الإثنين 6 مايو / مايو 2024

أحد أبرز المؤرخين العرب.. كيف نفهم مشروع هشام جعيِّط؟

أحد أبرز المؤرخين العرب.. كيف نفهم مشروع هشام جعيِّط؟

Changed

يُعَدّ هشام جعيِّط أحد أبرز المؤرخين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، وواحدًا من المفكّرين الذين ساهموا في تجاوز المناهج التقليدية في كتابة التاريخ.

رحل المؤرّخ التونسي هشام جعيِّط في الأول من يونيو/ حزيران 2021، تاركًا وراءه فكرة جارية وعلمًا يُنتفَع به، وطلابًا على درب المعرفة يدعون بها ولها.

ويُعَدّ هشام جعيّط أحد أبرز المؤرخين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين وواحدًا من المفكّرين الذين ساهموا في تجاوز المناهج التقليدية في كتابة التاريخ العربي والإسلامي.

اهتمّ جعيّط بتاريخ الإسلام المبكّر والكلاسيكي، كما أنّه واحد من المفكّرين الذين اهتمّوا بقضايا الهوية والحداثة والمصير العربي.

من هو هشام جعيِّط؟

وُلد هشام جعيط في السادس من ديسمبر/ كانون الأول عام 1935 في العاصمة التونسية لأسرة من العلماء والفقهاء، حيث كان الأب والجدّ من أبناء الزيتونة، وكان عمّه أول مفتٍ للديار التونسية.

حصل جعيّط على الدكتوراه في التاريخ الإسلاميّ من جامعة السوربون في باريس عام 1981، وكان عضوًا في الأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون ورئيسًا للمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بين عامي 2012 و2015.

كما حصل جعيّط على العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها الجائزة الوطنية للعلوم الإنسانية في تونس عام 1989، والميدالية الذهبية للدراسات الاجتماعية في تونس عام 2005، ودرع الكومار الذهبي للكتابة الإبداعية في تونس عام 2016، ووسام الجمهورية التونسية.

أبرز مؤلفاته التاريخية والفكرة

صدر له عدد من الكتب التاريخية والفكرية العامة أشهرها "الكوفة نشأة المدينة العربية الإسلامية"، وفيه أصّل جعيّط لنظرية جديدة تتجاوز الصراع التقليدي بين البادية والحضر إلى فلسفة الحضارة الإسلامية عمرانيًا وإنسانيًا.

ومن مؤلفاته كذلك كتاب "أوروبا والإسلام" وفيه يشتبك هشام جعيّط مع تراث الاستشراق الأوروبي الذي تناول الإسلام وتناوله بالنقد والتحليل. وعنه يقول الباحث المغربي عبد الإله بلقزيز: "لا نعرف نصًّا موسَّعًا وشاملًا في نقد المعرفة الأوروبية عن الإسلام كُتِب أو نُشِر قبل نشر هشام كتابه عن أوروبا والإسلام". ويرى بلقزيز أنّه لا يقترب من كتاب جعيّط في هذا المضمار سوى كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد.

وله أيضًا "الفتنة جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" الذي تناول فيه ملابسات مقتل عثمان بن عفان والفتنة الهوجاء التي أدّت إلى اقتتال فريقين من المسلمين الأوائل والصراع على السلطة. ومن مؤلفاته الفارقة ثلاثية "السيرة النبوية"، وفيها يقدّم جعيّط قراءة علمية لأحداث السيرة النبوية تعتمد على القرآن الكريم والمنهج التاريخي المقارن للأديان والأنثروبولوجيا والثقافة التاريخية والفلسفية.

الدين لا يملك الحقيقة المطلقة

ويعتبر أستاذ التاريخ الثقافي في جامعة تونس لطفي عيسى أنّه "من الصعب تمامًا أن نحدّد بالضبط طريقة هشام جعيّط"، مشيرًا إلى تأثّره بمناهج عدّة وفق ما يظهر من مؤلفاته.

ويلفت عيسى، في حديث إلى "العربي"، إلى علاقة جعيّط بالمدرسة الفرنسية في تصوّرها الاستشراقي أساسًا من خلال ما أصدره أو ما نشره وكذلك منهج مدرسة المحللين عند الفرنسيين.

ويوضح أنّ هذين المحورَين كانا أساسيّين في فكر هشام جعيّط، لكنّه تأثّر أيضًا بمدارس أخرى، مثل كتابات أوسفالد شبينغلر، ولا سيما كتابه "انحدار الغرب"، وكذلك إعادة تصوره لما جاء في كتاب أرنولد توينبي حول فلسفة الدين، "وفي الأساس من يعرف هشام جعيّط يعرف علاقته بفريدريك هيغل ولا سيما كتابه المعروف دروس حول التاريخ".

ويختصر عيسى فكر جعيِّط بعبارة يركّز عليها نقلًا عن توينبي وقوامها: "نستطيع أن نؤمن بديانتنا من دون أن نعتقد أنها تتوفر وحدها على الحقيقة، كما نستطيع أن نحب تلك الديانة من دون أن نكون مجبرين على الاعتقاد بأنها الوسيلة الوحيدة للخلاص".

ويخلص إلى أنّ "هذا مشروع جعيِّط فكريًا ومنهجيًا"؛ أي أن "الدين لا يملك الحقيقة المطلقة وليس هو السبيل الوحيد للخلاص"، وهو ما يعني أن "كل قراءاتنا في المسألة الدينية لا يجب أن تكون من وجهة نظر واحدة ترغب في أن يكون الدين هو المحدد تمامًا لما نقوم به، وإنما الدين هو جزء لا يتجزّأ من حياتنا".

مشروع هشام جعيّط امتدّ على 57 عامًا

من جهته، يشير الأستاذ في تاريخ الإسلام بجامعة منّوبة لطفي بن ميلاد إلى أنّ مشروع هشام جعيِّط امتدّ على 57 سنة تقريبًا من الكتابة والإنتاج الفكري.

ويلفت، في حديث إلى "العربي" من تونس، إلى أنّ هذا المشروع امتدّ أيضًا على مسارين متقابلين، بين عمل علمي في تاريخ الإسلام التأسيسي، وعمل فكري يتناول قضية "الأنا العربي" في جدله مع الآخر الغربي وإشكاليات الحداثة وولوج الحداثة.

ويقول بن ميلاد: "لو نتتبع ما كتبه جعيِّط منذ 57 سنة سنجد أنّه أولًا وهو سليل المدرسة الفرنسية في المناهج التاريخية كان متمكّنًا جيدًا من آخر المناهج الملقاة على البحث العلمي التاريخي المعاصر".

ويضيف بن ميلاد: "كان مستوعبًا لهذه المناهج وطبّق منهج الحوليات في أطروحته التي نال بها شهادة الدكتوراه "دولة في التاريخ الإسلامي" سنة 1981 من السوربون حول الكوفة ونشأة المدينة العربية الإسلامية".

ويشير إلى أنّه "بعد الكوفة ألّف لنا الفتنة الذي عرضه في بيروت والفتنة هو أكبر مجال لتأثير فلسفة التاريخ التي قدّمها لنا هيغل في النصف الأول من القرن التاسع عشر وطبّقها على الفتنة الكبرى جدلية الدين والسياسي".

وبعد ذلك تفرغ لمشروعه، وهو مشروع نشأة الإسلام في بواكره الأولى أي النبوة والدعوة والدولة المحمدية، وفقًا لبن ميلاد الذي يلفت إلى أنّ جعيِّط وجه انتقادات كبرى للمستشرقين الكلاسيكيين، سواء الاستعماريين أو المرتبطين بالكنيسة الغربية، كما وجّه أيضًا انتقادات كبرى للاستشراق الأنغلوساكسوني الذي يعتمد على مخالطة النصوص وفرض وقائع على النصوص وهي بعيدة جدًا عن الحقيقة التاريخية.

ويشير إلى أنّ جعيِّط كسائر المؤرخين المعاصرين على قناعة أنّ علم التاريخ هو علم وضعي بمعنى أنه يهتم أساسًا بالوقائع البشرية ولا يهتم بالأمور الغيبية، "وهذا هو المشكل الذي حصل عندما أراد جعيِّط العمل على اللحظة التأسيسية للإسلام دون اعتبار للقناعات الدينية التي يعمل بها المسلمون؛ ما أدّى إلى التصادم".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close