من بينها الجفاف.. مشكلات الفلاحة تهدد الأمن الغذائي في المغرب
في وقت يشهد فيه المغرب أسوأ موجة جفاف منذ 40 عامًا، وسعي الحكومة لتقليل اعتماد اقتصادها على الفلاحة عن طريق رفع مساهمة قطاعات أخرى خاصة القطاع الصناعي، تظل الزراعة هي محرك الاقتصاد في البلاد.
ويساهم القطاع الفلاحي بنسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي في المغرب، ويعمل به أكثر من 40% من السكان، بينما تقدر المساحة المزروعة بنحو 8.7 ملايين هكتار، وهي تشكل 25.12% من المساحة الإجمالية للبلد.
استيراد القمح
والمحاصيل الرئيسية هي الحبوب، التي تشكل 55% من المساحة المزروعة، والحمضيات والزيتون والأشجار المثمرة. غير أن القطاع يعتمد بشكل كبير على تساقط الأمطار خاصة زراعة الحبوب التي لا تغطي احتياجات البلاد لتضطر إلى الاستيراد.
ويحتاج المغرب إلى نحو 10 ملايين طن من الحبوب سنويًا، لكنه استورد العام الماضي قرابة 50 مليون طن بزيادة 23.2% على أساس سنوي. وتكلف استيراد القمح اللين العام الماضي فقط أكثر من 25 مليار درهم (نحو 2.4 مليار دولار) أي بزيادة 81%، حسب إحصائيات مكتب الصرف المغربي.
وأشار تقرير صدر في الآونة الأخيرة من وكالة فيتش للتصنيف الائتماني إلى أن تصنيف المغرب مرهون بضعف مؤشرات التنمية والحوكمة وارتفاع الدين العام فضلًا عن تقلب الناتج الزراعي.
وأضاف التقرير أن الانتعاش الاقتصادي للمغرب يواجه عوامل غير مواتية، إذ تباطأ النمو الاقتصادي في عام 2022 إلى 1.2%، من 7.9% في 2021، وتراجع الإنتاج الزراعي 15% بسبب الجفاف الشديد.
وتوقعت الوكالة تعافي نمو الناتج المحلي في 2023 إلى 3% مدعومًا بتحسن الإنتاج الزراعي فيما لايزال أداء القطاع نفسه يعتمد أساسًا على الظروف المناخية.
ارتفاع التضخم في المغرب
تسبب ضعف الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في قطاع الفلاحة إلى ارتفاع التضخم لمستويات لم يسبق لها مثيل في الأشهر القليلة الماضية. وبلغ التضخم في نهاية فبراير/شباط الماضي على سبيل المثال 10.1%، نتيجة زيادة أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20%.
واتخذت الدولة إجراءات لكبح التضخم والذي طال أسعار الخضر والفواكه التي يحقق فيها المغرب اكتفاء ذاتيًا.
ومن بين هذه الإجراءات إعفاء منتجات الأسمدة من الضرائب وإلغاء ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الفلاحية لخفض النفقات على المزارعين والتقليل من صادرات بعض السلع لضمان توفرها في السوق كالطماطم التي ارتفع سعرها خلال شهر رمضان الماضي.
وأعلن وزير الفلاحة المغربي محمد صديقي الأسبوع الماضي، أن الحكومة "ستشرع في تنفيذ برنامج لدعم الفلاحين بغلاف مالي 10 مليارات درهم، ويشمل دعم الأعلاف المستوردة المخصصة للمواشي والدواجن، ودعم المواد الأولية الفلاحية المستوردة بغية خفض كلفة إنتاج مجموعة من الخضر والفواكه".
كما قال إن الحكومة ستخصص اعتمادات مالية لاستيراد القمح اللين "لضمان التزويد العادي للسوق إلى حدود شهر ديسمبر المقبل".
وللتقليل من آثار الجفاف، أقر المغرب في وقت سابق برنامجًا للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة بين 2020 و2027 باستثمارات تبلغ نحو 12 مليار دولار. كما يراهن على محطات تحلية مياه البحر، ويسعى لأن يكون لديه 20 محطة بحلول 2030.
"المغرب الأخضر"
ووضع المغرب في 2008 برنامجًا امتد حتى عام 2020 سمي بمخطط "المغرب الأخضر" بهدف تطوير الإنتاج وجعل القطاع محركًا أساسيًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد والحفاظ على الموارد الطبيعية.
وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي كان وزيرًا للفلاحة في فترة وضع المخطط، مطلع هذا الشهر أمام البرلمان إن المخطط "ساهم بمضاعفة الناتج الداخلي الخام ليتجاوز سقف 127 مليار درهم في 2021، ومضاعفة الصادرات ثلاث مرات، مع تمكنه من خلق ما يزيد عن 50 مليون عمل إضافي بنسبة تشغيل بلغت 75 بالمئة في الوسط القروي".
وأشار إلى أنّ "مخطط الجيل الأخضر" وهو استكمال للمخطط الأول ويمتد من 2021 إلى 2030. ومن أهدافه تطوير محاصيل لا تحتاج للكثير من مياه الري كأشجار الخروب واللوز والزيتون والصبار.
لكنه قال إن جائحة كوفيد والجفاف والتقلبات المناخية جميعها أثرت بشكل مباشر على التوازن في قطاع الفلاحة مما انعكس سلبًا على سلسلة إنتاج اللحوم الحمراء والحليب.
واستورد المغرب في الشهرين الماضيين، نحو 20 ألف رأس ماشية من البرازيل لسد النقص في اللحوم وخفض أسعارها في السوق المحلية.
وأثر ارتفاع الصادرات المغربية في الشهريين الماضيين من الخضر والفاكهة الأساسية إلى أوروبا وإفريقيا على موائد المغاربة بعد زيادة أسعار تلك المنتجات في السوق بشكل حاد. ويراهن المغرب على تحقيق معدل نمو في حدود 4% خلال 2023 مقابل توقعات عند 3% لصندوق النقد الدولي.