Skip to main content

بريطانيا تتجه "شرقًا".. هل آن أوان الطلاق مع الغرب؟

زاهر عمرين |
الثلاثاء 16 مارس 2021
تريد بريطانيا أن تفتح جسور علاقات أمنية وتجارية ودبلوماسية قوية مع دول منطقة المحيط الهادي التي تشهد بالفعل نموًا اقتصاديًا غير مسبوق

في أول تغيير رسمي على صعيد السياسة الخارجية في بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تعلن لندن اليوم، توجهها نحو التركيز على دول المحيطَين الهندي والهادي.

هذا التحول جاء، كما صرحت مصادر حكومية، بعد مراجعة شاملة، استمرت عامًا كاملًا لسياسات المملكة المتحدة، والتي انتظرت نتائجها دوائر السياسة والاقتصاد المختلفة، كونها سترسم صورة بريطانيا الجديدة لسنوات، وربما لعقود مقبلة.

تبني بريطانيا وفق هذا التغيير مسارًا جديدًا أكثر استقلالية عن طرفي اللعبة الجغرافية حولها، والتي لطالما تم تحديد دورها العالمي ضمنهما: عضويتها "السابقة" في الاتحاد الأوروبي من جهة، وشراكتها "الدائمة"، الاقتصادية والسياسية، مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.

وضمن هذا التوجه الجديد تسعى لندن، لتكون أكثر من مجرد معبر بين قارتين، بل هي تريد أن تفتح جسور علاقات أمنية وتجارية ودبلوماسية قوية مع دول منطقة المحيط الهادي التي تشهد بالفعل نموًا اقتصاديًا غير مسبوق.

تبرر حكومة جونسون هذا التوجه بالقول: إن دول منطقة المحيط الهندو- باسيفيك، بما فيها الهند واليابان وأستراليا تشهد تطورًا متسارعًا، لا بل يصفها تقرير المراجعة بأنها تتحول بصورة متزايدة إلى "المركز الجيوسياسي الجديد للعالم".

وبكلمات أخرى، ومن وجهة نظر ساسة "10 داوننغ ستريت"، هناك بيئة صالحة لجني الأرباح في ذاك الطرف "القصيّ" من العالم.

لطالما استطاع ساسة بريطانيا اللعب على خيوط المتغيرات، ولن يكون من الصعب عليهم العودة إلى الفضاء الأمريكي - الأوروبي إن كانت الخسائر المتوقعة أكثر من الأرباح.

لكن إلى أي درجة ستتمكن المملكة المتحدة من التوجه شرقًا من دون الاصطدام بالعملاق الصيني الذي يلقي بظلاله الكثيفة على المحيط الهندي؟ يجيب وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب عن هذا السؤال استباقيًا: "لن نتبنى عقلية الحرب الباردة مع الصين، بل سنعمل معها".

تصريح راب لا يروق لكثير من أعضاء حزب المحافظين الحاكم، الذين يريدون أدوارًا أكثر تشددًا تجاه الصين في قضايا الإيغور مثلًا والحقوق الديمقراطية في هونغ كونغ، وقد لا يروق للحليف الأميركي الذي لم يخفِ يومًا غضبه من تمدّد الصين على حساب باحاته الاقتصادية الخلفية، لكن لطالما استطاع ساسة بريطانيا اللعب على خيوط المتغيرات بسرعة وفاعلية، ولن يكون من الصعب عليهم العودة إلى الفضاء الأمريكي - الأوروبي إن كانت الخسائر المتوقعة أكثر من الأرباح، وقد يكون هذا التوجه "شرقًا" ليس إلا محاولة لموازنة العلاقات أكثر مع "أوروبا الغاضبة"، ومع "أمريكا الفاترة".

هو بحث إذن عن دور عالمي جديد تقوم به بريطانيا بعد "تحرّرها" من قيد السياسة الأوروبية ذات الخطى المتثاقلة كما يرى مؤيدو "بريكست".

هذا الدور محكوم بالكثير من المتغيرات، لكن الثابت الوحيد فيه أن بريطانيا تريد أن تفرض نفسها من جديد "دولةً عظمى" من بوابة الاقتصاد، من دون أن تدير ظهرها كليًا للسياسة، وهو ما يفسر قرارَين آخرَين صدرا تزامنًا مع قرار "التوجّه شرقًا": الأول استراتيجي ينص على زيادة الرؤوس النووية لترسانة بريطانيا من الغواصات، والآخر شكلاني بحت؛ إذ ستبدأ لندن قريبًا بتقديم إيجازات صحافية يومية، على طريقة "البيت الأبيض"، في قاعة بنيت خصصيًا لذلك، داخل "10 داوننغ ستريت"، بكلفة 206 ملايين جنيه إسترليني.

وكأن لسان حال صاحب هذه القرارات يقول: نحن أيضًا قوة عظمى قادمة. 

شارك القصة