Skip to main content

ألعاب الذاكرة

مالك داغستاني |
الثلاثاء 16 فبراير 2021
عن موقع "تلفزيون سوريا"

من الحكمة ألا تلوثَ أمكنة الطفولة الحميمة بالعودة إليها ومعاينتها. دعها، دعها كما هي، أو كما شاءت لها الألاعيب العجيبة للمخيلة، والانحرافات الوردية للذاكرة البعيدة. كذا لا تعد لرؤية امرأة بعد عشرين عاماً على اللقاء الأخير. دعها كما هي، أو كما شاءت لها أحلامُ الليالي الطويلة. دعها صنيعة تلك الأحلام. اتركها بما راكَمَه العتق عليها، فأعطاها مبررات جدارة الوجود في مملكة الذاكرة. والعِتْق هنا ليس زمناً، ولكنه ربما بُعداً رابعاً. هو في النهاية، الخيال المتَّقد أو التَوْق المتواري.

رواية الذكريات بهدف الاستعراض، يحتّم على الراوي حذف بعض مكونات هذه الذكرى أو الزيادة عليها، لتكون أجمل أو أكثر قيمةً ومدعاةً للفخر..

ليس من المستغرب أن نصادف يوماً سجيناً سابقاً (يكذب) وهو يتحدث عن حكايات سجنه. أو أن نسمع من رجل وطني وثوري (أستثني السياسيين هنا) حكايات نعتقد أنها لم تكن دقيقة، ولا يجدر أخلاقياً تحريفها على هذا النحو. لكن الأمر ليس كما يبدو لنا في ظاهرهِ، إنه فعل بسيط بل وطبيعي، وهو لا يصنف في خانة الكذب هنا. إنها محض ألعاب بسيطة (تلاعبات) قامت بها الذاكرة في غفلة من صاحبها.

واحدة من الهوايات القسرية، ولكن المفضلة بالنسبة للسجناء المحرومين من واقع مُعاش هي الخوض في الذكريات وروايتها. وهنا تتشكل آلية تكوين البعد الرابع للذاكرة. يتم استدعاء حدث أو شخص أو مكان ما من موقع حفْظهِ في الذاكرة (لا بأس هنا لسهولة فهم الآليات من التشبيه بالذواكر الرقمية) لاستعراضه أمام الذات وهي حاجة روحيّة يعرفها كل سجين، وغالباً أمام الآخرين، وهذا أكثر خطورة، فعندها سيكون التأثير أقوى وأكبر، فرواية الذكريات بهدف الاستعراض، يحتّم على الراوي حذف بعض مكونات هذه الذكرى أو الزيادة عليها، لتكون أجمل أو أكثر قيمةً ومدعاةً للفخر، لتكتسب جدارتها بالروي. عند الانتهاء من هذه المهمة الممتعة، تُعاد هذه الذكرى إلى موقع حفظها في الدماغ، دون إزالة الزوائد التي علقت بها، أو إعادة ما تم حذفه منها. تعاد إلى موقعها باعتبارها الحقيقة، دون الأخذ بعين الاعتبار أن حقيقة جديدة قد حلَّت مكان الحقيقة الأصلية.

لقراءة المقال كاملاً على موقع تلفزيون سوريا
المصادر:
تلفزيون سوريا
شارك القصة