Skip to main content

مزارعون "ينشرون الموت".. من يتحمّل مسؤولية تفشّي السرطان في اليمن؟

الإثنين 12 أبريل 2021

إلى جانب آثارها ومآسيها السياسية والاقتصادية والنفسية، تركت الحرب اليمنية بصمتها أيضًا على تدهور الوضع الصحي في البلاد، ليس فقط من ناحية قتلى الحرب ومصابيها، أو تدمير البنية التحتية للقطاع الصحي، ولكن أيضًا على مستويات أخرى، مثل ارتفاع أعداد المصابين بالأمراض المختلفة، ولا سيّما السرطان.

ولعلّ الأرقام خير دليل على ذلك؛ إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ هناك نحو 35 ألف مصاب بالسرطان في اليمن، وحوالي 11 ألف حالة جديدة يتم تشخيصها كل عام.

وبحسب مركز تسجيل وأبحاث السرطان بجامعة عدن، تتركز أنواع السرطان في اليمن بصفة رئيسية في الجهاز الهضمي، تليها سرطانات الفم ثم الغدد اللمفاوية، بينما يحتل سرطان الثدي المرتبة الأولى لدى النساء.

وتتعدد أسباب السرطان في اليمن؛ لكن المبيدات الزراعية - لاسيما المحظورة أو منتهية الصلاحية - تأتي على رأسها؛ فخلال سنوات الحرب وانهيار مؤسسات الدولة وضعف الجهات الرقابية، شهد اليمن تزايد تهريب المبيدات المحظورة، التي يتسابق عليها المزارعون نظرًا لأسعارها الزهيدة، مقارنة بالمبيدات الأصلية.

ما علاقة مزارع القات بالسرطان في اليمن؟

يشتهر اليمن بمزارع القات مترامية الأطراف، ويتناول اليمنيون القات بكميات كبيرة، رغم أن منظمة الصحة العالمية صنفته عقارًا ضارًا، من الممكن أن يتسبب في حالة خفيفة أو متوسطة من الإدمان.

بدورهم، وسعيًا وراء زيادة الأرباح وسرعتها، يستخدم مزارعون المبيدات المحظورة، لحماية القات من الآفات الزراعية، وتسريع فترة الإنضاج، فيتم قطف المحصول مرات عدة سنويًا.

ووفقًا لدراسة نفذتها المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في اليمن، هناك 9 أنواع من المبيدات المستخدمة في حماية شجرة القات، ثبُت علاقتها بالأورام السرطانية المختلفة، بالإضافة إلى سرطانات الفم التي لها علاقة مباشرة بتعاطي القات.

كما كشفت دراسة أخرى نفذتها مؤسسة "يمن بلا قات"، أن نحو 90% من المواد الفعالة للقات، تُمتص عبر الغشاء المخاطي للفم، مسببة جفافًا وتغيّرًا للأنسجة المبطنة للخد؛ مما يؤدي لظهور أعراض تسبق الإصابة بالسرطان.

وتشير إحصائيات لوزارة الزراعة والري اليمنية، أنه يوجد في اليمن أكثر من 250 مليون شجرة قات، وأن ربع السكان يعملون في هذا المجال، والخطير أن زراعة القات تستهلك وحدها، نحو 70% من المبيدات المهربة.

المزارعون أصبحوا "ضحايا" للمبيدات

ولا يقتصر خطر القات على الأضرار الصحية فقط، فبسبب أرباحه العالية والسريعة أيضًا، يفضل الكثير من المزارعين القات على المحاصيل الأخرى، مما قلص مساحات الأراضي الزراعية بشكل كبير.

وقد دفعت هذه المخاطر التي تهدد الزراعة اليمنية، فريق "العربي" للحديث مع أحد المسؤولين في وزارة الزراعة، الذي كشف عن حقائق صادمة حول تناقص الأراضي الزراعية، بسبب القات.

وبالفعل، توجه فريق "العربي" نحو إحدى مزارع القات، حيث التقى ببعض المزارعين، وشاهدهم وهم "ينشرون الموت بأيديهم".

وكشف المزارعون أسباب اعتمادهم على المبيدات المحظورة رغم خطورتها، كما كشفوا عن إهمال حكومي في الرقابة والمتابعة والإرشاد الزراعي، والمؤسف أن العديد من المزارعين أصبحوا ضحايا لتلك المبيدات، حيث انتشرت بينهم الأمراض والأورام، لكنهم لا يجدون بديلًا عن الزراعة أو استخدام المبيدات، رغم تحذيرات الأطباء.

المبيدات المحظورة تُباع علنًا ومن دون رقابة

لكنّ المفارقة بين المخاطر الواضحة للمبيدات المحظورة، وبين حديث المزارعين والمسؤولين عن كثافة استخدامها، تكمن في وجود أسواق شعبية ومحلات تجارية تبيع تلك المبيدات المحظورة، بل إنّ المفاجأة أنّ المبيدات المحظورة لا تباع سرًا، ولكن أمام أعين الجميع من دون رقابة أو مُساءلة.

ومع أنّ تجار المبيدات يرفضون الحديث عن الأنواع المحظورة، وكيفية الحصول عليها، لكنّ "العربي" حصل على لقطات خاصة تُظِهر المزارعين يشترون المبيدات المهربة في وضح النهار.

ويشترط القانون اليمني للحصول على ترخيص تجارة المبيدات، أن يكون طالب الرخصة حاصلًا على شهادة جامعية (وقاية نبات)، أو التعاقد مع مشرف فني للحصول على الترخيص. إلا أنّ الواقع أن المبيدات تباع على الأرفف من دون رقيب أو حسيب.

وعلى صعيد انتشار تجارة المبيدات المحظورة في الأسواق اليمنية، كشفت مصادر لـ"العربي" أن عمليات التهريب تتم بشكل أساسي عبر الشريط الساحلي الطويل.

وحصل فريق "العربي" على وثائق ومستندات حكومية تكشف تزايد عمليات التهريب خلال السنوات الماضية. وأظهرت الوثائق ضبط أطنان من المبيدات المحظورة، فيما يقول خبراء: إن أضعاف هذه الكمية أفلتت من الضبط وغزت الأسواق.

بيروقراطية بين الأجهزة واتهامات متبادلة

وتتجاوز أزمة المبيدات المحظورة في اليمن، قضية تشديد الرقابة ووقف عمليات التهريب؛ فالكميات الكبيرة من المبيدات المضبوطة، تُشكل خطورة بسبب انبعاث الغازات السامة، ولذلك تحتاج إلى مخازن مطابقة للشروط الفنية، وأن تكون بعيدة عن الأحياء السكنية.

على العكس من ذلك، حصل فريق "العربي" على تسجيل يوثّق ضبط شحنات من المبيدات المحظورة وبعضها منتهية الصلاحية، علمًا أنّ القانون اليمني يوجب على التاجر التخلص من المبيدات منتهية الصلاحية، كما يفرض على مستورد المبيدات المحظورة إعادتها إلى بلد المنشأ على نفقته الخاصة، وخلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا.

لكن، رغم ترسانة القوانين التي تحدد جهات الاختصاص بشأن الرقابة على المبيدات الزراعية، يكشف الواقع عن بيروقراطية بين الأجهزة المعنية، واتهامات متبادلة بالتقصير، كما تكشف عنها هذه الوثائق التي حصلنا عليها، والصادرة من مصلحة الجمارك التي تشتكي لنيابة الأموال العامة، تقصير وزارة الزراعة في التعامل مع المبيدات المضبوطة.

المصادر:
العربي
شارك القصة