Skip to main content

احتجاجات تنتقل من دول إلى أخرى.. كيف ستواجه أوروبا الإضرابات العمالية؟

الثلاثاء 10 يناير 2023

ما زالت الإضرابات والاحتجاجات العمالية تجتاح دولاً عدة في القارة الأوروبية، وترتفع أو تنخفض موجاتها من حين لآخر.

فبريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال، والنمسا، هي من الدول التي شهدت وما يزال بعضها يشهد إضرابات عمالية ونقابية في قطاعات حيوية عدة، من أبرزها المطارات والسكك الحديدية والنقل البريدي والبريد والطاقة والصحة.

وباتت القطاعات الصحية تعاني في المملكة المتحدة من شلل واضح وإرباك وتكدس في أعداد المرضى نتيجة إضراب العاملين بالقطاع.

إضرابات كبيرة

وتنتشر حمى الإضرابات العمالية من دولة أوروبية إلى أخرى، ولا تقتصر مطالب القائمين عليها على زيادة الأجور لمواكبة ارتفاع مستويات التضخم، بل إن الحركات العمالية والنقابية ترفع شعارات ومطالب عدة تتلخص في تحسين ظروف وبيئة العمل، إضافة إلى تطوير منظومة التأمينات الصحية وإصلاح أنظمة التقاعد.

وتقف كثير من الحكومات الأوروبية عاجزة أمامها لأسباب مالية واقتصادية بالدرجة الأولى. فمنطقة اليورو تواجه منذ نحو عام أزمات اقتصادية متلاحقة بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وأبرز أوجه الأزمة يتمثل في ارتفاع المستويات العامة للأسعار وغلاء المعيشة. فقد أشارت دراسة أوروبية إلى أن 19 دولة في منطقة اليورو شهدت ارتفاعات قياسية بمستويات التضخم خلال شهر أكتوبر الماضي.

كما أفادت دراسات بأن نمو الاتحاد الأوروبي انخفض بنسبة 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام الماضي، وسط تخوفات من دخول القارة في ركود عميق العام الحالي.

تقف كثير من الحكومات الأوروبية عاجزة أمام الإضرابات والاحتجاجات العمالية - رويترز

تأثيرات حرب أوكرانيا

وفي هذا الإطار، قال مراد قريشي، عضو حزب العمال البريطاني، إن الكثير ينضمون للإضرابات لرفع الأجور لتتماشى مع مستوى التضخم في الوقت الحالي البالغ 12%، وبالتالي فإنه رغم أن الحكومة تجلس مع زعماء النقابات للنقاش، إلا أننا سنشهد شهورًا مضطربة.

وأضاف قريشي في حديث لـ "العربي" من لندن، أن الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كلها عوامل تلقي بظلالها على الاقتصاد البريطاني وعلى العمال والأسواق الأخرى.

ونوه قريشي، بأن "الحكومة الحالية في بريطانيا تسعى إلى خفض التضخم إلى النصف خلال العام الحالي، وهذا شيء هائل".

أزمات متراكمة

بدورها، قالت الصحفية والأستاذة الجامعية مايا خضرا، إن الوضع في فرنسا مختلف تمامًا عن الدول التي تأثرت بحرب أوكرانيا، لكن ما تشهده فرنسا هو امتداد لحالة اجتماعية ظهرت عام 2018 عبر احتجاجات السترات الصفراء والتي كانت مشرذمة عندما قرر الرئيس إيمانويل ماكرون زيادة الضريبة على الوقود.

وأضافت خضرا في حديث لـ "العربي" من باريس، "لكن رغم ذلك فإن الوضع راهنًا في فرنسا مختلف، لكون القطاع الطبي يعاني من إهمال الدولة والمستشفيات تعاني من قلة التمويل"، مشيرة إلى "أن الأطباء يتقاضون الأجر الأقل أوروبيًا بما يقدر بـ 25 يورو، ومطلب هؤلاء هو أن يضاعف الرقم ليرتفع إلى 50 يورو".

وبيّنت خضرا، أن هناك إضرابات للأساتذة التي تعد الأقل على الصعيد الأوروبي في ظل ارتفاع المعيشة وارتفاع فاتورة الطاقة في فرنسا، وهذا ما يمكن وصفه بالسنة السوداء في عام 2023 وخاصة مع وجود حركات نقابية منظمة.

وأشارت خضرا، إلى أنه ليس هناك بوادر للحل في ظل تفاقم الأمور في ظل سياسات الحكومة، وخاصة أن قانون التقاعد صدر في ظل الإضرابات، مما يعني أن الأمور ذاهبة لتصاعد حدية الشرخ بين الحكومات وشعوبها، مما يستدعي ضرورة تدعيم الحوار الذي يمكن أن يحد من الأزمة، وإلا سنشهد إضرابات مفتوحة في عدة قطاعات سواء التعليمية أو غيرها.

أبرز أوجه الأزمة في أوروبا يتمثل في ارتفاع المستويات العامة للأسعار وغلاء المعيشة - رويترز

مرحلة انتقالية

من جانبها، قالت نجاة عبد الحق، الباحثة في الشؤون الاقتصادية الأوروبية، إن ما يجري في بريطانيا هو نتيجة الإخفاق السياسي في التحضير لما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وأضافت عبد الحق في حديث لـ "العربي" من برلين، أنه عقب عام 2000 اتجهت كثير من الدول الأوروبية لخصخصة القطاع الطبي، وحينها حذر الكثير من ذلك، لأنه لا يمكن التعامل مع المستشفيات كقطاع خاص، وأن نقيس الإنتاجية على البشر وأن يعاملوا كعمال وكذلك قلصت الميزانيات للقطاع الصحي.

واعتبرت عبد الحق، أن ما يحصل هو قمة جبل الجليد لأزمات ظهرت الآن بسبب الحرب، وخاصة أنه في فبراير/ شباط 2022، لم يكن العالم قد خرج من كورونا وجاءت الحرب الأوكرانية مما ولد حالة تركيب للأزمة.

وذهبت الباحثة للقول: "يجب أن تذهب الدول لكبح جماح أسعار الطاقة والقمح والغذاء، والحد من التضخم للحد من الأزمة، وخاصة أن دول أوروبا ليست دولا رعوية بل تعتمد على الضرائب".

واستدركت قائلة: "إن أوروبا منذ بدء حرب أوكرانيا هي في مرحلة انتقالية وتغيير بسبب تأثيرات الحرب والتغيرات في شكل الأيديولوجيا لبعض الأحزاب".

وختمت بالقول: "إن الأحزاب اليمينية لا تهتم بالبعد الاجتماعي، لذلك هنا يحصل التضاد بين من ينتخبون اليمين ويريدون تطبيق ما تقوم به الأحزاب اليسارية في أوروبا، انطلاقًا من حقوق الشعوب في الإضرابات لكن يخشى من أن يكون التحول سلبيا وهو ما قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية".

المصادر:
العربي
شارك القصة