في 23 مارس/آذار الحالي، يتوجّه الناخبون في إسرائيل إلى صناديق الاقتراع للانتخابات العامة الإسرائيلية، والتي هي الرابعة خلال عامين.
وتهدف هذه الانتخابات إلى إخراج إسرائيل من المأزق السياسي التي تُعاني منه، وسط تساؤلات تُحيط بالوضع الحالي للديمقراطية في إسرائيل، وقدرتها على الصمود.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُواجه موقفًا مماثلًا لموقف نظيره السابق إيهود أولمرت في العام 2017. لكنّ نتنياهو، الذي يُواجه اتهامات تتعلّق بالفساد منذ عام 2017، رفض الاستقالة على عكس أولمرت، الذي تسبّب في انقسام الدولة من جهة والناخبين من جهة أخرى، سواء كانوا من داعمي أو خصوم رئيس الوزراء.
وتفاقم هذا الاستقطاب نتيجة التعددية الحزبية في إسرائيل، والتي تضمن ألا يحصل حزب واحد على الأغلبية المطلقة في البرلمان (الكنيست)، ما يجبرها على الدخول في تحالفات هشّة مع أحزاب صغيرة.
انقسام التحالف اليميني
وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى التحالف اليميني الذي نجح في إبقاء نتنياهو في منصبه على مدار 12 عامًا، تعّرض للانقسام هو الآخر، نتيجة التساؤلات حول إمكانية محاسبة رئيس وزراء يخضع لتحقيق جنائي.
خلال الانتخابات الثلاثة الماضية، لم يحظ نتنياهو بالدعم الكافي، لتشكيل حكومة مستقرّة، ولكن خصومه لم ينجحوا في ذلك أيضًا، ما سمح له بالاستمرار كرئيس للوزراء، في البداية، كقائم بالأعمال، وبعد ذلك، وخلال العام الماضي، كرئيس لتحالف هشّ.
وتُشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات المقبلة، لن تؤدي إلى إنهاء الجمود، ما يدفع العديد من الإسرائيليين إلى الاستعداد لانتخابات خامسة، في وقت لاحق من العام الجاري.
ونقلت الصحيفة عن يوهانان بليسنر، رئيس المعهد الديمقراطي الإسرائيلي، قوله: "هل تحطمت الديمقراطية الإسرائيلية، في ضوء ما رأيناه خلال السنوات الأربع الماضية؟ لا، إنها فقط تعرّضت للخلل.. المتخصصون في الخدمة المدنية، هم الذين يستحقون الإشادة؛ لأنهم حافظوا على بقاء الديمقراطية".
ولكن إذا لم يكن النظام قد تحطّم حتى الآن، فإنه يُعاني بالفعل من خلل عميق. لم يمرر الكنيست ميزانية الدولة في عامي 2020 و2021، رغم التكاليف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، ما يجبر الوكالات الحكومية على العمل شهرًا بشهر.
قصور حكومي كبير
تمّ إلغاء اجتماعات المجلس الوزاري أو تأجيلها نتيجة الخلافات داخل الائتلاف، وتمّ تجاوز موافقته على العديد من القرارات المهمة المتعلّقة بالسياسة الخارجية: مناصب حكومية كثيرة لا تزال شاغرة، كما تخوض السلطة التنفيذية حربًا مع القضاء، بينما يُحاول نتيناهو، الذي ينفي الاتهامات المُوجّهة إليه في قضايا الفساد ويصفها بأنها محاولة انقلاب، إدارة الدولة وهو يُواجه الحكم القضائي.
وبحسب مُنتقدي رئيس الوزراء، فإن نتنياهو أدخل إسرائيل في مأزق سياسي، لسبب واحد فقط وهو الفوز بما يكفي من المقاعد في البرلمان، كي يكون قادرًا على تغيير القانون وإبطال محاكمته. وهذه المرة، فإن نتنياهو متّهم بتخريب مفاوضات ميزانية الدولة كي ينهار الائتلاف الحكومي ويدفع إسرائيل إلى الانتخابات المقبلة. وقد أدى ذلك إلى الانقلاب على اتفاق تقاسم السلطة، الذي كان سيسمح لبني غانتس شريكه في الائتلاف، كي يكون رئيسًا للوزراء في الخريف الماضي.
وقال يوهانان بليسنر: "يُريد نتنياهو الحصول على أغلبية الأصوات لتجنّب الإجراءات القانونية ضده، وسوف تستمرّ تلك الأزمة، حتى يتمكّن من تحقيق هدفه. يُمكن أن نرى أيضًا إجراءات جذرية تستهدف تقويض استقلالية القضاء، ما سيدفع إسرائيل نحو منحدر خطير وأزمة دستورية".
ولكن نتنياهو يختلف تمامًا مع الطرح السابق، وقال أعضاء بارزين في حزب "الليكود" اليميني للصحيفة إنه سعى للبقاء في السلطة من أجل "مهمة وطنية". ورغم أنه سبق له محاولة إقناع الكنيست بمنحه الحصانة القانونية، فإنهم يقولون إن نتنياهو لن يستخدم سلطاته في التهرب من محاكمته.
وقالت الصحيفة: إنه "رغم الاضطرابات التي تعاني منها إسرائيل على الصعيد السياسي، فإن أنصار نتنياهو يقولون إنه نجح في قيادة الدولة نحو حملة تطعيم رائدة على الصعيد العالمي ضد فيروس كورونا. كما يقول الموالون لرئيس الوزراء، إن غانتس هو المسؤول عن الجمود المتعلّق بالميزانية وأمور أخرى، ويقولون إن نتنياهو، هو الزعيم الإسرائيلي الوحيد، الذي يملك الذكاء والصرامة الكافيين لمواجهة الطموحات النووية الإيرانية".
ونقلت عن تساحي هنغبي، الوزير في حكومة "الليكود" بدون حقيبة، قوله: إنه "لا أحد في المعارضة، يستطيع فهم حقيقة اللحظة التاريخية، عندما يتعلّق الأمر بالبرنامج النووي الإيراني. ربما يكون هذا هو السبب الرئيسي، وراء إصرار نتنياهو ومثابرته على المضي قدمًا".
مغازلة العرب
من المفارقات أيضًا، أن نتنياهو يسعى لمغازلة الناخبين العرب، الذين يشكلون 20% من قوة التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، وعادة ما كانوا عرضة للتجاهل والازدراء من قادة التيار الرئيسي، مثل نتنياهو. ولكن الأخير، وخلال تلك الحملة الانتخابية، زار العديد من البلدات العربية، ووصل الأمر إلى تقديم وعد لنائل الزعبي، العضو العربي في حزب "الليكود"، بالحصول على منصب وزاري.
وقالت الصحيفة: إنه "بعيدًا عن تلك التطوّرات، فقد اقتصر الخطاب السياسي في إسرائيل إلى حد كبير على نقاش حول رجل واحد وهو نتنياهو. ولم تعُد الخريطة السياسية مقسّمة إلى يمين ويسار، ولكن بين هؤلاء الذين يريدون استمرار نتنياهو في السلطة، وهؤلاء الذين يعارضون بقاءه".
ونقلت الصحيفة عن تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، قولها: "لا أحد يتحدث عن طبيعة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية، لا أحد يتكلّم عن الصراع مع الفلسطينيين، أو جوهر الدولة، الأمر كله ينصبّ الآن، حول قبول أو رفض بيبي"، في إشارة إلى نتنياهو.