Skip to main content

جامع تقسيم وصراع الهوية.. هل غيّر أردوغان الوجه السياسي لتركيا؟

السبت 29 مايو 2021
شُيّد جامع تقسيم على مساحة قدرها دونمان ونصف بقبة يصل ارتفاعها إلى 33 مترًا
عدنان جان - العربي - إسطنبول

عام 1994، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على سطح أحد الفنادق المطلة على ميدان تقسيم وسط إسطنبول، وأشار بيده قائلًا: "سأبني جامعًا هناك". حينها، كان الرجل يقود حملته الانتخابية لشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول.

ظنّ الكثيرون أن الجملة كانت مجرد وعد انتخابي لن يرى النور في أي يوم من الأيام؛ فميدان تقسيم هو رمز الجمهورية العلمانية التي أسّسها مصطفى كمال أتاتورك، وأبرز معلم من معالم فصل الدين عن الدولة.

ظلّ وعده عصيًا على التنفيذ منذ ذلك التاريخ لغاية عام 2017، حين تمكّن بعد سجال طويل مع قرارات المحاكم التركية من وضع حجر الأساس لتشييد الجامع وسط انتقادات ورفض من التيار "الأتاتوركي" في البلاد.

يرى أنصار هذا التيار أن بناء الجامع في هذا المكان ما هو إلا محاولة أخرى من حكومة حزب "العدالة والتنمية" للمساس بمبادئ علمانية الدولة، ورمزية مصطفى كمال أتاتورك. في المقابل، يؤكد أردوغان وأنصاره أن الميدان الاستراتيجي الذي يقصده الأتراك والسيّاح كان يفتقد لجامع تُقام فيه الصلوات والشعائر الإسلامية.

يوم الجمعة، رُفع أول أذان في الميدان. حضر الآلاف من الأتراك هذا الحدث الذي اعتبروه "مفصليًا" في تاريخ الحياة السياسية التركية. لم تكن القضية تتعلّق بجامع يتم افتتاحه، بل بمشهد ينمّ عن صراع ذي جذور بين تيارين، انتهى في جولته الأخيرة، بترجيح كفّة التيار المحافظ والقومي على غريمه الجمهوري "الكمالي"، نتيجة جاءت بعد تغييرات كبيرة أدخلها حزب "العدالة والتنمية" على المشهد السياسي منذ عام 2002.

أراد الحشد، الذي ضاق به الجامع، واضطر للصلاة في ساحة تقسيم، التي يتوسّطها تمثال أتاتورك، أن يُوصل رسالة مفادها أن الوجه السياسي للبلاد ما عاد كما تركه المؤسّس الأول للجمهورية.

"انتصار لهوية الأتراك الحقيقية"

بين حشود المُصلّين كان الشيخ التركي مصطفى، الذي يبلغ من العمر 70 عامًا، وذرف الدموع قائلًا لـ"العربي": إنه انتظر طويلًا قبل أن يعيش هذه اللحظة التي وصفها بـ"المفصلية"، معتبرًا افتتاح الجامع "انتصارًا لهوية الأتراك الحقيقية، التي حاول البعض طمسها خلال العقود الماضية".

لكن، ليس بعيدًا عنه، كان سادات آردال، أحد أعضاء جمعية الكماليين، يقف متذمرًا. يقول لـ"العربي": إن "محيط ميدان تقسيم يعجّ بالمساجد، وإن بناءه في الساحة الرمزية للجمهورية ما هو إلا محاولة من أردوغان للانقلاب على مبادئ أتاتورك".

من جهته، لم يفوّت أردوغان المناسبة لتوجيه سهام النقد لحزب "الشعب الجمهوري"، ألد خصومه السياسيين؛ حيث قال: إن "العقلية الإقصائية للحزب التي كانت تتحكّم بمفاصل الحياة السياسية التركية، هي مَن حالت دون بناء الجامع خلال العقود الماضية".

وأكد أردوغان أن جامع تقسيم سيكون من أهم المراكز الثقافية والفنية في إسطنبول عبر المرافق التي يضمّها مثل المكتبة الرقمية وأماكن المطالعة والاستراحة والمعارض.

دلالات بالجملة لافتتاح جامع تقسيم

شُيّد الجامع على مساحة قدرها دونمان ونصف، بقبة يصل ارتفاعها إلى 33 مترًا، ومئذنة بطول 65 مترًا، ليتّسع بذلك لأربعة آلاف مصلٍ في أقسامه المفتوحة والمغلقة.

لافتتاح جامع تقسيم عشية الذكرى الـ 568 لفتح القسطنطينية، وبعد أقلّ من عام على تحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد، دلالات، بحسب البعض، على ارتفاع حدة الشعور القومي والمحافظ في تركيا على حساب التيارات الأخرى، وعلى رأسها الكماليون الذين كانوا يرفضون رفضًا قاطعًا الحديث عن فكرة بناء جامع في ميدان تقسيم، أو محاولة تغيير وضعية أيا صوفيا من متحف إلى مسجد. لكن المشهد الداخلي التركي تبدّل تدريجيًا مع تبدّل الحزب الحاكم للبلاد، والذي وصل إلى السلطة وما زال يحكم منذ عام 2002.

المصادر:
العربي
شارك القصة