Skip to main content

أكبر من منافسة كروية.. مونديال قطر: مكاسب حضارية وبناء للمستقبل

الأحد 20 نوفمبر 2022

لم تكن مجرد صافرة، تلك التي أطلقها حكم المباراة الافتتاحية لمونديال قطر 2022، بين منتخبي قطر والإكوادور في ملعب البيت في الخور. كما لم يكن حفل افتتاح كأس العالم "فيفا" قطر 2022، مجرد حفل أبهر العالم.

فالبطولة التي تقام لأول مرة على أرض عربية، أكثر بكثير من مجرد منافسة كروية عالمية هدفها تحديد هوية فائز جديد بالكأس الذهبية.

وذلك ما أرادته دولة قطر التي وعدت بنسخة تاريخية واستثنائية من المونديال، وعملت من أجل ذلك على مدى 12 عامًا.

أرادت قطر بهذا الحدث الاستثنائي بلورة إرث مستدام، ومدّ جسور التواصل بين الشعوب بمختلف أطيافها وأعراقها. وهي أهداف تتقاطع بحقيقتها مع فلسفة بطولة كأس العالم الداعية إلى السلام، والتقارب، ونبذ الخلافات والنزاعات بين شعوب الأرض.

وهو ما أكده أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إذ دعا في افتتاح البطولة لأن تكون كأس العالم مناسبةً للاحتفاء بالتنوّع، واحترام الاختلاف، وتعزيز التواصل الإنساني بين الحضارات.

وكان من الواضح أن مكاسب المونديال بالنسبة لقطر تتعدّى حدود الدولة صغيرة المساحة إلى خارج حدودها الجغرافية وصولًا لكل بقعة عربية. فالمكاسب هنا ليست فقط اقتصادية، وتنموية، وإعلامية، بل إنها مكاسب حضارية.

بُعد حضاري وبناء للمستقبل

وأوضح إبراهيم هشام السادة، مستشار وزير الرياضة القطري، أن مونديال قطر هو "نسخة استثنائية" من بطولات كأس العالم، لأن قطر قبلت التحدّي عام 2010، وهي تعلم أبعاده.

وقال السادة في حديث إلى "العربي" من الدوحة: إن المونديال لم يكن مجرّد بناء منشآت ومبانٍ وتجهيزها للمونديال، بل يحمل بُعدًا حضاريًا، مشيرًا إلى أنه على مدى 12 عامًا، شاهد العالم الإنجازات على الأرض وتحت الأرض، لكن هذا ترافق مع إنجازات كثيرة وعلى أصعدة مختلفة: الاقتصادية، والثقافية، والسياسية.

وأكد أن انطلاق صافرة بداية المونديال بوجود العالم كله على أرض قطر له أبعاد كثيرة، لأن مستقبل قطر الآن ليس ما كانت عليه قبل الحدث الكروي، حيث انتقلت الدوحة الآن من دولة في أطراف الشرق الأوسط إلى دولة في قلب ومحور الشرق الأوسط.

وشرح السادة أن ما يهمّ الآن هو كيفية استثمار الحدث ليس فقط قطريًا بل خليجيًا وعربيًا، موضحًا أن التواصل العفوي بين الشعوب في مونديال قطر يعكس صورة حقيقية محايدة لثقافة هذه الشعوب، خاصة أن أحد أبرز التحديات التي كانت تواجه استضافة قطر للمونديال هي الصورة النمطية عن العرب والمسلمين.

واعتبر أن قطر استطاعت من خلال المونديال تصحيح الصورة النمطية خدمة لكل الدول العربية والإسلامية.

ورأى أن قطر حقّقت اختراقًا في قضية تنظيم كأس العالم، وشجّعت دول عربية أخرى على استضافة نُسَخ مقبلة من المونديال مع الحفاظ على هويتنا وثقافتنا، بل ونشرها للآخرين وتصحيح الصورة النمطية عن العرب.

ورجّح أن الفترة المقبلة ستشهد امتدادًا لهذا الحدث إلى المناهج الدراسية وتدريسه باعتباره محطة رئيسية في حياة الأجيال في قطر أو منطقة الشرق الأوسط.

وأوضح أن الإرث هو ما سيتبقّى على الأرض وتحت الأرض من خدمات وبنية تحتية تدعم رؤية 2030، ناهيك عن تقاطعها مع أهداف الرؤية لناحية التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية، والبيئية.

تعاون إستراتيجي

بدوره، رأى عبدالله العسّاف، الأكاديمي والكاتب في صحيفة "مكة" الإلكترونية، إنه بينما لن يحقّق أي فريق عربي الفوز بهذه النسخة من كأس العالم، إلا أن قطر حقّقت لنفسها وللعالم ما هو أفضل من الفوز، ألا وهو تحقيق المستحيل والمعادلة الصعبة.

وأمل العسّاف، في حديث إلى "العربي" من الرياض ألا يتوقّف طموح العرب عند هذا الحدث العظيم، لأن ما هو قادم أهم بكثير مما مضى.

وإذ أثنى على الجهود الجبّارة التي بذلتها قطر خلال السنوات الماضية، شدّد على أن ترسيخ الهوية العربية الإسلامية، وإظهار الصورة الحقيقية للعالم عن العرب ودول الخليج والمسلمين تبدأ بعد المونديال، حيث شهد الحاضرون في الاحتفالية الكرم العربي القطري الخليجي، واحتكوا بالشعوب العربية الخليجية.

ورأى أن الدول الخليجية يجب أن يكون لها حضور على الصعيد السياسي في التحوّلات الكبرى حول العالم، موضحًا أن التعاون والخدمات اللوجستية التي قُدّمت من جميع دول الخليج خلال المونديال، تحقّق رمزية وحدة الخليج في الرخاء والشدّة، ويوثّق أواصر الصداقة بين الدول وينتقل من مجال الرياضة والثقافة إلى مجال التعاون الإستراتيجي الذي يؤمن مستقبل المجتمع الخليجي، ويحمي وحدته ووجوده، بعد 40 عامًا على إنشاء الكيان الخليجي وهو ما يتطلّب تفعيل جميع بنود مجلس التعاون الخليجي من الدفاع إلى السياسة إلى الاقتصاد والوحدة النقدية.

وشدّد العسّاف على أهمية أن يندرج قهر قطر للمستحيل والتغلّب على التحديات باعتباره نموذجًا في المناهج التعليمية، مضيفًا أنه على الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي مسؤولية كبيرة جدًا في تفعيل هذا الحدث، وألا يقتصر على كونه حدثّا نحتفي به خلال الأيام الـ28 المقبلة.

واعتبر أن الحدث يجب أن يكون نقطة مفصلية، تتحوّل من خلاله دول الخليج إلى رؤية إستراتيجية مشتركة، وتبادل الخبرات بينها بما يقوّي تجربة كل دولة.

درس في علوم البيداغوجيا للنجاح

من جهته، أوضح مهدي مبروك، وزير الثقافة التونسي السابق، أن قطر، ومن ورائها الدول العربية، استطاعت أن تُبرهن أنها تداركت الزمن وتحكّمت به، إذ إن ما أنجزته خلال السنوات الـ12 الماضية قد تكون في تاريخ الأمم 120 سنة.

وقال مبروك في حديث إلى "العربي" من تونس: إن الدوحة تحّكمت أيضًا بالمكان بعد أن تحكمت بالزمن، من خلال تكثّف العالم في مساحة الملاعب، مضيفًا أن مونديال قطر 2022 كثّف الرمز حيث مرّ خلال ساعة من الزمن على تاريخ قطر والمنطقة العربية والخليج.

ورأى أن هذه التظاهرة الكروية العالمية في الدوحة، تحمل نقلة نوعية في مستقبل دول الخليج والعالم العربي والعالم الإسلامي بصفة عامّة، مضيفًا أن هذه النقلة النوعية ستكون رمزية مكثّفة لناحية قبول الآخر والعيش المشترك، وتبديد الصورة النمطية الظالمة عن العالم العربي والخليجي.

وأشار إلى أن المونديال حقّق نقلة سياسية دبلوماسية نوعية من خلال إذابة الجليد بين بعض القادة العرب، يُمكن أن تراكم عليها قطر والمنطقة للذهاب إلى عمل خليجي عربي أكثر صلابة.

واعتبر مبروك أن نجاح مونديال قطر 2022 ليس نجاحًا قطريًا أو خليجيًا فقط، بل يُمكن أن يكون درسًا في علوم البيداغوجيا للنجاح يُمكن أن تستفيد منه أي دولة عربية أو إسلامية لناحية تنظيم الأحداث الكبرى، والتحكّم في التكنولوجيا، وصناعة الصورة، والاستضافة، واحترام الآخر المختلف، وتبديد الصورة النمطية.

وشدّد على أن أهم درس يُمكن الاستفادة منه يتعلّق بالإصرار، والتحدّي، والقدرة على التحمّل، والمضي قدمًا، إضافة إلى رفع سقف التحديات والإيمان بالقضية، معتبرًا أن تنظيم كأس العالم في الدوحة تحوّل إلى قضية نبيلة والإيمان بها، والسعي لتعبئة الموارد الرمزية والمادية والتقليدية من أجل إدراك الأهداف، بغضّ النظر عن الانتقادات والتحديات.

المصادر:
العربي
شارك القصة