Skip to main content

نحل العراق يُعاند الجفاف.. كيف يؤثر التغيّر المناخي على إنتاج العسل؟

الأحد 16 يوليو 2023

عند أقدام أشجار النخيل الفارهة، يرفع محمد العلياوي الغطاء عن إحدى خلايا النحل المزدحمة التي يهتمّ بها في منطقة ريفية في وسط العراق، حيث أثّر الجفاف وارتفاع درجات الحرارة على إنتاج العسل.

ووزّعت الشركة التي يعمل بها العلياوي في محافظة بابل العشرات من خلايا النحل على موقعين. ووسط البساتين العطشى في قرية الرغيلة، صفّ نحو 40 صندوقًا خشبيًا قرب حقول الشمام والبطيخ التي تنازع تحت شمس حارقة، وفي أرض متشقّقة.

وللهروب من درجات الحرارة في الصيف التي تُناهز الخمسين درجة مئوية، غيّر العلياوي موقع كل خلاياه لإنتاج العسل خلال الصيف.

فقد نُقلت سبعة مواقع إلى جبال كردستان العراق في الشمال، حيث تنعم النحلات بطقس لطيف وخضرة وفيرة، وتُعدّ مصدرًا هامًا للرحيق وحبوب اللقاح.

ويشرح العلياوي وهو نائب رئيس جمعية نحالي النجف أنه "ما لم ننقل النحل فسوف يُنهك"، مشيرًا إلى أنّ الحرارة المثالية للنحلة تتراوح بين 30 إلى 35 درجة مئوية.

ويُضيف مربّي النحل البالغ 43 عامًا والذي يعمل في هذا القطاع منذ عام 1995، أنّ "الجفاف" كان له وقع مباشر على النحل الذي يتأثّر بالغطاء النباتي، "فإذا توفّرت المياه سوف يكون هناك زراعة وغطاء نباتي".

وليجد النحل النبات للتلقيح، عليه قطع مسافات أطول من المعتاد، أي "أربعة أو خمسة كيلومترات"، وفقًا للعلياوي، حيث كان يجتاز في السابق مئات الأمتار فقط.

ويُضيف العلياوي وهو مدير مناحل لدى شركة خاصة أنّ ذلك يؤثر على متوقّع عمر النحلة، فـ"النحلة الشغّالة بالظروف الجيدة تعيش 60 يومًا، لكن بهذه الظروف تعيش 20 يومًا".

ونتيجة لذلك، وفي حين كانت خلية النحل الواحدة تُنتج قبل أكثر من 20 عامًا بين 20 إلى 25 كيلوغرامًا من العسل، فإن العلياوي يؤكد أنّ إنتاجها اليوم لا يتخطى الكيلوغرامات الخمسة.

في صبيحة أحد أيام يوليو/ تموز، يتفقّد العلياوي مع أعضاء من فريقه، مرتدين عدة للحماية ومغطّين وجوههم، خلايا النحل في الرغيلة. يستخدم النحّالون مدخنة لتهدئة النحل، ثمّ يرفعون الأغطية ويُخرجون إطارات. على الخلايا الشمعية، تجمّعت النحلات العاملة حول الملكة، الأكبر حجمًا بشكل ملحوظ.

عواصف ترابية

يُعدّ العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثرًا بالتغيّر المناخي وفق الأمم المتحدة.

وذكرت السلطات أن البلاد تشهد للعام الرابع على التوالي موجة جفاف، بسبب تراجع الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحّر.

وسط البساتين العطشى في قرية الرغيلة، صفّ نحو 40 منحلًا - تويتر

 لكنّ السلطات تعزو الوضع خصوصًا إلى بناء تركيا وإيران المجاورتين سدودًا على نهري دجلة والفرات، ما أدى إلى تراجع حاد بمنسوب المياه في الأنهار على الأراضي العراقية.

وعلى الرغم من ذلك، يُبدي هاشم الزهيري مدير قسم النحل في وزارة الزراعة تفاؤلًا بوضع إنتاج النحل في البلاد، مضيفًا أنّه في العام 2022، بلغت كمية إنتاج النحل في العراق، باستثناء إقليم كردستان، 870 طنًا، مقابل 700 طن عام 2021.

ويقول: "عام بعد عام، نشهد فرقًا نحو الأفضل، والعمل مستمر".

في العام نفسه، بلغ إنتاج العسل في إقليم كردستان 850 طنًا.

وأعدّ الزهيري دراسة بشأن إيجابيات نقل بعض الخلايا من وسط العراق وجنوبه نحو كردستان، وكذلك نقل خلايا من الشمال إلى الوسط والجنوب، "بحسب الحاجة".

كما يدعو الزهيري مربّي النحل إلى اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية مثل وضع "غطاء من قصب" على خلايا النحل، ووضعها في ظلّ الأشجار وقرب مصدر للمياه.

قبل 30 عامًا، بدأت زينب المعموري بتربية النحل، حين كان زوجها يُمارس ذلك هواية. لكنّها باتت اليوم تملك 250 خلية.

وتشرح المرأة الخمسينية أنّ "النحل يتأثّر بارتفاع درجات الحرارة، إذ تتوقّف الملكة عن وضع البيض".

وفي بلد يشهد عواصف ترابية باستمرار، يقول المعموري: "حين تأتي عاصفة ترابية، ويكون النحل خارجًا، لا تعود نصف النحلات".

وعلى الرغم من أن المعموري تمارس مهنة لا يزال يُهيمن عليها الرجال، لكنّها تُبقي شغفها حيًا. وقد أدارت سابقًا لجنة المرأة في اتحاد النحّالين العرب.

وتحت مظلّة في فناء منزلها في بابل، تحتفظ المعموري بنحو أربعين خلية نحل. وفيما حمت نفسها من النحل الذي يحوم حولها، وبواسطة سكين المطبخ، تقطع قطعة كبيرة من الشمع المشبع بالعسل الحلو، لتتذوّق طعمه اللذيذ.

المصادر:
العربي، ا ف ب
شارك القصة