تقرير دولي يدين النظام السوري بهجوم دوما.. هل بدأ مسار المحاسبة؟
بعد سنوات انتظار طويلة من قبل أهالي الضحايا، مبررات وُصفت بالمعقولة هي التي توصل إليها محققو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تفيد بمسؤولية النظام السوري عن هجوم بغار الكلور استهدف دوما عام 2018، عندما كانت تسيطر عليها قوى المعارضة، مما أسفر عن مقتل 43 شخصًا.
وهي واحدة من هجمات متعددة اتُهمت قوات النظام بتنفيذها باستخدام أسلحة كيميائية راح ضحيتها مئات المدنيين السوريين.
ومنذ تحوّل الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، إلى مواجهات مسلحة، برز دور المروحيات التابعة لجيش النظام التي تلقي البراميل المتفجرة على مناطق المعارضة.
تورط النظام السوري
ويشير تقرير المنظمة الدولية إلى أن هجوم دوما الكيميائي نفذّته مروحية واحدة على الأقل من طراز "أم أي 817" التابعة للنظام، أسقطت أسطوانتين من الغاز السام على المدينة.
وقد أقرّ النظام السوري للمرة الأولى بامتلاك أسلحة كيميائية عام 2012. وعام 2013، اتهمت المعارضة النظام بشن هجوم على الغوطة الشرقية ومعضمية الشام استخدم فيها غاز السارين. لكن واشنطن أعربت عن قناعة قوية بأن النظام مسؤول عن الهجوم الذي أوقع 1429 قتيلًا بينهم 426 طفلًا.
وعام 2017، استُخدم غاز السارين والكلور في هجومين استهدفا بلدة اللطامنة شمالًا. واتهمت منظمة حظر السلحة الكيميائية في أبريل/ نيسان 2020 النظام السوري بشنهما.
وربما يزيد التقرير الجديد من الضغط نحو محاسبة النظام السوري الذي يحظى بدعم روسي عسكري وتوفير غطاء سياسي له في المنظمات الدولية.
لكن غياب الإرادة الدولية في إحداث تغيير حقيقي في المشهد السوري وعودة عدد من الدول لتطبيع العلاقات مع النظام، تطرح تساؤلات عن جدوى التحقيقات بعد هذه السنوات.
فتراجع تأثير المعارضة السورية على الأرض وفي الأروقة السياسية، وقدرة النظام السوري على الصمود رغم الانهيار الاقتصادي، يجعل مسألة المحاسبة الحقيقية محط تشكيك.
أدلة تدين النظام السوري
في هذا السياق، يعتبر مدير عام مركز توثيق الانتهاكات الكيمياوية في سوريا نضال شيخاني، أن التقرير الأخير هو الثالث لفريق التحقيق الدولي، وقد توصل لأدلة تدين النظام السوري منها صور وفيديوهات وعينات بيئية ومعلومات عن كيفية إقلاع الطيران المروحي وبيانات من الأقمار الاصطناعية، وقد أثبتت تورط النظام السوري.
ويقول شيخاني في حديث إلى "العربي" من بروكسل: "إن حجم هذه الجريمة كبير"، مشيرًا إلى أن التحقيق فيها استمر لسنوات، ومكث التقرير في قسم المراجعة القانونية لمدة طويلة حيث جرى البحث عن كافة الثغرات التي يمكن أن تستغلها روسيا وحلفاؤها".
ويرى شيخاني أن "روسيا متورطة بشكل غير مباشر في الحادث حيث أتت بشهود زور إلى لاهاي".
ويؤكد أن تقرير منظمة حظر الأسلحة هو فريد في الأدلة والمعلومات التي قدّمها.
اسثمار سياسي
من جهته، يشير مدير مؤسسة الذاكرة السورية عبد الرحمن الحاج إلى أن اتخاذ أي قرار يدين سوريا في مجلس الأمن غير وارد بسبب وجود روسيا والصين.
لكنه يعتبر في حديثه إلى "العربي" من لوسيل أن الباب مفتوح أمام إمكانية إجراء محاكمات لمرتكبي هذه الهجمات الذين أشار إليهم تقرير المنظمة.
ويرى الحاج أن الأجدى على الصعيد العملي استثمار نتائج هذا التقرير سياسيًا. ويقول: "نحن الآن في مأزق سياسي حيث أن بعض الدول الإقليمية تسعى لإعادة العلاقات مع النظام السوري وسط شعور بالإحباط لدى دول مجاورة تعاني من أزمات ولدّها النظام أو نتيجة للأحداث طيلة عشر سنوات".
ويلفت إلى أنه يمكن على الأقل "تبيان أنه إذا أُجبر السوريون على حل يبقى فيه بشار الأسد الذي مارس هذه الانتهاكات الكبيرة، فهذا يعني أن ذلك سيولّد الإرهاب في المنطقة إلى ما لا نهاية".
محاسبات فردية
من جانبه، يؤكد مدير مركز التحليل السياسي والعسكري في معهد هادسون ريتشارد ويتز أن في ظل موقف روسيا يصعب اتخاذ قرار بحق النظام السوري في مجلس الأمن أو في المنظمة الدولية للطاقة الذرية.
لكنه يعتبر أن عددًا من الحكومات يمكنها أن تعمل بشكل فردي لمحاسبة المتورطين في استخدام الأسلحة الكيميائية.
وحول الخط الأحمر الأميركي بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، يشير ويتز إلى أنه لم يتم احترامه، كما لم ترد الولايات المتحدة على استخدام النظام السوري لهذه الأسلحة بالشكل المناسب.