Skip to main content

مذكرات أبو ماهر اليماني.. نشاط نضالي من فلسطين إلى لبنان

الخميس 2 يونيو 2022

خاض أبو ماهر اليماني، غمار تجربة ثرية وطويلة، وعاش في قلب أحداث القضية الفلسطينية، وعايش النكبة بنفسه، وأزال الإسرائيليون قريته من الوجود، وعاش التهجير وحياة المخيم، وانضم إلى النضال الفلسطيني منذ شبابه الباكر.

وسجل اليماني مذكرات حياته بعنوان "تجربتي مع الأيام"، الذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

لقد اختار أبو ماهر عنوانًا يوحي بالشمول، وعبّرت مذكراته عن أهم مراحل حياته من العمل النقابي، ودوره في حركة القوميين العرب، وانضمامه إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

حياة اليماني قصة رجل أمضى أكثر من نصف قرن في معمعة النضال الوطني الفلسطيني.

تاريخ نضالي

ولد أحمد حسين اليماني بقرية سحماتة التي يقول عنها إنها "زهرة من رياض الجليل الأعلى"، ويصفها قائلًا: "ألا يا سحماتة ما أحبك إلى قلبي وما أجملك في نظري".

وتقع القرية إلى الشمال الشرقي من مدينة عكا الساحلية، والتي عاش فيها طفولته وفي سن السادسة خرج مع والده إلى عكا، والذي باع بقرته ليشتري بندقية ويربي ابنه على الكفاح.

وفي الثلاثاء الأحمر، في 17 يونيو/ حزيران 1930، تفتحت عينا الطفل على مشهد الشهداء الثلاثة، عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين حكمت عليهم سلطات الانتداب البريطاني بالإعدام.

لقد ارتسمت في مخيلة الطفل صورة الشهداء وهم معلقون على أعواد المشانق، وهزت الجريمة وجدان الفتى وأدرك الظلم الاستعماري منذ طفولته وشعر بقسوته.

يقول الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. معين الطاهر، إن أبو ماهر اليماني يبدأ المذكرات منذ طفولته، ثم انتقل للمدارس الابتدائية في عكا ومن هناك حصل على منحة للدراسة في الكلية العربية في القدس التي خرجت عددًا من القيادات الفلسطينية، وعمل بعد أن نال شهادة "الماترك" في وزارة الزراعة، ثم استقال منها وقرر الذهاب للعمل في جمعية العمال العربية في حيفا.

تأثره بالعمل النقابي العمالي

واندمج بعد ذلك بالعمل النقابي، فكان شعلة تتميز بالعناد والمثابرة. وتوثق مذكرات أبو ماهر اليماني تاريخ العمل النقابي في فلسطين قبل ظهور إسرائيل، حيث خاضت النقابات المركزية معارك نقابية لتحسين شروط استخدام العاملين العرب في الدوائر الحكومية، ومساواة أجورهم في أغلب الأحيان وفي معظم المهن لأقرانهم من العاملين اليهود.

وتعرّف في تلك المرحلة على القيادي العمالي سامي طه، وتأثر بالتجربة الغنية بالعمل النقابي. قام أبو ماهر اليماني بتأسيس عدة جمعيات عمالية وبتوحيد العمل النقابي العمالي، لذلك، يُعتبر كتابه مرجعًا لتاريخ العمل العمالي الفلسطينية.

بعد نحو ستة أسابيع من اغتيال القيادي سامي طه، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بتقسيم فلسطين، ورفض الشعب العربي هذا القرار وعمت المظاهرات أنحاء الوطن العربي، وهرع أبناء فلسطين إلى الأقطار العربية لشراء الأسلحة من مخلفات الحرب العالمية الثانية.

وأدت جمعية العمال العربية دورًا مهمًا في تنظيم المقاومة وتعبئة الجماهير، وشكلت مجموعات لتنفيذ عمليات التعبئة في أنحاء فلسطين والمقاومة من قبل قيادات ميدانية.

ويقدم أبو ماهر اليماني في مذكراته شهادته على لحظة النكبة، إذ ساهم في النجدات التي طلبتها قوات جيش الإنقاذ، ومحيت قريته سحماتة من الوجود وهجرت عائلته.

اعتقلت قوات الهاغانا أبو ماهر اليماني وكانت الجملة الأخيرة التي سمعها أبو ماهر في فلسطين: "هيا إلحقوا جيش الإنقاذ. إذهبوا إلى لبنان إياكم أن تعودوا. وسنقتل كل من سيحاول العودة".

رحلة الشتات

عاش اليماني في مخيمات لبنان وتمكن من تعليم الأطفال والطلبة حب فلسطين، وبقي مصرًا على تعليم أبناء المخيم وتحويله إلى كتلة من النشاط والتنظيم والثورة.

وعام 1951 أصبح مديرًا للمدرسة الابتدائية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وكان وراء فكرة إنشاء مدرسة برج البراجنة.

زرع اليماني حب فلسطين في الطلاب؛ ورغم عرض العمل مع اليونيسكو، إلا أنه رفض وفضّل تعليم أطفال المخيم.

في هذا السياق، تقول الدكتورة نوارة ثابت الباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إنه في مخيمات لبنان التقى جورج حبش ووديع حداد، وكلاهما كانا طالبين في كلية الطب بالجامعة الأميركية ببيروت، وكانا يزوران مدارس الأونروا، ويأخذان الهدايا للأطفال.

وتضيف أن حركة الكشافة كانت حركة ثقافية وتدريبية وعسكرية، وأبو ماهر اليماني كان يقول "فلنشترِ سلاحًا كلما توافر المال"، وبعدها أصبح يدرب الشباب على سبيل الحماسة، ثم القيام بعمليات عسكرية ابتدائية.

عام 1956 استطاع أبو ماهر اليماني مع مجموعة من أصدقائه الحصول على دعم سنوي من الملك سعود، الذي كان يقدم سنويًا مبلغ 10 آلاف جنيه إسترليني، مساعدة للفلسطينيين المقيمن في لبنان.

لكن أبو ماهر طرد من الأونروا بسبب منشوراته ونشاطه السياسي، ولم تتوقف أجهزة المخابرات العسكرية عن ملاحقته والتحقيق معه بتهمة تحفيز الفلسطيين على الإضراب والتظاهر.

العمل العسكري

رأى أبو ماهر أن العمل التنظيمي لتحرير فلسطين بات أولوية، لذلك بدأ تشكيل المنظمة العسكرية لتحرير فلسطين، وبعد الانتساب إلى حركة القوميين العرب، أدرك أنه لم يكن وجده الذي فكر في العمل العسكري، بل هناك مجموعة من الشباب العرب الذين أطلقوا على أنفسهم كتائب الفداء العربي. وحينها اشترى اليماني سلاح رشاش من نوع "كارلو"، وهذه الأسلحة هي التي أسهمت في تجهيز مجموعة شباب الثأر التي استشهد فيها خالد الحاج أبو عيشا.

ودخل أبو ماهر السجن 55 في لبنان، وكتب ذات مرة لزوجته: "إننا يا سهام نأكل لنعيش وإننا لا نعيش لنأكل وليست الحياة الهادئة الخالية من المشكلات وليس الحياة الخانعة التي نحب، إن الحياة الثائرة المستمرة الممزوجة بالشقاء والمخاطر والمشكلات والصعاب هي الحياة التي نحب ونختار".

وفي فبراير/ شباط 1959 التقى اليماني بالرئيس جمال عبد الناصر بمناسبة الذكرى الأولى لقيام الجمهورية العربية المتحدة، وطلب منه أن يمدهم بالتدريب والسلاح.

تعمّد أبو ماهر اليماني الابتعاد في مذكراته عن كل ما هو إشكالي، ولا سيما أن هناك بعض الأسرار التي خبّأها، إضافة إلى كثير من الفترات الحاسمة على مستوى الثورة الوطنية الفلسطينية.

وتولى اليماني، أواسط سبعينيات القرن الماضي، أمانة سر هيئة ائتلافية نشأت خلال الحقبة اللبنانية من العمل الفلسطيني تدعى "جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية - جبهة النضال الشعبي الفلسطيني"، وجبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني، لكنه تنحى عن مسؤولياته الحزبية والسياسية مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وكتب أبو ماهر وصيته لعائلته قائلًا: "وصيتي لأحبتي أولادي وزوجتي. لا تنسوا وطنكم الأول فلسطين مهد عيسى ومسرى محمد، وطن الآباء والأجداد، واذكروا أن الحنين إلى الوطن والعودة إليه وحده لا يكفي، بل يجب المساهمة في العمل التحرري في إطار الإمكانيات المتوافرة لكل منكم آخذين بالمقولة الداعية إلى العمل، أن تشعل شمعة في الظلام خير من أن تلعن الظلمة".

المصادر:
العربي
شارك القصة