Skip to main content

"وردة لكل عائد".. رحلة في حيفا وإطلالة على مآسي التهجير في نكبة 1948

الثلاثاء 16 مايو 2023

في دفتر، يخطّ الباحث والكاتب في تاريخ حيفا جوني منصور عبارة شهيرة للشاعر أحمد دحبور وصف فيها مدينة حيفا بأنها "الجنة".

ويضيف أنها "الجنة التي يشتهيها كل إنسان في هذه المدينة أو مهجّر عنها، بأمل العودة إلى ربوعها.. إلى الكرمل والبحر والإنسان الذي عمّر المدينة بجهده وعرقه".

الباحث وهو من مواليد وأهالي وسكان حيفا، يتناول في فيلم من وثائقيات "العربي" معالم المدينة والتغيّرات التي طرأت عليها منذ النكبة في العام 1948.

وفيما يستعرض بعضًا من أملاك الأهالي الذين هجّروا منها، يرسم بشهادته وعن لسان شهود ما زالوا على قيد الحياة خريطة لماضي المدينة وحاضرها.

ويقول منصور إنه مؤمن بأن الذاكرة الفلسطينية شهادة على عصر وبمثابة وثيقة، وإن لم تكن مكتوبة على الورق.

وفيما يتحدث عن مقارعة رواية صهيونية إسرائيلية تعمل ليلًا نهارًا من أجل خلق واقع تاريخي وحياتي يسند الحقوق المدعاة والمزعومة من قبل الحركة الصهيونية، يشدد على أنه سيدعم روايته الفلسطينية بأي طريقة؛ سواء أكان ذلك بالذاكرة الشفهية أم الوثائق أو بالصور وحتى بالأفلام القديمة المصورة.

ويشير إلى أنه سيكون أول من يستقبل العائدين، ويعطي كل عائد وردة من ورود مدينة حيفا.

رحلة في ربوع "ماضي" مدينة حيفا

منصور الذي يتنقل في الفيلم الوثائقي بين معالم مدينة حيفا مستعيدًا المشهد في العام 1948، يعرّج في الآن عينه على ما سبقه، وما تبعه من مآسي التهجير، راويًا بلسانه ما يعرفه عن تاريخ الأماكن والأشخاص.

  • ساحة الحناطير 

بحسب منصور، كانت ساحة الحناطير الساحة المركزية في مدينة حيفا إذ اعتادت على جمهرة الناس فيها يوميًا، قبل أن تشهد في النكبة عملية التهجير لعشرات الآلاف من الأهالي نتيجة القصف المستمر من جانب القوات اليهودية.

ويقول إن في الميناء كان هناك عدد كبير من السفن والقوارب التي تنتظر عملية التطهير العرقي للسكان من المدينة.

كانت ساحة الحناطير الساحة المركزية في مدينة حيفا إذ اعتادت على جمهرة الناس فيها يوميًا

ويردف بأن الأهالي الذين طُردوا من حيفا وصلوا إلى مدينة عكا، كما وصل قسم كبير منهم إلى بيروت وتحولوا هناك إلى لاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان.

  • قصر مصطفى باشا الخليل

يقف الباحث والكاتب في تاريخ حيفا جوني منصور على أنقاض ما تبقى من هذا القصر، آسفًا لما آل إليه حاله.

ويشرح أن القصر يعود لحاكم مدينة حيفا في الفترة العثمانية وأحد رؤساء بلديتها، وهو مبنى ضخم سكنته حتى عملية التهجير تلك العائلة التي بدا أنها كبيرة وكثيرة الأبناء.

وبينما يتحدث عن توطين مهاجرين يهود عقب النكبة في قصر مصطفى باشا الخليل والمنازل المجاورة، يلفت إلى أن المكان استخدم لعدة سنوات قبل إخراج العائلات اليهودية المهاجرة منه وإهماله.

ويشير إلى ما تعرّض له القصر من اقتلاع لجزء من أرضياته واختفاء الأثاث القديم منه، إلى جانب إحداث تغييرات على المبنى من الداخل والخارج.

  • حي الحليصة

يُسمى الشارع المؤدي إلى حي الحليصة بـ"شارع حسان بن ثابت"، لكن تغييرًا للأسماء أجري بعد نكبة العام 1948 حوّله إلى شارع "حوسن"، وفق منصور.

وفي مداخلة، يشرح كامل يوسف من سكان الحليصة، أن الحي كان في الأساس غابة من أشجار الكينا.

وفي النكبة، يؤكد يوسف أن كل بيوت الحليصة أُفرغت تمامًا من سكانها، فيما أُحضر مهاجرون جُمعوا من شمال إفريقيا.

إلى ذلك، يُعد مسجد الحاج عبد الله أبو يونس أحد معالم حي الحليصة ومدينة حيفا ككل لا سيما في ماضيها.

في هذا الصدد، يتحدث منصور عن وقوع المسجد في نقطة إستراتيجية، إذ كان يربط بين الحي اليهودي النبي شعلان في الأعلى والبلدة التحتا.

قلة السلاح في يد المقاومين في المعركة قرب بيت النجادة أدت إلى تفوق العناصر اليهودية

وفي عام النكبة، لجأ إليه الثوار والمقاومون لتخزين الأسلحة وإطلاق النيران على المهاجمين من عصابة الهاغاناه.

حينها، وبنتيجة الضغط من الاتجاهين نزل أغلب المقاومين إلى الحي أسفل الجامع، حيث عمارة النجادة، فوقعت – بحسب منصور - المعركة المركزية إلى الجهة الشرقية من مدينة حيفا.

ويقول إن المعركة كانت حامية الوطيس، لكن قلة السلاح عند المقاومين أدت إلى تفوق العناصر اليهودية.

ويردف أنه يسقوط مبنى النجادة سقطت عمليًا كل الأحياء الشرقية بيد عصابة الهاغاناه في العام 1948.

  • حي العتيقة

بدوره، يُعد حي العتيقة، أو حي محطة الكرمل، أحد أحياء حيفا القديمة. ويقول منصور إن الحي السكني قائم إلى الآن، بالرغم من التغييرات التي شهدها بعد عام النكبة.

ويتطرق إلى المآسي التي شهدها في العام 1948 مع احتلال المدينة على يد العصابات اليهودية، وتهجير السكان وتوطين مهاجرين يهود أُحضروا من شمال إفريقيا وبعض دول شرق أوروبا مكانهم.

كما يشير إلى عملية توسيع الميناء، التي جاءت على البيوت القديمة والأراضي فتراجع عدد السكان في الحي.

وفي المدينة أيضًا، مقام إسلامي للشيخ عيسى يصفه منصور بأنه كان عبارة عن حجرتين صغيرتين، هُدمتا في السبعينيات عند مد خط لسكة الحديد، فبقيت في الأسفل مدافن تعود إلى الفترة الرومانية.

وبحسب منصور، حضرت مجموعة من اليهود المتشددين قبل 4 أعوام، ووضعت لافتات وسياج تحت نظر وإشراف البلدية، وأغلقت المكان الموصل إلى المقام.

ويشرح أن إحدى اللافتات تحمل نص صلاة يهودية مع شعار البلدية، متطرقًا كذلك إلى "الشاهد" الذي وُضع لحاخام يهودي. 

  • مدرسة المحطة

وفق الكاتب والباحث في مدينة حيفا، كانت مدرسة المحطة عبارة عن مجموعة من الغرف في طابق أرضي، وإلى جوارها بيوت هُدمت بعد العام 1948 كجزء من عملية تهجير للسكان.

اليوم يقطن نعيم شاما في مبنى المدرسة بعدما أعاد ترميمه، ويقول إنه سمع عن ذاكرة المكان من جدته وخاله.

  • حي وادي النسناس 

بشأن هذا الحي، يقول منصور إنه أحد الأحياء العربية العريقة في مدينة حيفا، ويُعتبر من أوائل الأحياء التي تشكلت بعد خروج أهل المدينة من داخل أسوارها.

ويلفت إلى أن هؤلاء راحوا يشترون الأراضي ويشيدون البيوت، ما يعني أن عمر الحي يقارب 150 عامًا.

وفي ما يتعلق بالتسمية، يقول إن البعض يعيدها إلى حيوان وهمي عاش في البراري، وإن البعض الآخر يتحدث عن عائلة حملت اسم نسناس وكانت تملك أجزاء من الوادي راحت تبيعها تدريجيًا في الفترة العثمانية ومرحلة الانتداب.

من جانبه، يشير زهير شحادة، وهو خياط في حي وادي النسناس، إلى تجميع كل العرب الذين بقوا في حيفا في حي وادي النسناس بعد انتهاء الحرب في العام 1948.

ويقول إن والده وبعدما هربت عائلته "بالملابس التي كانت عليها"، راح يبني حياته من جديد.

  • كنيسة السيدة للروم الكاثوليك

تأسّست هذه الكنيسة في العام 1862 على كنيسة أقدم منها بحوالي 100 عام. ويقول منصور إن مدرسة ابتدائية كانت بجوارها استمرت باستقبال الطلاب حتى نهاية مرحلة الانتداب.

والكنيسة في أحداث النكبة ومع تهجير معظم سكان مدينة حيفا لجأت إليها مئات العائلات، فأقامت في داخلها وفي ساحاتها وكذلك في مباني المدرسة لعدة شهور.

تأسّست كنيسة السيدة للروم الكاثوليك في العام 1862 على كنيسة أقدم منها بحوالي 100 عام

ويردف منصور بأن المرحوم كميل شحادة وهو من أهالي حيفا قام في العام 1982 بعملية ترميم للكنيسة، إلى أن أُعيد تفعيلها من جديد كمؤسسة لرعاية السجناء المدنيين المحررين للانطلاق من جديد في حياتهم الطبيعية.

  • بيت الشاعر أحمد دحبور

عن الشاعر أحمد دحبور، يقول الباحث والكاتب في تاريخ حيفا جوني منصور إنه كتب في دواوينه عن بيته وحياته وذكرياته. 

ويقتطف من أحد الدواوين قول الشاعر: "والآن هل يحق لي أن أقول شيئًا عني، المولد 21 نيسان 1946 في حيفا، واللجوء 21 نيسان 1948 إلى لبنان، ثم الاستقرار المؤقت في سوريا".

ويضيف في نصه الجميل: "تحكي لي أمي عن البحر الذي جلبته لي خصيصًا من حيفا، وكنت أراها بأم عيني تنشر البحر خلف منجرة المخيم فأسبح فيه وأغتسل وأسمح لأترابي بالمشاركة. اللهم إلا الأشقياء منهم، وفي الليل تقفل أمي البحر وترسله في الحنطور إلى حيفا. وحيفا هذه ليست مدينة إنها الجنة ومن لا يصدق فليسأل أمي".

  • حيفا المركز الثقافي والتهجير

في لقائها مع منصور تستذكر عايدة زعاترة، وهي من أهالي مدينة حيفا، ما سمعته من أهلها عن حيفا بوصفها كانت مركزًا للحياة الثقافية. 

وتتحدث عن حضور كبار الفنانين من مصر لإقامة الحفلات فيها؛ بينهم فريد الأطرش وأسمهان وأم كلثوم. 

وتستطرد بالإشارة إلى ما شهدته المدينة قبل العام 1948 من مسارح ومقاه، متحدثة عن عائلاتها الكبيرة التي عملت في التجارة والكتابة والأدب والفن.

بدوره، يروي سامي حداد من أهالي مدينة حيفا عن عملية التهجير التي تعرضت لها عائلته في العام 1948، فيقول إنها وصلت إلى مدينة صور ثم إلى صيدا وبيروت في لبنان، ثم إلى حلب في سوريا، قبل أن يتخذ والده قرارًا بالمجيء إلى الناصرة بعدما سمع بأنها ما زالت تحت سلطة عربية.

ويستعيد أحد أيام الصيف، قائلًا: "شاهدنا طائرة داكوتا فوق الناصرة كانت مهمتها استكشافية، لتعود ليلًا وترمي قنبلة". 

ويضيف: "في اليوم التالي دخلت فرقة من الجيش مقنعة بلباس جيش الإنقاذ، فاستقبلهم الناس بالزغاريد، وبعدما نزلت شابة لترقص احتفالًا بقدومهم أطلقوا الرصاص عليها، ففهم الناس أن الجنود لم يكونوا من جيش الإنقاذ، فسقطت الناصرة منذ ذلك الحين أيضًا".

المصادر:
العربي
شارك القصة