Skip to main content

تأجيل الانسحاب الأميركي واتفاق سلام جديد.. "طالبان" أمام مفترق طرق

الأحد 28 مارس 2021
وفدا "طالبان" والحكومة الأفغانية في مؤتمر موسكو خلال الشهر الحالي

خلال الأشهر الماضية، نجحت "طالبان" في المضي قدمًا على مسارين متوازيين ومتناقضين في آن معًا، حيث خاضت مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية برعاية أميركية وروسية، والتهديد بشنّ الحرب في حال إخلال الولايات المتحدة بتعهّدها بالانسحاب في الموعد المقرّر في مايو/ أيار، وفقًا لما نصّ عليه اتفاق الدوحة.

وهذه الاستراتيجية المتناقضة تهدف إلى استرضاء جناحَي "طالبان"، المتشددين داخل الحركة، الذين يريدون انتصارًا عسكريًا واضحًا لإنهاء الصراع المستمر منذ 20 عامًا، والأعضاء المعتدلين الذين سيَقبلون بالحل السياسي.

وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن الحملة الأميركية الجديدة والشرسة للوصول إلى اتفاق سلام، وضعت "طالبان" أمام مفترق طرق حتمي: القبول بالحصول على مكان في حكومة تقاسم السلطة، كما جاء في المقترح الأميركي، وهو ما سيجعل الحركة تقترب أكثر من تحقيق هدفها النهائي المتمثّل بالسيطرة الكاملة على الدولة وإقامة الحكومة الإسلامية، وفي الوقت ذاته، فإن أي مسار يُبعد أفغانستان عن إعادة تصنيفها دولة مارقة سيتطلّب تنازلًا من جانب الحركة، بما يتناقض مع المعتقدات الأساسية لها". 

ومع اقتراب الموعد النهائي، تملك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الأول من مايو/ أيار المقبل كي تسحب قواتها من أفغانستان، أو التفاوض على اتفاق جديد.

وأوضحت الصحيفة أن ردّ فعل "طالبان" سيوضح مكامن توازن القوة في الحركة، ورؤيتها لمستقبل أفغانستان، خاصة أن قيادات الحركة لم تكشف - حتى الآن - طبيعة الحكومة التي يمكن أن تقبلها، بخلاف تلك التي يُديرها من يريد على الحكم الإسلامي.

وبينما اقترحت واشنطن إجراء محادثات في تركيا الشهر المقبل لاستكمال المحادثات في الدوحة، وتشكيل حكومة مؤقتة، وصياغة دستور جديد تليها انتخابات، كشف قائدان بارزان من الحكومة الأفغانية، رفضا الكشف عن هويتهما للصحيفة، أن الحكومة الأفغانية ستحضر مؤتمر تركيا، حيث يُخطّط الرئيس الأفغاني أشرف غني لاقتراح انتخابات مبكرة لاختيار قادة المرحلة الانتقالية. بينما لم تُعلّق "طالبان" على حضورها المؤتمر من عدمه.

قيادي في طالبان: "سأعارض أي اتفاق لا يمنحنا السلطة"

في المقابل، نقلت "واشنطن بوست" عن قائد بارز في "طالبان" قوله إنه "سيُعارض أي اتفاق لا يمنح السلطة الكاملة في أفغانستان لطالبان، لأنه يعتقد أن الحكومة الحالية امتداد للوجود الأميركي في أفغانستان، وهي الرؤية ذاتها التي يتمسك بها مقاتلو الحركة المسلحة".

وقال القائد العسكري البارز، الذي رفض الكشف عن هويته: "هذا القتال ليس لتقاسم السلطة، هذه حرب لأغراض دينية، بهدف الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية. إذا كنّا سنتقاسم السلطة مع الحكومة في كابل، فما هو الغرض من القتال؟، لا يمكن أن أقبل ذلك".

ورأت الصحيفة أنه يصعب استكشاف مدى الوحدة في حركة طالبان، ولكنها في المجمل تتكوّن من شبكات تضمّ عناصر متشددة وأخرى معتدلة. وقد عارض مقاتلو "طالبان" على الأرض مباحثات السلام مع الحكومة الأفغانية؛ إذ يؤيدون الوصول إلى السلطة بالطرق العسكرية.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت "طالبان" تدرس بصورة جدية اقتراح السلام الأميركي الجديد، الذي قال محمد نعيم، المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة في الدوحة، إنه "لا يزال قيد المراجعة".

حقيقة غير مريحة

وقال أندرو واتكنز، محلل الشؤون الأفغانية البارز في مجموعة "الأزمات الدولية" للصحيفة: "الاقتراح الأميركي يجبر طالبان على مواجهة حقيقة غير مريحة؛ فالشرعية الدولية التي تريد طالبان الحصول عليها، لن تأتي دون التعامل مع العالم الخارجي والمجتمع الدولي، بطريقة يمكن أن يقرأها أعضاء وأنصار الحركة على أنها فسُدت نتيجة التأثير الأجنبي".

يدرك القادة السياسيون للحركة أنه من أجل الحفاظ بشكل فعّال على السلطة على المستوى الوطني، فهم بحاجة إلى دعم المجتمع الدولي. ومن دون اعتراف دولي رسمي، من المرجح أن تفقد حركة "طالبان" مليارات الدولارات من المساعدات اللازمة لاستمرار البلاد، وسوف تتعطّل حملة الجماعة لإزالة بعض كبار قادتها من قوائم العقوبات الدولية.

وشرح واتكينز أنه لا يمكن أن تندمج "طالبان" في الأنظمة السياسية أو الاقتصادية الدولية "دون الوقوع في الفخ" الذي يقولون: إن "الإدارة الدمية سقطت فيه"، في إشارة إلى مصطلح تستخدمه الحركة لوصف الحكومة في كابل.

ومن شأن الاقتراح الأميركي تفكيك الحكومة المنتخبة الحالية في أفغانستان، وتقديم مناصب لقادة "طالبان" في حكومة مؤقتة تمتلك فيها الجماعة ما لا يقلّ عن 50% من السلطة.

وتأتي هذه العروض على الرغم من التغيير الطفيف الذي أبدته "طالبان" للحد من العنف، والانفصال عن المنظمات الإرهابية واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة.

وقال العميد الباكستاني المتقاعد سعد محمد: "طالبان ستكسب الكثير من اتفاق السلام هذا".

ارتفاع مستويات العنف في أفغانستان

وبينما يدعم البعض في حركة "طالبان" إنهاء الحرب من خلال المحادثات، يعتقد محمد أن مستويات العنف المرتفعة في أفغانستان في الأشهر الأخيرة تظهر أن القادة الأقوياء على الأرض لا "يتصورون حلًا سلميًا للصراع".

استغرق الأمر أكثر من عام من المفاوضات بين الولايات المتحدة و"طالبان" للتوصّل إلى اتفاق الدوحة، لذلك يخشى البعض أن يكون دفع إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق سلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية في غضون أسابيع "غير واقعي".

وقال شخص مطلع على مناقشات "طالبان" الداخلية، لم يكشف عن هويته: إذا لم تسحب الولايات المتحدة جميع قواتها بحلول الأول من مايو، فإن النتيجة ستكون "المزيد من القتل وسفك الدماء".

المفاوضات لا بد منها في أفغانستان

وأضاف: "لكن في النهاية سيتعيّن على الولايات المتحدة العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى"، متوقّعًا أن أي جولة جديدة من المفاوضات ستستغرق وقتًا أطول من الوقت الذي استلزمته تسوية اتفاق الدوحة.

كلما طال وقت محادثات السلام، من المتوقّع أن يستمرّ العنف لفترة أطول. وبينما سجّلت الأمم المتحدة انخفاضًا عامًا في الخسائر المدنية في عام 2020، وجدت البعثة في أفغانستان أن الأرقام بدأت في الارتفاع في الربع الأخير من العام، مع تعثّر المحادثات.

وقال نعيم: إن مقاتلي "طالبان" خفّضوا العنف بعد اتفاق الدوحة. وطالما أن الولايات المتحدة تفي بالتزاماتها بالاتفاق وتستمرّ محادثات السلام، "لا يوجد سبب يدعو إلى تصعيد (العنف)"، مضيفًا أنه "بعد 40 عامًا من الحرب، أصبح التفاوض صعبًا للغاية. لا يوجد إطار زمني للمفاوضات الأفغانية، لذا فهي بحاجة إلى وقت للاستمرار".

المصادر:
واشنطن بوست
شارك القصة