Skip to main content

"أفضّل الموت هنا".. اللاجئون السوريون في الأردن يخشون الترحيل القسري

الجمعة 21 يوليو 2023

مع توجّه دول الشرق الأوسط لاستعادة العلاقات مع رئيس النظام السوري، يشعر العديد من السوريين الذين فرّوا بالرعب الآن من احتمال العودة إلى بلد مزّقته الحرب، ولا يزال خاضعًا للحكم الاستبدادي ذاته الذي قضى على ثورة عام 2011.

وحتى في الوقت الذي يعاني فيه اللاجئون السوريون من العداء والأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلدان المجاورة، فإن القليل منهم يرغبون بالعودة.

وتفيد الأمم المتحدة بأنّ عدد اللاجئين السوريين المُسجّلين في الأردن وتركيا ولبنان ظلّ على حاله تقريبًا خلال السنوات السبع الماضية.

وعلى أمل تسريع عودتهم، رحّل كل من لبنان وتركيا مئات السوريين منذ أبريل/ نيسان الماضي، فيما تعتبره جماعات حقوقية انتهاكًا للقانون الدولي.

ويبدو أنّ الأردن، الذي يستقبل ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين، يتّجه إلى هذا المسار أيضًا.

في مايو/ أيار الماضي، استضاف الأردن محادثات تهدف إلى إنهاء عزلة سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية.

وقبل المحادثات، وافق رئيس النظام السوري بشار الأسد على السماح لألف لاجئ سوري يعيشون في الأردن بالعودة بأمان إلى ديارهم، وهي حالة اختبار لإعادة أعداد أكبر بكثير إلى الوطن الأم.

"أفضّل الموت هنا على العودة إلى سوريا"

ورغم أنّ السلطات الأردنية تحدّثت عن العودة الطوعية فقط، فقد انتشر الذعر بين العديد من السوريين في شرق عمان، الذين بنوا حياة جديدة في مبانٍ إسمنتية متعددة الطوابق.

وروت اللاجئة السورية في الأردن سوزان دادوب لوكالة اسوشييتد برس، أنّها شعرت بخوفٍ لم تشعر به منذ وصولها إلى الأردن قبل 10 سنوات.

وهربت دادوب إلى عمان مع أطفالها الخمسة، وزوجها المحاسب الذي تهرّب من الخدمة العسكرية، وشقيقتها التي قالت إنّها مطلوبة لتركها وظيفتها في الخدمة المدنية.

وقالت اللاجئة البالغة من العمر 37 عامًا، والتي دمرت الغارات الجوية منزلها في مدينة حمص السورية: "أفضّل الموت هنا على العودة إلى سوريا"، مبدية خوفها من أن "تقوم الحكومة الأردنية، حتى بشكل غير مباشر، بالضغط علينا للرحيل".

ويقول المؤيدون إنّ "مبادرة الأردن" قد توّجت التحوّل المؤلم في البلاد، من أحد أكثر المضيفين استيعابًا في العالم، إلى أحد أكبر المؤيدين لإعادة اللاجئين إلى وطنهم.

وفي هذا الإطار، قال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش": "لطالما قال الأردن إنّ اللاجئين موضع ترحيب. لكن الخطاب الرسمي تغيّر الآن نحو دعم عودتهم، وهو أمر يُثير القلق الشديد".

"عودة غير آمنة"

وتقول جماعات حقوق الإنسان إنّ عودة اللاجئين إلى سوريا لا تزال غير آمنة للغاية بالنظر إلى مخاطر الاحتجاز التعسّفي، والاختفاء، والقتل خارج نطاق القضاء هناك.

وحتى أكثر العائدين حظًا، يختبرون طوابير الخبز، وانهيار العملة، ونقص الكهرباء بعد أكثر من عشر سنوات من الصراع الذي أودى بحياة حوالي نصف مليون شخص، وشرّد نصف سكانها قبل الحرب البالغ عددهم 23 مليونًا.

وقال محمد (34 عامًا) الذي فرّ من سوريا عام 2013 وافتتح متجرًا للأثاث الخشبي المنحوت يدويًا في عمان مماثل لورشة والده في دمشق لوكالة اسوشييتد برس: "أخبرتني عائلتي أنّه لم تعد هناك حرب. لكن لم يتبق شيء أيضًا".

وأبدى محمد أمله في ألا يعود أبدًا إلى سوريا، مستشهدًا بقصص عن اعتقال قوات أمن النظام للعائدين من أجل دفع رشاوى بآلاف الدولارات من عائلاتهم. وأضاف أنّ ابنتيه البالغتين من العمر أربعة وعشر سنوات "لا تعرفان موطنًا آخر غير الأردن، حيث نعرف معنى العيش بكرامة".

تاريخ من الترحيل

ويستضيف الأردن حاليًا حوالي 1.3 مليون من أصل 5.2 ملايين لاجئ سوري، منتشرين في جميع أنحاء المنطقة، وفقًا للأرقام الحكومية.

وبينما لم تُكثّف قوات الأمن الأردنية مداهمات الترحيل في الأشهر الأخيرة، فقد رحّلت الحكومة عشرات الآلاف من السوريين على مرّ السنين، معظمهم بسبب جرائم مزعومة أو لعدم تسجيلهم لدى السلطات.

وفي الوقت الذي يؤدي فيه ارتفاع معدلات البطالة والتضخّم إلى تأجيج المشاعر المعادية للاجئين بين الأردنيين، وحديث الحكومة بصراحة أكبر عن عمليات العودة، فإن هذا المسار من الترحيل السابق يُقلق اللاجئين السوريين.

وقالت دادوب، التي قُتل صديقها برصاص قوات النظام السوري في مدينة درعا جنوب سوريا بعد ترحيله عام 2016: "كلنا تقريبًا يعرف شخصًا طُرد لسبب لا نفهمه".

وأفادت منظمات حقوقية بأن قوات الأمن الأردنية رحّلت العديد من اللاجئين السوريين لاتهامهم بالتواصل مع الجماعات المتطرّفة والمعارضة في سوريا.

بدوره، أوضح سامر كردي من مشروع "الإصلاح الجانبي" الذي يقدّم المساعدة للاجئين في عمان، لوكالة اسوشييتد برس: "مع تجاوز الخدمات الأمنية في الأردن والمنطقة، هناك الكثير من عدم الثقة الآن. إنّ إعادة احتضان الأسد غير منطقي بالنسبة للسوريين في الأردن".

ومنذ أن حضر الأسد القمة العربية في جدة، وصف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي آمال بلاده في عودة اللاجئين بأنها نتيجة حتمية لعودة سوريا إلى العالم العربي.

وبالنسبة للأردن، فإن وجود عدد كبير من السكان النازحين في البلاد لأجيال، يفوق احتمالات وجود 2.2 مليون فلسطيني في البلاد.

وفي هذا الإطار، قال حسن المومني، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، لوكالة اسوشييتد برس، إنّ تجربة هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّت عائلاتهم أو تمّ طردهم خلال حرب عام 1948، علّمت الأردن أنّه كلما طال بقاء اللاجئين، قل احتمال عودتهم إلى بلادهم.

ورفضت وزارتا الخارجية والإعلام الأردنيتين التعليق على قضية عودة اللاجئين السوريين، مشيرة فقط إلى التصريحات العلنية الأخيرة.

وفي مؤتمر حول سوريا في بروكسل الشهر الماضي، دقّ الصفدي ناقوس الخطر من أنّ "الأردن استنفد طاقته على احتواء اللاجئين".

وقال الصفدي، خلال زيارته إلى دمشق في وقت سابق من هذا الشهر: "نحن على يقين أنّ مستقبل اللاجئين يكمن في بلدهم".

ويبدو أنّ قلّة من السوريين الذين فرّوا من الحرب إلى الأردن، يوافقون على ذلك. وعاد عدد قليل فقط من اللاجئين السوريين في الأردن طواعية إلى ديارهم، حيث بلغ عدد العائدين 4013 شخصًا خلال عام 2022، انخفاضًا من 5800 عام 2021، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة.

ووجد استطلاع أجرته مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في فبراير/ شباط الماضي، شارك فيه 3 آلاف لاجئ سوري في جميع أنحاء المنطقة العربية، أنّ 1.1% فقط من اللاجئين يعتزمون العودة إلى سوريا خلال العام المقبل، حتى مع قول معظمهم إنهم يأملون في العودة يومًا ما. ومن بين المشاركين في الأردن، قال 0.8% فقط إنهم يعتزمون العودة خلال العام المقبل.

وقال دومينيك بارتش، ممثل المفوضية في الأردن: "هذا مؤشر مهم على أن الظروف في الوقت الحالي، ليست مواتية للعودة".

وحتى مع إصرار الحكومة الأردنية على أن جميع عودة اللاجئين ستكون اختيارية، فإن الخط الفاصل بين العودة الطوعية والقسرية يمكن أن يكون ضبابيًا.

بعد عام 2016، عندما أغلق الأردن حدوده مع سوريا في أعقاب هجوم انتحاري عبر الحدود، رفضت السلطات السماح للسوريين الذين غادروا لفترة وجيزة بالدخول مرة أخرى إلى الأردن. وفي حالات أخرى، تم ترحيل اللاجئين بسبب انتهاكات مزعومة للعمل، ثم تمّ تسجيل أقاربهم الذين تبعوهم إلى سوريا بسبب فقدهم للدخل كعائدين طوعًا.

وفي هذا الإطار، قال كردي لوكالة اسوشييتد برس:"ما نراه الآن بعد 12 عامًا، هو أن معظم السوريين في الأردن الذين يرغبون حقًا في العودة هم من كبار السن. إنّهم يعودون إلى سوريا ليموتوا هناك".

المصادر:
العربي - اسوشييتد برس
شارك القصة