Skip to main content

مستقبل العلاقات المتأزمة بين الناتو وروسيا.. أيّ سيناريوهات محتملة؟

الإثنين 4 يوليو 2022

لم تكن قمة حلف شمال الأطلسي كسابقاتها وإن بدت كذلك من حيث الشكل، فثقل الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها الإستراتيجية دفعت قادة "الناتو" إلى وضع خارطة طريق دفاعية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

وفقًا لبيان القمة صادقت دول الحلف على تعزيز وجودها العسكري على جناحها الشرقي بما يتجاوز 300 ألف جندي ضمن إستراتيجية دفاع استباقية تُعرف باسم "الردع من خلال المنع"، إضافة إلى الموافقة على دعوة فنلندا والسويد للانضمام إلى الحلف.

وما كانت تلك الخطوات أن تتم لولا تصنيف الحلف لروسيا على أنّها التهديد الأكبر والمباشر لأمن الحلفاء، بعد أن كانت قبل أكثر من عقد من الزمن في موضع أراد الناتو حينها عقد شراكة إستراتيجية معها وفق الرؤية التي نشرها الناتو عام 2010 للتهديد الأكثر خطورة للأمن الأوروبي.

تباين داخل "الناتو"

غير أنّ المقاربة الإستراتيجية الجديدة لا تخفي التباين بين أعضاء في الناتو يسعون إلى إبقاء روسيا "دولة منبوذة"، وآخرون يرون أنّ أوروبا ستضطر في النهاية إلى التعامل معها.

وأيًّا ما كان هذا التباين وحدوده في المستقبل، فإنّ أعضاء حلف شمال الأطلسي أرادوا التأكيد في هذه المرحلة على أنّ أدوات الضغط العسكري أصبحت ضرورة ملحة لاحتواء روسيا دون أن يقود ذلك إلى مواجهة عسكرية معها. وتلك مسألة تتطلب تحديد الدول التي يجب على الناتو نشر قوات عسكرية فيها بما لا يؤدي إلى إجبار موسكو على ردّ عسكري كحالتي فنلندا والسويد.

ومع لغة التهديد الإستراتيجي التي أعلن عنها الناتو، لم تكن الصين هي الأخرى غائبة وأن كانت اللهجة تجاهها أقل حدّة باعتبارها دولة تضرّ بمصالح الحلف وأمنه وتقوّض النظام الدولي.

وبين قمة مدريد عام 1997 والقمة الحالية فاصل زمني بلغ 25 عامًا كانت العاصمة الإسبانية محطة لصدور قرار تاريخي بتوسعة الناتو ليضم بلدان الشرق الأوروبي، وهي اليوم محطة أخرى لصدور قرارات تاريخية تجعل من الجبهة الشرقية للحلف خطًا دفاعيًا أمام أيّ محاولات روسية مستقبلية للقيام بعمليات عسكرية.

وثيقة "مهمة ورسمية"

وفي هذا الإطار، يعتبر أستاذ الدبلوماسية والدراسات الدفاعية د. إبراهيم السعيدي أنّ وثيقة المفهوم الإستراتيجي "مهمة ورسمية" لحلف شمال الأطلسي، حيث تعدّ ثاني وثيقة رسمية بعد المعاهدة المؤسسة للحلف سنة 1949.

لكنه يرى في حديث إلى "العربي" من الدوحة، أنّ تلك الوثيقة هي التي تحدد العقيدة العسكرية والسياسية لحلف شمال الأطلسي.

ويشرح أنّ العقيدة العسكرية تبين كيف يتصور الناتو عملية التهديد وكيف يمكن تحريك قواته لمواجهة التهديدات العسكرية، إضافة إلى أنّ الوثيقة تبين كذلك تصوره من الجانب السياسي للتهديدات، لا سيّما أن أي تهديدات عسكرية بحاجة إلى قراءة سياسية.

ويؤكد أن وثيقة حلف شمال الأطلسي تعطي التصور العام للحلف، وأن هذه الوثيقة تعيد إنتاج "العدو الإستراتيجي" بعد أنّ اختفى الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي.

العالم "أكثر خطورة الآن"

من جانبه، يرى أستاذ في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية ديفيد ري روش أن وثيقة المفهوم الإستراتيجي تمثل شيئين وهما أن الناتو يرى العالم على أنه مكان أكثر خطورة مقارنة بوثيقة عام 2010 لا سيّما أن هناك بعض المنظورات التي تنظر إلى روسيا أنها قد تكون دولة شريكة من خلال الروابط الثقافية التي تعد أكثر أهمية من التدابير العسكرية.

أمّا بالنسبة إلى النقطة الثانية، فيعتبر روش في حديث إلى "العربي" من واشنطن أن وثيقة المفهوم الإستراتيجي "نقطة مهمة" فهي توضيح التهديد العسكري الذي تمثله روسيا. لكنه يرى أن الصين تمثل تهديدًا أيضًا لحلف شمال الأطلسي على الرغم من عدم وجود أيّ تهديد جغرافي، إضافة إلى فاعلين آخرين.

"تقوية" حلف شمال الأطلسي

من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف د. حسني عبيدي أن هناك رغبة من قبل الولايات المتحدة منذ فترة أن يكون لديها وجود عسكري مهم في أوروبا خاصة مع الإرهاصات الأولى لقوة عسكرية أوروبية، ولا سيّما أن واشنطن "غير راضية" عن أيّ استقلالية أوروبية في هذا المجال.

ويوضح في حديث إلى "العربي" من جنيف، أنّ الولايات المتحدة وحلفاؤها اكتشفوا في النهاية أنّ روسيا والصين وربما دول إقليمية أخرى أصبح لديهم تأثير كبير على النفط والغاز وقضايا إقليمية على مساحات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وفي آسيا.

ويرى أن الذي ساهم في إحداث هذه الوثيقة الإستراتيجية الجديدة لحلف شمال الأطلسي يكمن في وجود إدارة أميركية جديدة ترغب في تقوية الحلف وذلك خلافًا لإدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، مؤكدًا أن ما جرى هو يعد "تحولاً إستراتيجيًا".

المصادر:
العربي
شارك القصة