الذكاء الاصطناعي.. الأداة الحاسمة لتحقيق العدالة في جرائم الحرب بسوريا
لا شكّ أن الحرب السورية هي من الصراعات الأكثر توثيقًا في التاريخ، لكن هذا الكم الهائل من ملايين مقاطع الفيديو والصور ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الصناعية، يصعب حتمًا عملية تحديد الأدلة الأنسب للمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب.
فمنذ بداية الصراع السوري، خاطر النشطاء على الأرض بحياتهم لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، انطلاقًا من عمليات التعذيب والتعدي على المتظاهرين وصولًا إلى الضربات الصاروخية العشوائية والبراميل المتفجرة.
لذا وبينما تتبنى الأمم المتحدة والسلطات الأوروبية وجماعات حقوق الإنسان قضايا حول جرائم الحرب في سوريا، تتجه الأنظار إلى أداة جمع أدلة جديدة وهي: الذكاء الاصطناعي.
فرز الأدلة
يشير تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تقديم مجرمي الحرب في سوريا للعدالة من خلال المساعدة في فرز مجموعة ضخمة من الأدلة، والعمل بوصفه نموذجًا للتحقيقات في صراعات العصر الحديث الأخرى.
وتقول كاثرين مارشي أوهيل، التي ترأس هيئة الأمم المتحدة المكلفة بجمع المعلومات بسوريا: "لدينا تكنولوجيا لنشر المعلومات والتقاطها، والآن للبحث عنها.. هذا أمر جديد تمامًا وسيغير طريقة العمل".
تقنيًا
تهدف هذه التقنية إلى المساعدة في معالجة البيانات وتنظيمها وتحليلها وتقليل الوقت الذي يقضيه المحققون البشريون في غربلة تيرابايتات من مقاطع الفيديو والصور المؤلمة.
وتساعد خوارزميات الذكاء الاصطناعي في تجميع مقاطع الفيديو للحادث نفسه والتخلص من النسخ المكررة أو الصور التي ليس لها صلة.
وتعمل الخوارزميات أيضًا على التعرف على الأشياء، وإيجاد جميع البيانات ذات الصلة بسلاح معين للمساعدة في بناء حالة.
الأرشيف السوري
وبحسب المصدر، عام 2017 أراد هادي الخطيب مؤسس الأرشيف السوري، وهي مجموعة حقوقية مستقلة تعمل على أرشفة الأدلة منذ بداية النزاع، جمع قاعدة بيانات قابلة للبحث عن جميع هجمات الذخائر العنقودية.
لكن، عمليًا، كان من المستحيل على فريق الخطيب الصغير فرز أكثر من 1.5 مليون مقطع فيديو يدويًا للعثور على كل تلك الأدلة المرتبطة بالقنابل العنقودية.
فعلى الرغم من توافر بعض التقنيات التي تساعد في فرز الأدلة، إلا أنها مكلفة للغاية بالنسبة لمجموعات حقوق الإنسان.
وفي أغلب الأحيان، لا توجد فيها خاصية لتمكين الآلات من التعرف على صورة أو صوت الذخائر العنقودية أو غيرها من أسلحة الحرب التي تحتاج إلى تعزيز تكنولوجي.
لذلك لجأ الخطيب إلى آدم هارفي مهندس برمجيات مقيم في برلين ويرأس مشروع مفتوح المصدر يركز على استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان، لبناء كاشف بواسطة الذكاء الاصطناعي قادر على مثل هذا البحث.
ويأمل الخطيب وهارفي استكمال تطوير برمجيتهما بحلول منتصف عام 2021، لتكتمل قاعدة البيانات وتكون جاهزة لبدء بناء القضية.
ميكروسوفت
وعلى الجانب الآخر، تشارك "ميكروسوفت" إمكانياتها في الذكاء الاصطناعي بالعمل الإنساني، من خلال مشروع تبلغ تكلفته 40 مليون دولار ومؤسسة Benetech غير الربحية في وادي السيليكون للبحث عن أدلة على استخدام الذخائر العنقودية في الحرب السورية.
وكجزء من هذا الجهد، أكملت Microsoft نظامها لتحديد الأسلحة العام الماضي، والذي يبحث ويكتشف مقاطع الفيديو المتعلقة بالذخائر العنقودية بالإضافة إلى نيران المدافع والانفجارات وصواريخ التاو الأميركية المضادة للدبابات، وصفارات الإنذار، استنادًا إلى الصوت.
الوثائق
مع تحول الاهتمام الدولي نحو المساءلة، ثبت أن كمًا هائلًا من الوثائق وُجدت في سجلات محاكمات جرائم الحرب، وفقًا للآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة.
ويبقى العائق أيضًا في أن توفّر العدد الكبير من الوثائق لا يُترجم بسهولة إلى قضية لتقديمها إلى العدالة.
ويقول كيث هيات المشرف على إدارة نظم المعلومات في IIIM "مقاطع الفيديو لا تتحدث عن نفسها، بغض النظر عن مدى صدقية الفيديو، فلن يفوز الفيديو أو يخسر قضايا في جرائم الحرب". "لا يمكن أن تُظهر مقاطع الفيديو مدى انتشار الهجمات الممنهجة".
وتستخدم الـ IIIM برنامجًا آليًا يعمل بالذكاء الاصطناعي لمسح مئات الآلاف من المستندات باللغة العربية معظمها نسخات منخفضة الجودة لاستخراج وثائق ذات الصلة بجرائم الحرب، مثل الطوابع الرسمية أو التوقيعات.
فعند بناء القضايا، يحتاج المحققون إلى إثبات ليس فقط الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، والتي غالبًا ما توجد في مقاطع الفيديو والصور، ولكن أيضًا التسلسل القيادي الذي أدى إلى تلك الجرائم، والتي غالبًا ما توجد في الوثائق المهربة إلى خارج سوريا.