Skip to main content

كارثة قارب الموت.. "العربي" يكشف تورط اليونان بغرق مهاجري "أدريانا"

الإثنين 17 يوليو 2023

في 14 يونيو/ حزيران 2023، استفاق العالم على مأساة غرق قارب مهاجرين قرب السواحل اليونانية. فقد ابتلع البحر الأبيض المتوسط حوالي 650 مهاجرًا، كثير منهم من النساء والأطفال، في واحدة من أكبر كوارث غرق المهاجرين، وانضموا لأكثر 27633 مهاجرًا لقوا حتفهم بالطريقة نفسها خلال السنوات العشر الماضية.

لم ينج من القارب سوى 104 مهاجرين، وكان أحمد عللوة من مدينة درعا في جنوب سوريا من بينهم، وهو لم يتعاف بعد من هول ما عاشه.

ويروي في حديث إلى "العربي" حول الأسباب التي دفعته لركوب القارب، ويقول: "بدأ الأمر عندما بدأت الاغتيالات فقد اغتالوا ابن عمي، فقد زاد ضغط النظام والوضع المعيشي، لذا قررت أن أخرج".

البداية من ليبيا

ويروي كيف ذهب برفقة عائلته (9 أفراد) إلى ليبيا حيث مكث في فندق في بنغازي بانتظار المهرب الذي اصطحبهم إلى طبرق حيث "استقبلهم شخص يدعى أبو ريبال".

اصطحب أبو ريبال الشبان فقط ووضعهم في خيمة كبيرة (هنغار) كانت تضم نحو 120 شاب.

مكثوا جميعًا لساعتين قبل أن يتم نقلهم إلى براد متنقل يضم فتحات تهوية، واصطحب المهاجرين إلى تلة وفتح لهم الباب ونزلوا إلى النقطة التي سيغادرون منها بحرًا.

وتزامن وصول أحمد وغيره من المهاجرين إلى مدينة طبرق شرق ليبيا مع استعداد القارب "أدريانا" لرحلته الأخيرة.

وجد المهاجرون أنفسهم أمام قارب صيد متهالك لا يتجاوز طوله 30 مترًا، حمل على متنه 750 مهاجرًا كان من بينهم نساء وأطفال استقر بهم الحال في طابقيه السفليين.

ودفع كل فرد ليكون على متن القارب مبلغ 4500 دولار أميركي للمهربين، وبذلك تقاضوا على الأقل 3.5 مليون دولار لقاء تلك الرحلة.

القارب فقد مساره

ومع فجر الجمعة 9 يونيو/ حزيران 2023، بدأ القارب رحلته. كان من المفترض أن تستغرق مسافة الألف كيلومتر إلى إيطاليا 3 أيام، لكن القارب فقد مساره وتوقف محركه مرارًا.

فظلّ يبحر تائهًا لثلاثة أيام في دائرة قطرها من 20 إلى 25 كيلومتر في البحر المتوسط قبالة السواحل اليونانية.

فقد القارب مساره وتوقف محركه مرارًا وظل تائهًا قبالة السواحل اليونانية.

ويشير مؤسس فريق مجموعة الإنقاذ الموحد إيهاب الراوي إلى أن صاحب المركب المتواجد في ليبيا أعطى القارب المهاجر إحداثية خاطئة عندما وصل إلى النقطة التي حددها له المهرب. ثم حدد المهرب للقارب نقطة ثانية سيتم إنقاذ المهاجرين عندها. 

نفاد الماء

وفي اليوم الثاني على إنطلاق الرحلة، نفد الماء. وقد اضطر المهاجرون لشرب الماء من راديتير المحرك، بحسب أحد الناجين.

بدأت حالات الإغماء بالتزايد بين المهاجرين، وقد توفي بعضهم من الجنسية الباكستانية. وبحسب أحمد، توفي قبطان المركب في اليوم الخامس على بدء الرحلة، لكن لم يشاع الخبر بين الركاب. وبدأ المساعدون بقيادة القارب. 

ومع استمرار القارب في رحلة التيه وموت القبطان وتزايد حالات الإغماء والموت بعد نفاد الماء من المركب، عمّ الاضطراب والتخبط والذعر أوساط المهاجرين، فقرروا التمرد على قواعد تجّار البشر والتصرف لإنقاذ حياتهم.

فتواصلت عائلة سورية مع منسقة عمليات الإنقاذ نوال صوفي، واستمر التواصل ليوم كامل.

وتروي صوفي أنها علمت بوفاة ستة مهاجرين ووجود مرضى على متن المركب وبأن الماء قد نفد. وقد أرسل لها موقع القارب وتبين أنه موجود في المياه التي تخضع للسلطات اليونانية بحسب القانون الدولي. 

وتؤكد صوفي أن "البحر المتوسط هو عبارة عن مجال مراقب وأن الأمر لا يحتاج لسلطات أي بلد لتلقي نداء استغاثة للتحرك".

تقاعس خفر السواحل اليوناني

وبعد تواصل المهاجرين مع صوفي، بدأ توالي المعلومات عن خط سير القارب. ويكشف تحقيق "العربي" كيف ترك الجانب اليوناني القرب لمصيره المحتوم حين كانت الفرصة سانحة لإنقاذه.

ويثبت مقطع فيديو التقطته طائرة سيرة للقوة الحدودية "فرونتكس" أن القارب كانت تحت الرقابة الأوروبية في وقت مبكر من يوم 13 يونيو/ حزيران حيث كان يبعد 85 كيلومترًا عن البر اليوناني.

ورصدت "فرونتكس" القارب المتعثر حوالي الساعة 10 صباحًا بتوقيت غرينتش وأبلغت السلطات اليوناينة بذلك.

وبعد حوالي ساعتين، تلقت منظمة "ألارم فون" المستقلة التي تقدم المساعدة للمهاجرين في عرض البحر، مكالمات من القارب لطلب المساعدة.

وأبلغت بدورها السلطات اليونانية أيضًا. ومرت حوالي 3 ساعات قبل أن تتجه سفينة تسمى "لاكي سايلور" فجأة شمالًا باتجاه قارب المهاجرين بعد أن تلقت طلبًا من خفر السواحل اليوناني لمساعدة القارب. 

تتبع مسار السفن

وتتبع "العربي" باستخدام المصادر المفتوحة وخرائط المسارات الملاحية مسار السفن التي أعلنت عن قيامها بمساعدة القارب.

ووجد أن "لاكي سايلور" بقيت في ذات البقعة المحدودة تدور بسرعة بطيئة حول القارب قرابة أربع ساعات لمد المهاجرين بالمؤن، ثم تركت المنطقة دون مهاجر واحد على متنها.

وقد صرّح المسؤولون عن "لاكي سايلور" لاحقًا بأن المهاجرين ترددوا في قبول المساعدة من قبل طاقمهم. لكن ما زاد من الشكوك هو خلفية الشركى التي تحمل ارتباطًا وثيقًا بالسلطات اليونانية.

فبحسب سجلات الشركات العالمية المتاحة المصدر، فإن صاحب الشركة هو رجل الأعمال أفانسيوس مارتينوس، ويحمل مناصب رسمية في اليونان.

وكانت الشركة المشغلة لـ"لاكي سايلور" متورطة من قبل في تهريب النفط الإيراني إلى فنزويلا بين عامي 2019 و2021.

وقد تواصل فريق "العربي" مع الشركة طالبًا الإجابة على أسئلة حول ملابسات تواج سفينتهم حول قارب المهاجرين، لكنه لم يتلق ردًا. 

كما وجد تحقيق "العربي" أن خروج "لاكي سايلور" من منطقة القارب حوالي الساعة السابعة بتوقيت غرينتش تزامن مع اقتراب سفينة "فايثفول واريور" بطلب السلطات اليونانية.

وقدمت هذه السفينة المؤن للقارب. وبعد 4 ساعات أخرى تحركت مبتعدة عنه، عند الساعة 11:30 بالتوقيت المحلي، من دون إنقاذ أي مهاجر أيضًا. 

رواية السلطات اليونانية

وبحسب السلطات اليونانية، فقد تأخرت عمليات إنقاذ من في القارب بسبب رفض المهاجرين للمساعدة وإصرارهم  على إكمال الرحلة إلى إيطاليا. 

ويشير المحامي والحقوقي باسم سالم إلى أن إعلان السلطات اليونانية لا يمكن أن يؤخذ تمامًا حيث أن المركب لم يتحرك، لافتًا إلى أن رد فعل خفر السواحل اليونانية معروف.

لم ينج من غرق المركب سوى 104 رجال.

من جهته، يلفت مؤسس فريق مجموعة الإنقاذ الموحد إيهاب الراوي إلى أن الناجين أفادوا بأنهم في اليوم الخامس طلبوا المساعدة من أي دولة كانت مؤكدين عدم رفض المساعدة من الجانب اليوناني.

محاولة إنقاذ أغرق المركب

وبحسب الشهود، انتظرت السلطات اليونانية حتى قرابة منتصف الليل بالتوقيت المحلي لترسل أخيرًا سفينة وحيدة من قوة خفر السواحل وهي السفينة رقم 920. 

ويرى الناجي أحمد أن السفينة اليونانية رمت بحبل وتوقفت وراء القارب، فربط المهاجرون القارب بالحبل. فسحبت السفينة القارب بسرعة فانقلب وبدأ القارب بالغرق. سمع الناجون صراخ النساء اللواتي كنّ في داخل القارب برفقة الأطفال، ثم بدأ الصوت يخفت إلى أن اختفى تمامًا. وخاف الناجون من اللجوء إلى السفينة اليونانية، بحسب الناجي أحمد. 

وتمكن من كان على سطح القارب من النجاة فقط، فلم ينج من "أدريانا" سوى 104 رجال. توجهت بهم سفن الإنقاذ مع من استطاعت انتشاله من الجثث نحو مدينة كالاماطا الساحلية القريبة. 

تكتم يوناني

وخلال إعداد التحقيق، توصل فريق "العربي" مع خفر السواحل اليونانية لسماع روايته حول ما حدث، لكن الطلب قوبل بالرفض. كما قوبل طلب سماع رواية "فرونتكس" بالرفض أيضًا. كذلك لم يتم الرد على طلب الفريق بلقاء وزير الهجرة اليوناني. 

أرسلت اليونان سفينة وحيدة من قوة خفر السواحل وهي السفينة رقم 920.

ويشير المحامي والحقوقي باسم سالم إلى أن اليونان هي المسؤولة عن حادثة غرق المركب. لكن يستبعد أن تتم إدانتها فالسلطات اليونانية هي من تحقق في الحادثة. 

ومن جهته، يؤكد علي غزالي وهو أحد أقرباء ضحايا المركب أن عائلات الضحايا واجهوا الكثير من المشاكل عند وصولهم إلى اليونان، حيث كانت السلطات متكتمة على ما يجري وكان من الصعب رؤية الناجين في البداية. ويقول: "أرادت اليونان من الناجين اتهام التسعة المصريين بإغراق القارب لكي تتهرب من المسؤولية". ويشير الغزالي إلى أن أحد المنظمات ومقرها فرانكفورت وتعمل في اليونان، وعدت برفع دعوى قضائية ضد خفر السواحل اليونانية. 

وتفيد صوفي بأنه تم تهدديها من قبل اليونان عندما نشرت المقاطع الصوتية التي توثق تواصلها مع المهاجرين على متن القارب.

وتعتبر أن قصة القارب "لم تخبر شيًا جديدًا عن اليونان بل عن الضوء الأوروبي الأخضر الممنوح لبعض الدول حيث أن الأمن أهم من حياة الإنسان". 

وهكذا أصبحت قصة القارب "أدريانا" وأرواح ضحاياه وصمة عار جديدة في جبين القارة الأوروبية. وفيما تستمر قوارب المهاجرين رغم كل ما حدث تمخر عباب البحر المتوسط كل يوم هربًا من حياة كالموت، تبقى قضية الضحايا والناجين تبحث عن عدالة. 

المصادر:
العربي
شارك القصة