Skip to main content

من الإصلاح وصولًا إلى الغداء الأخير.. قصة الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي

السبت 29 يناير 2022

اختفى الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي يوم الثلاثاء في 11 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1977، وذلك بعد تلبية دعوة غداء في منزل رئيس الأركان أحمد الغشمي.

وبعد وقت قصير تم الإعلان عن مقتل الحمدي وأخيه. ووجّه أنصار الرئيس الأسبق اتهامات للغشمي والرائد حينذاك علي عبدالله صالح بالتعاون مع جهات خارجية. 

ملهم الثورة

ولأكثر من 30 عامًا لم يتم إجراء تحقيق موسع في الحادث طوال حكم الرئيس الراحل على عبدالله صالح. لكن ثورة 11 فبراير/ شباط 2011 فتحت الباب أمام المطالبة بإعادة التحقيق في الحادث الغامض.

ورفع اليمنيون صورة الرئيس الأسبق الحمدي في ثورتهم ضد علي عبدالله صالح. وأطلقوا اسمه على أحد أيام الثورة. فصالح نفسه محل اتهام بالمشاركة في اغتيال الحمدي، ثم التستر على الجريمة ومنع التحقيق الجاد بشأنها، بل وتغييب سيرة الحمدي عن الأجيال الجديدة من أبناء اليمن. 

وجاء إحياء ذكرى الحمدي بوصفه إصلاحيًا تتماهى سيرته مع مطالب الثورة بالعدالة والكرامة. لكن الأمر تجاوز الاحتفاء بالرجل إلى مطالب بإعادة التحقيق في الحادث الغامض ومحاسبة المتورطين في مقتله والمشاركين في دفن القضية. 

وقالت باحثة الماجستير عن تجربة إبراهيم حمدي أروى ثابت في حديث إلى "العربي": "إن الثورة الشبابية استحضرت ذكرى الحمدي في تلك الأحداث وطالبت بفتح قضيته لكن العناصر الداخلية التي كانت تختلف مع الحمدي في بناء الدولة اليمنية كانت ما زالت حاضرة". 

ومنذ قيام ثورة سبتمبر/ أيلول عام 1962، عانى اليمن الشمالي من تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية حيث غادر البلاد عبدالله السلال أول رئيس بعد الثورة ليخلفه القاضي عبد الرحمن الإرياني عبر حركة 5 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1967.

وبالرغم من الطبيعة الإصلاحية المدنية للإرياني فضلًا عن المصالحة الوطنية وتوقف الحرب بين الملكيين والجمهوريين، إلّا أن التوتر السياسي والصراع على السلطة استمر في تأزيم حياة اليمنيين اليومية، ولا سيما مع تزايد نفوذ زعماء القبائل وتهميش سلطة الإرياني. 

الخطوات التصحيحية

وأشار المفكر السياسي قادري حيدر إلى أن الحمدي كان منذ عام 1973 المشرف المباشر على البرنامج الإنمائي الثلاثي، وكان حاضرًا في كثير من التحركات السياسية الإصلاحية الاقتصادية في الجيش وخارجه.

وفي ظل تلك الأجواء المتوترة ورغبة الإرياني في مغادرة السلطة، ظهر إبراهيم الحمدي قائدًا لحركة 13 يونيو/ حزيران عام 1974 والتي تصف نفسها بالحركة التصحيحية، فيما يقول آخرون إنها انقلاب أبيض جاء من دون إراقة الدماء. 

وبدأ الحمدي ما وصفه بالخطوات التصحيحية وبناء مؤسسات الدولة والتخلص تدريجيًا من هيمنة زعماء القبائل والتركيز على خطاب استقلال القرار اليمني. 

وهنا شعرت الأطراف الداخلية والإقليمية التي راهنت على الرجل باعتباره الورقة الأضعف أنه يمضي في طريق غير ما كانت تخطط له وبعيدًا عن مصالحها.

وقال مدير معهد المعلمين في عهد إبراهيم الحمدي، أحمد سيف، في حديث إلى "العربي": "إن الحمدي اعتمد على حالة الاندفاع الشعبي وكان يراهن على ضرورة تصحيح العلاقة بين القيادة والمواطن العادي". وأضاف: "شدّ اهتمام الجماهير باتجاه هذا المشروع وبدأ من خلال خطوات متسارعة بتمكين الجماهير من استعادة إرادتها وقرارها". 

يوم الجيش

من جهته، أشار قائد حرس إبراهيم الحمدي أحمد أبو منصر إلى أن القوى السياسية كانت تضغط على قرارات مجلس القيادة، فحاول حمدي التخلص منها في غضون عشرة أشهر أي من 13 يونيو/ حزيران 1974 وحتى 27 أبريل/ نيسان 1975، وتخلص من القوى في مجلس القيادة والقوات المسلحة والمحافظات.

واعتبر المفكر السياسي قادري حيدر أن هذه الخطوة هي أخطر وأهم خطوة في تاريخ حركة 13 يونيو لأنها وجهت ضربة في الصميم للقوى الاجتماعية السياسية التقليدية. 

وكانت الخطوة الأهم والأكثر خطورة أمام الحمدي هي التخلص من مراكز القوى داخل الجيش والشرطة وهو ما قام به عبر قرارات 27 أبريل/ نيسان 1975 والتي شملت إلغاء مصلحة شيوخ القبائل وإقصاء العديد من شيوخ القبائل من المناصب العليا في الدولة والقوات المسلحة. وأطلق عليه يوم الجيش واستمر الاحتفال به لسنوات عدة.

غضب أصحاب المصالح 

ولفتت قرارات فبراير نظر الشارع اليمني إلى الحمدي وإلى مشروعه الإصلاحي، واعتبره الكثيرون فرصة حقيقة نحو التغيير وليس مجرد زعيم آخر يردد باقة من الشعارات، لكن هذه القرارات فجّرت أيضًا غضب وخوف أصحاب المصالح التي يهددها مشروع الحمدي داخل اليمن وخارجه.

وقال الباحث السياسي محمد المياحي: "إن إبراهيم الحمدي لم يكن يقدّر بشكل دقيق مدى التغول الذي تملكه القبيلة".

وأضاف: "كان بإمكانه تطويعها.. لكنه تعامل معها كما وكأننا في دولة ديمقراطية مدنية ولم يراع الخصوصية الاجتماعية".

وفي فبراير/ شباط عام 1977، حاول الحمدي تتويج جهوده الإصلاحية بتوحيد شطري اليمن حيث التقى رئيس الشطر الجنوبي سالم ربيع علي وتم الاتفاق على أن يقوم الحمدي بزيارة عدن لتوقيع اتفاقية الوحدة في 13 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه. 

الغداء الأخير

وقبل يومين من موعد زيارته إلى عدن عاد الحمدي إلى منزله لأخذ قسط من الراحة، ثم اتصل به رئيس الأركان أحمد الغشمي وأصر على حضوره مأدبة غذاء دعا إليها أيضًا كبار رجال الدولة. 

ذهب الحمدي إلى الغداء الذي لم يكن يعلم أنه الأخير له. وأذيع خبر "امتداد أيادي الغدر" واغتيال إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله الحمدي. 

وفي يوم التشييع هتف المشيعون الغاضبون: "أين القاتل يا غشمي؟" ثم هتفوا: "أنت القاتل يا غشمي".

وحتى بعد دفن جثته، لم يصدق الناس وفاة الرئيس الشاب الذي لم يبلغ 35 عامًا، وتحولت تلك الجماهير إلى مسيرات غاضبة تبحث عن حقيقة ما حدث لرئيسها وحلمها الذي بدا أنه يتبدد بين أيديها. 

تشويه صورة الحمدي

ووفق أنصار الحمدي، أراد القتلة تشويه صورته عبر تلفيق قصة جنسية لتبرير الجريمة، حيث تم الترويج لعثور السلطات على جثتي الرئيس الحمدي وشقيقه إلى جانب جثمانين لفتاتين فرنسيتين داخل غرفة نوم. 

ولم يتعرض الحمدي للاغتيال والتشويه فقط، بل باتت سيرته وتاريخه من المحرمات في اليمن. وأشار المياحي إلى طمس الحمدي من الذاكرة الوطنية وقال: "لا أعتقد أن ذلك حصل عفويًا". 

ورغم العقود التي مضت على اغتيال الحمدي، إلا أن الأجيال الجديدة يبدو أنها وجدت فيه حلمها الضائع وأملها المفقود في الإصلاح والتغيير.

المصادر:
العربي
شارك القصة