Skip to main content

من سجلات جرائم الاحتلال.. خمس دقائق بين الحياة والشهادة في حرب غزة 2014

السبت 15 مايو 2021
بعد مرور الدقائق الخمس على الإنذار تقصف طائرات الاحتلال المنزل المقصود وتسويه بالأرض

تعمّدت إسرائيل استهداف منازل المدنيين بشكل واسع خلال الحروب التي شنتها على غزة، على الرغم أن القانون الدولي ينص على منع تدمير الممتلكات لبث الذعر في صفوف المدنيين أو الانتقام منهم. 

وتفاديًا لملاحقته ومحاكمته في المحكمة الجنائية الدولية، يلجأ الجيش الإسرائيلي إلى منح المدنيين خمس دقائق قبل قصف منازلهم، وهي بالتأكيد مدة غير كافية لإخلاء المنزل من السكان الذين يعيشون في أجواء الحرب.

إذن "هي خمس دقائق تفصل بين الحياة والشهادة"، وصفها لـ"العربي" بعض من عاشها في أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014.

استنفار لإنقاذ الأرواح

لم يتوقع بشير الرملاوي أن يتم تدمير منزله في غزة، فلا يوجد مطلوبين من أفراد عائلته، وأقرباؤه موظفون مدنيون.

اتصل أحد ضباط جيش الاحتلال بابن بشير، محمود الرملاوي، ينذره بضرورة إخلاء الدار في خمس دقائق.

كان محمود في طريقه إلى المنزل عائدًا من المسجد، حاول أن يساوم لمنع تفجير المنزل. يقول محمود لـ"العربي": "تشعر وكأن تلك الدقائق الخمسة لا تتعدى نصف دقيقة".

أغلق محمود الهاتف وأخذ يعدو بسرعة فوصل إلى المنزل ليخبر والده. يصف بشير تلك اللحظات بأنها الأصعب في حياته، فلقد تجمّع في المنزل في تلك اللحظات قرابة الـ100 شخص بينهم أطفال ونساء.

استنفر الجميع لإنقاذ الأرواح، ولتفقد النيام والأطفال والنساء والأقرباء، وكادوا ينسون الجدة.

يقول محمود: "الكل بدأ بالجري لتفقد الأقرباء". ويصف تلك اللحظات: "الجميع يجري في الشارع، شعرت أنني أشاهد أحد الأفلام وأن ما نعيشه ليس حقيقة".

يمشي الأطفال في الشارع ويجهشون بالبكاء. يعبّر بشير عن الحالة بدقة: "البعض خرج حافي القدمين.. لحظة صعبة لا يتحملها البعض".

لكن محمود قرر أن يشاهد ماذا سيحصل بعد مرور الدقائق الخمسة، فوقف في زاوية من زوايا الشارع. وفي الوقت المحدد فجرت طائرات الاحتلال المنزل، وغطى الدخان والغبار المكان. وبعد قليل من الوقت انقشعت الرؤية وشاهد محمود الأسقف المتراكمة.

يصف محمود المشهد: "انتشرت حاجياتنا وبقايا المفروشات في الشارع، حتى النقود أو الذهب أصبح في الشارع فلم نستطع أن نخرج أي شي سوى أرواحنا من المنزل".

الحرب.. أثر لا يمحى

لم يخلِ جمال مشتى منزله عند بدء الحرب على غزة عام 2014، فلم يكن لديه مكان آخر يلجأ إليه.

وفي قرابة الساعة السابعة والنصف من صباح يوم 16 يوليو/ تموز 2014، رنّ هاتف منزل عائلة مشتى، والمتصل هو أحد ضباط جيش الاحتلال، ومضمون الرسالة واضح: "لديك مهلة خمس دقائق لإخلاء المنزل".

أجاب جمال: "أنا لست عسكريًا".

ويروي جمال تفاصيل تلك الدقائق لـ"العربي" ويقول: "لا تهاون بما يمكن أن تتلقى من العدو".

جرى جمال ليخبر أفراد الأسرة بضرورة الخروج من المنزل وهرع يخبر إخوانه في الطوابق الأخرى من المبنى بضرورة إخراج أسرهم بسرعة قبل انقضاء الدقائق الخمس.

وعلى عجل غادرت الأسر المبنى. وبعد خمس دقائق من تلقي المكالمة الهاتفية، سوّي المبنى بالأرض. 

يتذكر جمال شعوره قائلًا: "لا يمكن وصفه، هو خوف وذعر ورعب، هو شيء لم نتخيله ولم يحصل معنا قبل ذلك". ويضيف: "عندما تفقد الأسرة منزلها والأمل التي تعيش فيه لم يبقَ لها شيء، فنحن نعاني من أثر تلك الحرب حتى الآن". 

لا مجال للتفاوض

تكررت هذه الحادثة بتفاصيلها المرعبة مرات عدة، باختلاف المكان والزمان. يستذكر إياد شلايل أنه كان في مكان عمله عندما تلقى إنذارًا لإخلاء منزله خلال خمس دقائق. وقال: "قلت إن هذا الوقت لا يكفي وأنا بحاجة لأكثر من عشر دقائق لبلوغ المنزل، وأتى الجواب نحن لا نتفاوض". 

اتصل إياد بالشرطة التي هرعت لإخلاء منزله بطوابقه الأربعة وحوالي ثلاثين منزلًا ملاصقًا.

ويضيف إياد: "على الجميع أن يخرج، لا مجال للتفكير في تلك اللحظات، فالسؤال أو الجدل عن السبب قد يكون باهظ الثمن".

استطاعت العائلة أن تخلي المكان بسرعة من دون التمكن من إحضار ملابسها. وتابع إياد: "لقد قتلونا بطريقتهم.. أن تكون من دون مأوى ومن دون مال سيكون الوضع كارثي".


المصادر:
العربي
شارك القصة