتى بدأ إطلاق النار".

ويقول حمّادي إنه دخل الغرفة التي جرت فيها عملية الإعدام، و"كانت مليئة بدخان الرصاص، وكان قاسم والمهداوي وآخرون قتلى على كراسيهم. كان المشهد مؤثرًا".

 ويكتب حمّادي في مذكراته: "لم نستطع أن نبحث موضوع الوحدة بهدوء في العراق، بعد 14 يوليو 1958، لنتّخذ موقفًا يجنّب البلاد الانقسام. لم نفعل شيئًا غير رفع شعار الوحدة. التمحور حول شخص من أسوأ الأشخاص الذين تولوا المسؤولية منذ أن تعرّفت عليهم وهو عبدالسلام عارف".

عهد عبدالسلام عارف

بعد أشهر من وصول عبدالسلام عارف إلى الحكم، بدأ الخلاف بين عارف والبعثيين الذين أوصلوه للحكم يسيطر على المشهد العراقي. 

ووصل الأمر في النهاية إلى إطاحة عارف بالبعثيين من السلطة، بل وإلقاء الكثير منهم في السجون. وأصبح حزب البعث ممنوعًا من العمل السياسي.

وفي هذا الإطار، قال القصاب: "البعثيون اختاروا مجابهة عبدالناصر، في حين أن القوى القومية وعبدالسلام عارف كانوا من المؤمنين بقيادة عبدالناصر للعمل القومي العربي. ومن هنا بدأت الصدامات".

لم يكن سعدون حمّادي بعيدًا عن التنكيل الذي انتهجه عارف ضد البعثيين. فصدر قرار بالاستغناء عن إدارته لجريدة الجمهورية. كما صدر أمر بالقبض عليه وهو ما دفعه إلى مغادرة العراق نحو سوريا.

لكن الحال في دمشق لم يختلف كثيرًا عن بغداد. فتعرّض في سوريا للملاحقة والتضييق.

وعن ذلك، يقول حمّادي في مذكراته: "بدأت محاربتي في دمشق، لدرجة أن الاستخبارات السورية فتّشت بيتي أثناء غيابي. وعندما ذهبت إلى عبدالكريم الجندي الذي كان مسؤولًا عن الاستخبارات، لم يعطني جوابًا عمّا حدث. فحزمت أمري بالعودة إلى العراق، في وقت كانت ثورة 17 يوليو 1968 قد اندلعت في العراق".

انقلاب يوليو 1968

بعد 13 يومًا فقط من نجاح انقلاب يوليو 1968، وأصبحت السلطة فعليًا في يد البعث. وعاد سعدون حمّادي إلى بغداد دون وظيفة أو منصب. 

فكتب رسالة إلى أحمد حسن البكر، الذي أصبح رئيسًا للعراق، فعاد حمّادي للعمل مرة أخرى في الدولة عبر وزارة النفط.

يحكت حمّادي أنه في ذلك الوقت، التقى صدام حسين، الذي كان يشغل آنذاك منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، قرب جسر الصرافية، وعرض عليه صدام أن يكون رئيسًا لشركة النفط الوطنية.

 ويقول حمّادي: "أجبته بالإيجاب. كان ذلك في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1968. وعام 1970، أصبحت وزيرًا للنفط. وكانت مدة عملي في الفترة التي برزت فيها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والتي احتدم فيه الصراع مع شركات النفط العالمية، وحدث فيها التأميم والأزمة النفطية، وارتفاع عوائد الدول المنتجة".

ويضيف: "كان قرار تأميم الصناعة النفطية، تاريخيًا. ويعود الفضل فيه للرفيق صدام حسين".

لكن المنصب الأهم الذي تحدّث عنه سعدون حمّادي في مذكراته، هو منصب وزارة الخارجية العراقية التي تولّاها عام 1974 ولمدة ثماني سنوات.

أما الشهادة الأهم في عمله في وزارة الخارجية، كانت لقاءه السري بنظيره الأميركي هنري كسينجر في فرنسا في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1975.

وعن هذا اللقاء، يقول حمّادي: "كان انطباعي عن كسينجر أنه يعمل بالدرجة الأولى لمصلحة إسرائيل. كما أنه لم يكن صادقًا عندما برّر الدعم الأميركي للتمرّد الكردي شمال العراق، على أساس أن العراق دولة تابعة للاتحاد السوفيتي. كان همه هو تليين موقف العراق، وجرّه إلى موقف الأنظمة العربية المهادنة".

ويضيف: "كسينجر لطيف بكلماته، ويحاول عبثًا أن يوحي إليك بأنه صادق؛ وهو غير ذلك، بل مراوغ وذو سريرة غير نقية.

عهد صدام حسين

مع وصول صدام حسين إلى الحكم عام 1979، تغيّرت الكثير من الأمور. أحكم صدام قبضته على العراق. وانتهت القيادة الجماعية لحزب البعث، وحلّ بدلًا منها القائد الرمز.

خاض صدام حربًا طويلة مع إيران، لمدة 8 سنوات، خرج منها منهكًا وغاضبًا، حيث عانى من وضع اقتصادي مأزوم. 

وأمام هذا الوضع، يحكي حمّادي في مذكراته أنه اقترح على صدام حسين القيام بجولة في دول الخليج لإيضاح وضع العراق المالي الصعب وحاجته إلى الدعم.

ويقول إن صدّام "لم يكن متحمّسًا في البداية، إلا أنه وافق في نهاية الأمر".

وبدأت رحلة حمّادي الخارجية إلى الإمارات. ويقول حمّادي: "قابلت الشيخ زايد، رئيس دولة الإمارات، بدا شابًا نشيطًا، فشرحت له المهمة. كان الشيخ زايد متعاطفًا وراغبًا في المعاونة. لكنّه قال في نهاية المقابلة، إن علينا أن نقنع السعودية أولًا عندما نعرض موضوعًا على دول الخليج. فإذا قالت السعودية نعم، فنحن والآخرون نقول نعم".

ويضيف: "ثم قال لي لقد سبق لهم أن قدموا مساعدة من دون رأي السعودية، وحصلت ملامة على ذلك".

غزو الكويت

في الثاني من أغسطس/ آب عام 1990، اقتحمت وحدات من الجيش العراقي الحدود الكويتية لاحتلالها. ومع حلول عام 1991، ومع الضغط الكبير والحصار الذي فُرض على العراق، قرّر صدام أن يكون حمّادي رئيس وزراء العراق.

تولّى حمّادي منصبه في مرحلة صعبة، حيث كان الاقتصاد العراقي يعاني من ويلات الحرب. فتعرّض لهجوم شديد من الدوائر المقرّبة لصدام حسين، وخاصة حسين كامل، زوج رغد ابنة صدام حسين، والذي حمّل حمّادي مسؤولية ما يعانيه العراق من مشكلات اقتصادية.

وفي هذا الإطار، يكتب حمّادي في مذكراته: "إن الذين بدأوا النقد هم حسين كامل، وسبعاوي إبراهيم الحسن. وحسين كامل، اسم لم أكن أعرفه من قبل، فقد ظهر حديثًا. وهو لم يُعرف مناضلًا بعثيًا، بل ضابطًا صغيرًا صعد سلم المسؤولية لأسباب تتعلّق بولائه للسيد الرئيس صدام حسين، وقدراته في التنفيذ".

ويضيف: "هكذا أدركت أن الثورة بدأت تأكل مناضليها. وذهبت إلى بيتي، وفي نفسي مرارة من صعود الطارئين في سلم الحزب".

وأوضح كنعان أن "من مصائب العراق هو حسين كامل".

بدروه، قال القصّاب إن حسين كامل "خان العراق، والأمانة. وسرق ونهب، ثمّ هرب من العراق".

الغزو الأميركي للعراق

عام 2003، غزت الولايات المتحدة العراق. ثلاثة أسابيع من الحرب المتواصلة، كانت كفيلة باستسلام العراق، وسقوط بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان 2003.

وعن هذا الغزو، يتحدث حمّادي بألم شديد، فيما الأهم في شهادته، هي تجربة السجن في أبو غريب.

ويكتب، في مذكراته: "أجرى ضباط الاستخبارات نحو أربع جلسات تحقيق، وكانت الأسئلة تدور حول نظام الحكم وأشخاصه، والتحليلات السياسية، وأسئلة من نوعية كيف، ولماذا، ومتى، ومن هو. كان ردّي أنني لست في الدائرة الداخلية للدولة من زمن بعيد، ولا أملك معلومات خاصّة. فقال لي المحقّق إذا ما غيّرت رأيك يُمكنك الاتصال بي. فقلت له لا أعتقد ذلك. فقال لي إذن ستبقى في هذه الحفرة".

وأوضح كنعان أن حمّادي دخل السجن في لبنان، وليبيا، وغير مكان، إلا أن أسوأ تجربة كانت السجن تحت الاحتلال الأميركي حيث عانى كثيرًا".

بعد تسعة أشهر من السجن، أُفرج عن حمّادي، لكنه اضطر للخروج من العراق إلى الأردن دون عمل أو دخل مادي. فانتقل إلى بيروت، ثمّ كانت محطته الأخيرة في الدوحة، حيث كتب مدوّنات ما بعد الاحتلال، وتأمّل النظام السياسي في عراق ما بعد الغزو. 

تميّز سعدون حمّادي عن غيره من قيادات الحزب من العراقيين، لأنه كان قد حصل على شهادة الدكتوراه في جامعة أميركية، وله نشاط ثقافي، بل يمكن القول إنه من أكثر القياديين البعثيين العراقيين نتاجًا فكريًا منشورًا.

ولذلك يركّز في المذكرات على أدواره الثقافية، وهو يرى أن أهم عمل ثقافي قام به هو جمع مقالات ميشال عفلق، وطبعها تحت عنوان "في سبيل البعث".

وشارك مع بشير الداعوق في تأسيس مجلة "دراسات عربية". كما أسهم في تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية، ونشر الكثير من الدراسات والكتب عن القومية.

قدّمت مذكرات سعدون حمّادي قراءة لمرحلة دقيقة من تاريخ العراق، إلا أن المذكرات ابتعدت عن الكثير من الأحداث المهمة. فالرجل الذي كان قريبًا من دوائر حزب البعث، ومن صدام حسين، لم يُفرد في مذكراته مساحة كافية للحديث عن شخصية صدام، وعن طريقة إدارته للدولة العراقية، خاصّة في الأحداث المهمة. 

وفي هذا الإطار، قال كنعان: "كانت علاقة حمّادي بصدام ايجابية، وتتميّز بالصداقة والمودة".

ويقول حمّادي: "لم أدوّن كل ما أُعده مهمًا، فقد بقي شيء احتفظ به لنفسي. فليس كل ما يُعرف يُقال، وإن كان لا بدّ أن أقول عن ذلك شيئًا، فهو أن دافعي للحجب هو المصلحة العامة، كما اتصوّره أنا. وآمل أن أكون مصيبًا فيما ذهبت إليه".

ويُضيف: "لا بد من التنويه خدمة الحقيقة، وهو أن قضية الديمقراطية لم تكن شاغلي الوحيد، بل كانت المسألة القومية الهاجس المهم عندي. وكنت دائمًا منذ صغري، أقدّر الانضباط واحترام النظام إلى حد بعيد. لذلك حرصت على أن يكون النقد بصوت منخفض، ويراعي المخاطر المحيطة، ويتجه نحو الخطر الأهم قبل المهم".

المصادر:
العربي
شارك القصة