Skip to main content

سلاح النفط.. هل تخفّض الهند الاعتماد على السعودية لصالح إيران؟

الجمعة 2 أبريل 2021
ليس من الضروري أن يمتدّ الخلاف النفطي بين الهند والسعودية إلى علاقات استراتيجية أوسع نطاقًا في بقية القطاعات.

بعد أيام من إعلان مجموعة "أوبك +"، الشهر الماضي، أنها ستُبقي على تخفيضات الإنتاج، طلبت الحكومة الهندية من شركات التكرير تسريع التنويع وخفض الاعتماد على الشرق الأوسط، في رسالة تعكس نفوذها وتُعتبر دليلًا على التغييرات في خرائط الطاقة العالمية. 

وكانت الهند تُخطّط لتلك الخطوة منذ أعوام، وعزّزتها تصريحات متكررة لوزير النفط الهندي دارمندرا برادان، الذي وصف مشتريات النفط في 2015 بأنها "سلاح" لبلده.

وعندما مدّدت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ومنتجون مستقلون كبار تخفيضات الإنتاج حتى أبريل/ نيسان، أخرجت الهند هذا السلاح من جعبتها. 

خفض الواردات السعودية

وكشفت مصادر لوكالة "رويترز" أن شركات التكرير الهندية تعتزم خفض الواردات من السعودية بنحو الربع في مايو/ أيار، لتتراجع إلى 10.8 مليون برميل من متوسط 14.7 إلى 14.8 مليون برميل شهريًا.

وقال وكيل وزارة النفط الهندية تارون كابور إن الهند طلبت من شركات التكرير الحكومية التفاوض على نحو مشترك مع منتجي النفط للتوصّل إلى اتفاقات أفضل، لكنه امتنع عن التعقيب على خطط خفض الواردات السعودية.

وأضاف: "الهند سوق كبيرة لذلك يتعين على البائعين مراعاة الطلب في بلدنا وكذلك الحفاظ على سلامة العلاقة طويلة الأمد".

وامتنعت شركة النفط الحكومية السعودية "أرامكو" ووزارة الطاقة عن التعليق.

وقال برادان، الذي يرى أن أسعار النفط المرتفعة تُمثّل تهديدًا للتعافي الاقتصادي في الهند، إنه يشعر بالأسف لقرار "أوبك +".

ارتفاع استهلاك الهند

وارتفعت فاتورة واردات النفط الهندية بشدة، بينما بلغت أسعار الوقود، التي تضخّمت بسبب الضرائب التي فرضتها الحكومة العام الماضي، مستويات قياسية.

وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع استهلاك الهند إلى مثليه، وأن تصل فاتورة وارداتها من النفط إلى نحو ثلاثة أمثالها مقارنة بالمستويات المسجّلة في العام 2019، إلى أكثر من 250 مليار دولار بحلول 2040.

وذكر مسؤول في وزارة النفط، طلب عدم ذكر اسمه، أن تخفيضات "أوبك +" أوجدت حالة من الضبابية، وصعّبت على شركات التكرير التخطيط للمشتريات ومخاطر السعر. كما أوجدت أيضًا فرصًا لسدّ الفجوة من جانب شركات في الأميركيتين وإفريقيا وروسيا.

وإذا نجحت الهند، فسوف تكون مثالًا يُحتذى به في بقية الدول. إذ إنه بينما تتوفّر خيارات أكثر وبأسعار في متناول المشترين، وتصبح الطاقة المتجددة أكثر شيوعًا، فإن نفوذ المنتجين الكبار مثل السعودية قد يضعف، ما يُغيّر الأوضاع الجيوسياسية ومسارات التجارة.

مسعى التنويع

وزاد الطلب على النفط في الهند 25% في الأعوام السبعة الماضية، وهو ما يتجاوز طلب بقية المشترين الكبار. وتخطّى البلد اليابان كثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم.

كما خفّضت الهند اعتمادها على الشرق الأوسط من أكثر من 64% من الواردات في 2016، إلى أقل من 60% في 2019.

لكن هذا الوضع تغيّر في العام 2020، عندما قوّضت جائحة كوفيد-19 الطلب على الوقود، وأجبرت شركات التكرير الهندية على الالتزام بمشتريات نفط من الشرق الأوسط بموجب عقود محدّدة المدة، واستبعاد المشتريات الفورية.

وقال المسؤول في وزارة النفط إن شركات التكرير تبحث الآن عن مورّدين جدد، مع تحوّل الهند مجددًا في أعقاب دعوة برادان إلى تسريع التنوع.

وفي الأعوام الماضية، تفاوضت شركات التكرير على نحو مشترك لإبرام صفقات نفط مع إيران الخاضعة لعقوبات، والتي تعرض خصومات في السعر وشحنًا مجانيًا، وتعتزم الآن أن تفعل المثل مع منتجين آخرين.

البحث عن بديل محتمل

ومنذ بدء الخلاف مع السعودية، عقد برادان اجتماعات مع وزير الدولة الإماراتي والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) سلطان أحمد الجابر ووزيرة الطاقة الأميركية جنيفر غرانهولم لتعزيز شراكات الطاقة.

وقال برادان إن البلدان الإفريقية قد تلعب دورًا محوريًا في تنويع النفط في الهند. ويتطلّع البلد إلى توقيع اتفاق توريد نفط طويل الأمد مع جيانا، فضلًا عن دراسة خيارات لزيادة الواردات من روسيا، وفقًا لمصدر في وزارة النفط.

بدوره، كشف مصدر منفصل في الحكومة الهندية أن الحكومة تتوقّع تخفيف العقوبات المفروضة على إيران في الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة، ما يُوفّر بديلًا محتملًا أرخص ثمنًا للنفط السعودي.

فرصة جيدة لإيران

واتفق اثنان من المتعاملين على أن إيران لديها فرصة جيدة للاستفادة من التحوّل في الهند، وكذلك فنزويلا والكويت والولايات المتحدة. وذكر مصدر في شركة تكرير هندية أن الولايات المتحدة وإفريقيا ومزيج "سي بي سي" الخاص بكازاخستان والنفط الروسي؛ لديهم فرصة للاستفادة أيضًا.

وعلى الرغم من أن المستوردين في الهند سيشترون سريعًا أحجامًا متزايدة من درجات الخام العالمية المُسعّرة عند مستويات مغرية، فإن معظم المحللين يتوقّعون أن يظلّ الشرق الأوسط المورد الرئيسي للنفط إلى الهند لأسباب أهمها تكاليف الشحن الأرخص.

وتتعاون وزارة النفط الهندية مع شركات التكرير لوضع إطار عمل لبنود التفاوض المشترك مع الموردين.

وقال كابور: "المشترون لديهم خيارات في السوق اليوم، وهذه الخيارات ستتضاعف مستقبلًا... هناك الكثير من الشركات في الهند التي تقوم بالشراء وحدها، لذا عندما تجتمع هذه الشركات معًا، فإنها تصبح تكتلًا كبيرًا للغاية".

واتفقت السعودية و"أوبك +"، أمس الخميس، بعد مناقشات مع مسؤولين أميركيين على تخفيف القيود على إنتاج النفط بدءًا من مايو/ أيار المقبل.

وأقرّ وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بأن تخفيضات الإنتاج تسبّبت في بعض الصعوبات بين شركة النفط الحكومية "أرامكو" وعدد من "شركائها".

علاقة ضغوط

ويقول محللون إنه ليس من الضروري أن يمتدّ الخلاف النفطي بين الهند والسعودية إلى علاقات استراتيجية أوسع نطاقًا في بقية القطاعات، لا سيما الدفاع.

وقالت شركة "أوراسيا" للاستشارات في مذكرة: "حتى الآونة الأخيرة، فإن ميزان القوى يميل إلى كفّة السعودية، لكن الهند تستغلّ بشكل متزايد الوصول إلى سوقها وتنوّع الخيارات لفرض ضغوط على السعودية".

وأضافت الشركة أنه "في بيئة عالمية ينخفض فيها طلب معظم الاقتصادات المتقدّمة على النفط، بسبب تطبيق سياسات أقلّ تلويثًا للبيئة؛ فإن خسارة حصة سوقية ستُشكّل ضربة مُوجعة للسعودية".

وأكد الأمير عبد العزيز أن "أرامكو" أبقت على إمدادات النفط لشركات التكرير الهندية كالمعتاد في أبريل/ نيسان، بينما خفّضتها لمشترين آخرين، في مؤشر على أن القلق ينتاب المملكة بشأن بحث الهند عن مصادر جديدة.

والسعودية رابع أكبر شريك تجاري للهند، وتستورد العديد من المنتجات منها الأغذية. وتدرس "أرامكو" شراء حصة 20% في أنشطة النفط والكيميائيات التابعة لشركة "ريلاينس إندستريز"، كما أنها جزء من مشروع مشترك لبناء مصفاة بطاقة 1.2 مليون برميل يوميًا في الهند.

لكن أميتيندو باليت، الباحث لدى الجامعة الوطنية في سنغافورة، قال إنه سيكون من الصعب على السعودية العثور على مشتر بديل مستقرّ، إذا واصلت الهند خفض المشتريات لفترة طويلة.

وقال باليت: "هذه العلاقة الثنائية يجب ألا تتأثر بأي قرارات تتعلّق بسلعة أولية واحدة. لكن في ظلّ فائض عالمي، فإن المشترين في السوق لديهم قدر كبير من قوة التفاوض والمصادر".

المصادر:
رويترز
شارك القصة